في ظل ازمة عالمية خانقة، تسعي موريتانيا حاليا لإحراز تقدم في مجال انتاجها الزراعي، وقد ظهر جليا وجود رغبة سياسية
قوية لدي النظام الحالي لتحقيق هذا المسعي.
لكن الطواقم الفنية والإدارية المسؤولة عن تجسيد هذه الإرادة السياسية لا تزال – للأسف الشديد- تواصل نفس الخطط و
تعتمد نفس البيانات والاحصائيات الوهمية التي ينتجها القطاع كما تستخدم تقريبا نفس أساليب الدعم واليات التنظيم التي كانت
وراء فشل جميع محاولات الإنتاج الزراعي السابقة.
حيث يتم التركيز المطلق علي الحملات الزراعية (بما تحمله من صفقات شراء المدخلات و اشغال استصلاحات...الخ ) و يتم
التجنب التام للاستراتيجيات و الخطط الهيكلية التي من شأنها تصحيح الاختلالات الكبرى التي يعاني منها القطاع (الأراضي
الزراعية ، التكوين ، التمويل و التأمين ، البحث و الارشاد...الخ) .
و هكذا أعلنت الحكومة عن ثلاث حملات زراعية كبري خلال الأعوام القادمة تتضمن حملات تحسيس كبيرة خاصة
بالزراعة المروية .
و رغم ذلك فالجميع يدرك أنه ان استطاعت موريتانيا تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الحملات الزراعية الكبري الثلاثة
(2022 حتي 2025) التي اعلنت الحكومة عنها . فستحقق بذلك معجزة كبري و ثورة حقيقية في عالم التنمية الزراعية ،
حيث ستكون أول بلد في العالم يحقق الاكتفاء الذاتي الزراعي من دون :
- تكوين و تعليم مهني زراعي
- بحث زراعي
- و بحوالي 60 مرشد زراعي فقط
- و من دون انتاج بذور محسنة
- و بملكية أراضي زراعية تقليدية !!!
- و أراضي غالبيتها مستصلح بطريقة مختصرة (aménagement sommaire)
- ومن دون آليات زراعية (مكننة)
- ومن دون قرض و تمويل زراعي
- ومن دون تأمين زراعي
- و سوق داخلي فوضوي
- و بمزارعين يعيش ثلثاهم تحت خط الفقر
- و بمناطق انتاج زراعي هي الأفقر في البلد من حيث ( الخدمات الأساسية: التعليم ، الصحة، الحماية المدنية ....الخ) و
الخدمات اللوجستية ( الكهرباء ،النقل ، التخزين ....الخ)
- و بإحصاء زراعي مشكوك فيه الي حد كبير (أكبر المشككين البنك الدولي الذي قال انها ارقام متناقضة و مشكوك فيها....)
- وفوق ذلك بوزارة تضم بضعة فنيين و مهندسين زراعيين (من بين حوالي 1000 موظف تتواجد غالبيتهم في نواكشوط
بعيدا عن مناطق الانتاج).
…الخ
انها حقا لمعجزة أن يحقق بلد ما اكتفاء ذاتي زراعي عن طريق شراء كميات كبيرة من البذور والأسمدة و السياج من كبار
الموردين و التجار (وهم المستفيدون الحقيقيون من كافة الحملات الزراعية السابقة) و توزيعها علي نسيج تعاوني غير واضح
(تعاونيات و اتحاديات يقودها أساسا سياسيون ووجهاء)!!! و من ثم اعلان نجاح الحملة الزراعية و تقديم أرقام خيالية حول
انتاج زراعي وهمي (حسب البنك الدولي ...) .
الاكتفاء الذاتي الزراعي يحتاج استراتيجيات (وليس حملات) تتضمن إصلاحا هيكليا و تغييرا جذريا حقيقيا بما يضمن
التوازن بين المهام العملياتية الميدانية (الحملات الزراعية) و المهام التنظيمية (الأراضي، التمويل ، التأمين...الخ) !!!