تواجه الحياة السياسية في بلادنا معضلات أخلاقية وسياسية واجتماعية كبرى، بعضها متجذر تجذر القيم التي يصدر عنها، وبعضها الآخر عرضي ناتج عن عقود من ممارسات السياسية الرجعية.
وفي المجمل يمكن أن يساس هذا الوضع - بشقيه - بإرادة الإصلاح الجادة والقوية.
ليس غريبا أن يكون وزير الداخلية الحالي هو أول من كشف النقاب عن التحديات التي تواجهها الساحة السياسية سواء المتعلق منها بالقوانين أو الممارسات أو حتى القيم السياسية التي شاعت وألفت نتيجة الهروب الطويل من مواجهة الأزمة.
هل يحق لوزارة الداخلية أن تعطل ترخيص الأحزاب ؟
هذا سؤال منطقي من الناحية الديمقراطية.
لكن شرعية السؤال تكون بذات القدر من الحجية حين يتعلق الأمر بجدوى الأداء السياسي وأساليبه ومسلكياته وفق منطق الديمقراطية ذاته.
فهل من الديمقراطية بيع الأحزاب للترشحات؟
وهل من الديمقراطية ممارسة العمل السياسي دون رؤية ولا قدرة ولا أهبة مدئية؟
هل من الديمقراطية أن يكون الحزب السياسي ورقة في قلب خزينة منزلية ولا يحقق الغاية من وجوده.
هل تتحقق القيمة المعنوية والمادية من وجود الأحزاب في الواقع أم أنها تتحقق بمجرد توقيع ورقة الترخيص؟.
الحقيقة أن وزير الداخلية وضع النقاط على الحروف وتحدث عن تابوه بالغنا جميعا في تجاهله حتى بلغ أشده واستطاع إفساد القيم السياسة وشتت وعي الأمة.
لقد عاثت الأحزاب فسادا في تمويلاتها بذات القدر الذي عاثت فسادا في بنية الوعي الوطني، حين غابت عن ميادين التأطير والتوعية وتوسيع الخيارات الواعية.
لم تستطع هذه الأحزاب - على بلوغها المائة ونيف - أن تؤطر أتباعا أَو تحصن مرتكزات أو تخلق وعيا بالقيم الديمقراطية ولا المدنية.
لقد أصبحت منصة لبيع الحقوق المدنية لمن يدفع أكثر، وبورصة لبيع الحصانة واسطبلا للمراهنات على الخصومة وضرب الخصوم بالخصوم.
لقد أحدثت إرباكا عميقا وقويا في الممارسة الديمقراطية وشوهت بواكير التجربة الوطنية.
هذا " المربط" السياسي أخذ كامل الوقت ليحول القيم السياسية من قيم مدنية ديمقراطية، إلى قيم تجارية وقبلية راسخة.
كانت وزارة الداخلية تسوق دعوى نجاعة نظرية العرض والطلب في الترخيص للأحزاب.
لكنها فشلت طوال العقود الماضية في تقييم الخسائر الناتجة عن تدمير القيم.
أما وقوف الدولة في وجه وضع قانوني وقيمي مختل كهذا ، فقد كان يحتاج لرجل قوي كالذي وقف قبل أيام أمام البرلمان منتصرا لأخلاقنا وقيمنا كأمة .