من الأخطاء القاتلة في منظومتنا التربوية، أن الاهتمام ينصب في شهادة البكالوريا على الناجحين فقط، فتقام لهم الاحتفالات وتعطى لهم الهدايا والجوائز والأفراح لأيام وأسابيع.. وهذا طبعا واجب على الجميع لمكافأة المجتهدين وتشجيعهم والأخذ بيدهم إلى بر الأمان.
ولكن في المقابل لا أحد من المسؤولين ولا فعاليات المجتمع المدني يهتم للراسبين في هذه الشهادة وتعدادهم للأسف الشديد يفوق تعداد الناجحين، خاصة وأنهم يعيشون في وضعيات نفسية صعبة بالنظر إلى سنهم اليافع الذي لا يستحمل الضغط النفسي الرهيب الذي تحدثه البكالوريا في الحياة اليومية فضلا عن الممتحنين.
الجميع يتحدث عن الناجحين ومعدلاتهم ومستقبلهم الدراسي والتخصصات التي تصلح وتتوافق مع نتائجهم..
كل ذلك واجب علنيا جميعا ولا أحد يمكن أن يكتم أفراح الناجحين وعائلاتهم، لكن الذي يغفل عنه الجميع وفي مقدمتهم السلطات العليا للبلد وفعاليات المجتمع المدني أنه يوجد في المقابل عددًا كبيرا من مترشحين لم يسعفهم الحظ في النجاح، أكاد أجزم أن داخل كل واحد منهم قنبلة “نفسية” موقوتة، إن لم نفلح في تفكيكها سوف تنفجر في وجوهنا بطريقة عنيفة، فهؤلاء لم ينجحوا، لأنهم لم يجتهدوا، أو لأن الظروف لم تكن في صفهم، لكن من حقهم أن يكلمهم أحد بطريقة ما ليخفف عنهم وطأة الهزيمة ومرارة السقوط..
كان الأجدر بنا جميعا وفي مقدمتنا وزارة المعنية أن تستقبل هؤلاء الراسبين جميعا ليوضع كل واحد منهم في صورة نتائجه أين أجاد أو أين قصّر ولماذا خسر وماذا يمكنه أن يفعل.. كان الأجدر أن تقام لهؤلاء الراسبين ملتقيات تمتص غضبهم وإحباطهم وتشحنهم بإرادة جديدة لمواجهة الحياة.
كان الأجدر، أن يتم تصنيف الراسبين ومستوياتهم لتوجيههم الوجهة الصحيحة، إما لإعادة الامتحان أو للتكوين والتمهين أو للحياة العملية إن كان هناك فرصة.. المهم أن يجد الراسب من يهتم به ويوجهه وينصحه ويلم تركيزه المشتت، خاصة وهذا الراسب يرى الأفراح والأعراس تحيط بزملائه الناجحين من كل جانب..
نقول هذا الكلام، لأن الأمر يتعلق بمراهقين يافعين، من السهل جدا أن تنحرف بهم أبسط أزمة يمرون بها، خاصة ونحن في بيئة موبوءة بالآفات والانحرافات..
فكم يسهل على الارهاب أن يمتص من هؤلاء المئات ويرميهم إلى المجهول، لأن أي فاشل في الحياة إذا إفترضنا أن هؤلاء فاشلين، من السهل جدا إستغلال حقنه على وضعه ورفضه لمحيطه وشحنه بالكراهية والانتقام، فينتقم بعضهم من أنفسهم بالمخدرات وينتقم البعض الآخر من مجتمعهم بالانزلاق إلى الجريمة.. فيصبحون جميعا وقودا لاهبا لانحراف خطير.
ولأن السلطات لا يمكن التعويل عليها في هكذا تحديات، فإن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق العائلات للاهتمام بأبنائها الراسبين ومرافقتهم نفسيا للخروج من هذه الأزمة التي يمكن لهم أن يتجاوزوها بعبقرية.. فكم من راسب في البكالوريا أعادها فظفر بمعدل أدخله إلى عوالم العبقرية والتألق.. وكم من ناجح فيها بمعدل بسيط تاه في نفق التخصصات الوهمية التي تنخر جامعاتنا.. وهو ما يجعلنا نقول للراسبين جميعا ربما خسرتم جولة، لكنكم أصبحتم أكثر تحصينا لاجتياز معارك حياتكم.
يلفت خبراء ومختصون إلى ضرورة الوقوف إلى جانب المُتعثّرين في نيل شهادة البكالوريا، وتقديم الرعاية النفسية عقب هذا التعثّر الظرفي، بل يصفه كثيرون بأنه تأخر في موعد النجاح وليس فشلاً.
توجيهاً دراسياً أكد فيه أهمية الاهتمام بالمتعثرين في نيل الشهادة: "بالموازاة مع تكفل جهات عدة بالناجحين تبريكاً وتشجيعاً وتوجيهاً، يتوجب أيضاً الدفع بأكثر من جهة إعلامية وتربوية وجمعوية إلى مواجهة إحباط ويأس الفاشل وتحويله إلى طاقة إيجابية تخفف عنه، وتضعه بمعية إرادته على سكة النجاح من جديد، وإن لم يكن ذلك أكاديمياً فمهنياً، لأنّ الوطن وفقاً لرؤية الجودة الشاملة يحتاج إلى جميع أبنائه باختلاف الشهادات والمهارات". أضاف أنّ "التكفّل بتوجيه الراسبين ينبغي ألا يقلّ أهمية عن توجيه الناجحين، بل السيئ في أيّ نتائِج مدرسية كانت أو مهنية أن تجعل المجتمع والمدرسة والوطن محلّ فرحة البعض وكره البعض الآخر.
وفي ختام رسالة مني لكلّ من تعثروا في نيل شهادة البكالوريا هذا العام
اقول لهم
الإخفاق والرسوب ليسا نهاية العالم، يمكن أن تفشل هذا العام وتنجح بامتياز في العام المقبل. عليهم (الراسبين) أن يضعوا النجاح كهدف، وعلى عائلاتهم أن تساعدهم لإعادة السنة، فطالما الإنسان متسلح بالإرادة والرغبة فإنّ النجاح مسألة وقت فقط.
فعدم الحصول على شهادة البكالوريا ليس القصة الوحيدة أو الأخيرة لمن تعثروا في النجاح الدراسي، قبل أن يعاودوا الكرّة وينجحوا، خصوصاً أولئك الذين ثابروا وعقدوا العزم على تجاوز هذه الكبوة نحو تحقيق النجاح في الجامعة. كذلك، هناك من تخلّى عن الحلم وتوجه إلى التكوين المهني، وتفوق في اختصاصات متاحة في المهن، وتمكن من تحقيق أهدافه والإبداع فيها أيضاً، بل ربما فتحت له آفاقاً أرحب مثل كثيرين ممن حققوا ذواتهم في اختصاصات يحتاجها سوق العمل في موريتانيا .
اتمنى لكم أن تقبلوا هذا التعثر وتكرار التجربة والتي ستكون أكثر فائدة لكم ، وتحيل عثرتهم هذه المرة إلى نجاح في المستقبل القريب.