قبل الدخول في هذا الموضوع الخاص أود أن أذكر بأني أكتب للمسلمين خاصة – وأعني من المسلمين أولئك الذين إذا سمعوا حكم الله في خلقه أن لا تكون لهم الخيرة من أمرهم وفي نفس الوقت يقولون سمعنا وأطعنا.
أما الملحدون أو العلمانيون أو شبههما الذين وصفهما الله بأن يقولوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض فقد ذكر الله أن مصيرهم الخزي في الحياة الدنيا وأشد العذاب في الآخرة، فلا فائدة في مناقشتهم.
وبناء علي ذلك فإننا نحن الإنسان المسلم نعترف أننا لا نستطيع التدخل في: كيف نخلق ؛ولا كيف نموت؛! ولا مدة إقامتنا في الدنيا ولا مصيرنا في الآخرة.
ويعترف كل إنسان معنا في الإنسانية ولو بالقوة المنطقية مع ما تقدم أنه لا يستطيع زيادة حجمه فوق الأرض ولا زيادة سماعه وأبصاره ولا قدرة عضلاته إلي آخره.
وبذلك: إذا قال الله أنه خلق بعض الإنسان أصلا ليكون وقودا لجهنم ولكنه وصفهم بأنهم لهم قلوب لا يفقهون بها إلي آخر الآية وهي قوله تعالي :{{ولقد ذرأنا لجهنم}}، فأي كائن تدخل في الدنيا بفكره المحدود أو أراد أن يقول بلسانه في الدنيا فقط، هذه إهانة للإنسان واحتقار له ولا يصح قبوله، ويقول بعضهم الله خلق هذا الإنسان مكرما محترما وأنزلها في نصه المحكم، فالله يجيبه بأن الله يقول في ذلك عموميات تتعلق بالإنسان كله وهي خلقه في أحسن تقويم وخلق له السمع والبصر والفؤاد ولكن من لم ينتفع بهذا التكريم قال له أنه سيرده أسفل سافلين، والأسفل طبعا هو العذاب الدائم المهين في الآخرة.
ومن أعظم أسباب هذا الرد لأسباب العذاب المهين أن تنسب مع ضعفك الأشياء إلي غير أهلها وهو إرادة الله به أو ما جاء في هذا القرآن بأنه هو مصير الكل طبقا للآيات المحكمات المنزلة في هذه المعجزة الكبرى.
هذا الانحراف الذي لا ينفع معه العقل ولا السمع ولا البصر المكرم بها من الله فإن صاحبه وهو الإنسان لا يقبل الكرامة بطواعية نفسه المكرمة بهذه المنافع الأساسية في الحياة يقول تعالي في شأن مثل هؤلاء: {{وإذا تتلي عليه ءاياتنا ولي مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم}}.
فهذا الإصرار المبني فقط علي العناد وقلة الإصغاء لرسالة الله إلي الأرض الذي خلق فيها الإنسان ليعبده ويذعن إليه بالربوبية لأن الواقع هو أن الإنسان لا حول له ولا قوة ولو جحد هذه الحقيقة عن نفسه.
هذا الاستكبار وهذا الإصرار هو الذي تفضل الله أيضا جل جلاله علي الإنسان أن لا يأخذه أولا بسببه إلا بعد أن يرسل له رسلا من جنسه ليبينوا له حقيقة ما هم أنفسهم عاجزين عنه بالرغم من اختيارهم لتبيين وإيصال رسالة الله للعباد، فهم يقولون كما قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: {{يأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}} ويقولون عن أنفسهم :{{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله}} بمعني يبينون خصائص الله الواقعة بالفعل مثل انفراد الله بعلم الغيب والخلق والإماتة والإحياء بعد الخلق إلي آخره.
وبعد هذا التبيين وتصريف الله للناس في هذا القرآن من كل مثل علي لسان رسله فأبي أكثر الناس إلا كفورا.
فهذا الإباء إلا الكفر هو الذي عامل الله أهله بهاتين المعاملتين: الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، فالأمم السابقة قبلنا إن ظلموا أنفسهم بهذا الامتناع المبني علي عدم استعمال العقل الذي وهب الله لهم أهلكهم الله مباشرة بعذاب من عنده كما قال :{{وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}}، فإذا طلبوا قبل الهلاك آية ليصدقوا بها رسلهم أعطاهم الله تلك الآية الخارقة طبقا لطلبهم ولكن إذا لم يؤمنوا بعد ذلك أهلكهم بأنواع من العذاب مباشرة وهي مسطرة في القرآن :{{فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومن أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا}} إلي آخر ما جاء في تتابع تلك الأمم علي التكذيب والعناد.
أما الخصوصية التي جعل الله لرسالة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم هو أن جعل مقابل الآيات المطلوبة للإعجاز هذه الآيات المتلوة النازلة بلسان من سبقت إليهم بألفاظ ومعان متفقة مع ألفاظهم ومعانيهم التي يتعاملون بها، فلم يكن هناك أي مجال لعدم الفهم – ولكن هناك أفكار عناد بعد الفهم أو فهم من غير استجابة.
ومن هنا فقط شرع الله وكلف هذه الأمة بإعلان الجهاد في قومها بدل استئصالهم بالعذاب كما قال نوح غليه السلام :{{رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا}} إلي آخر الآيات، مقابل خصوصية الرسول صلي الله عليه وسلم في دعوة أمته قال: (لعل الله أن يخرج من أًصلابهم من يوحد الله) فجعل الله عذابهم بالسيف ويقول تعالي: {{قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون}} أي أن يصيبكم الله بعذاب من عنده في الآخرة أو في الدنيا بأيدينا وكما قال الشاعر الشنقيطي :
فمن لم يرتدع بهدي ال كتاب فبالكتائب يردع.
وتقدم عذاب الله في الآخرة في الآية علي عذاب السيف في الدنيا لتحقق عذاب الله لمن مات علي الكفر أما عذاب السيف فالحرب دول.
هذا العذاب الخاص في الدنيا وهو عذاب الجهاد بمعني القتل بالسيف لعصاة المشركين هو الذي اشتق منه مشروعية الرق التي سوف أتكلم عليها إن شاء الله في الحلقة القادمة أي حدود الاسترقاق فيها : نوعه ــ حكمه ـــ وزمنه ــ ومكانه ـــ ونهايته في الواقع المنظور الآن من غير نسخ ولا رفع للآيات الآمرة به ــ ولكن لعدم توفر شروطه المقننة من الله واجتهاد علماء السنة طبقا لقوله تعالي:{{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}}.