من سار معنا في الحلقة الماضية عن الرق في الإسلام يجد أننا وقفنا عند: أن معجزة نبينا محمد صلي
الله عليه وسلم الذي تحدي بها الإنسان هي هذا القرآن – وأنه مقابل هلاك من لم يؤمن بآيات التحدي من
الأمم السابقة أهلكه مباشرة في الدنيا بأنواع العذاب.
وقد بينا أن رفض تحدي المعجزة جعل الله مكانه العذاب أمره بجهاد من رفض فحوي القرآن، لعل أن
يهتدي إنسان بالجهاد أو يخرج الله من صلبه أهل الإيمان بدلا من استئصالهم بالعذاب الذي لا يبقي ولا
يذر من يعبده.
هذا الجهاد لكي تتحقق نتائجه جعل الله له حافزين لتنفيذ الأمر بالجهاد، فمن قتل فيه يتحول تلقائيا إلي
حي يرزق عند الله إلي ما لا نهاية:{{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل أمواتا بل أحياء}} إلي آخر الآيات،
وإن بقي حيا فقد ملكه الله المغانم التي حصل عليها من إنسان أو حيوان أو جماد :{{وعدكم الله مغانم
كثيرة تأخذونها}}.
فالإنسان يستخدمه استخداما سنأتي إن شاء الله إلي تفصيله – أما الحيوان أو الجمادات المنتفع بها فجعلها
الله هي أطيب مكتسباته.
أما الجانب الآخر فبدلا من تعجيل عذابه سمح له بأن يفدي نفسه ولو بقي علي كفره بشرط الرضي بأداء
تلك الضريبة وبقائه في حالة ذل بسبب اختياره للكفر بين المسلمين –يقول تعالي :{{قاتلوهم يعذبهم الله
بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}}، ويقول : {{حتى يعطوا الجزية عن يد
وهو صاغرون}}.
ومن هنا يبدأ الكلام علي وجود الرق في الإسلام الحاصل لأهله من الأسر أو الاستسلام للمسلمين في
الجهاد فقط، وأن سببه هو الامتناع عن الدخول في الإسلام والإرادة الفعلية من الكفار لقتل المسلمين أو
فتنة من آمن منهم عن دينه كما يقول تعالي: {{قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}}.
وبعد حصر سبب هذا الاسترقاق في الأسر أو الاستسلام في الجهاد فقط، بطل كل استرقاق خلقته
البشرية لنفسها، ويبلغ قريبا من 30 سببا أكثره وجود قوة المسترق باسم الفاعل وضعف المسترق باسم
المفعول وذلك الضعف تارة : الفقر – وتارة الدين – وتارة الأسر في غارات البغي إلي آخره.
وبذلك يتمحض وجود رق إسلامي لا يبيح سببه إلا الجهاد المشروط حصوله تحت راية الإسلام وهدفه
أعلاه يقول تعالي: {{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}} فبعد نزول هذه
الآيات أصبح الجهاد سببه قليل لدخول الناس فيه أفواجا، ورق آخر عام في العالم كله وأسبابه كثيرة كما
قدمنا وهي جاهلية كلها.
مع أن الرق الإسلامي المشروع جاءت معه نصوص لضبطه أولا، ونصوص كثيرة لنهايته إذا وجد، أما
الآخر فلا ينتهي إلا بانتهاء أسبابه غيرالمشروعة.
ومن هنا أقول للموريتانيين جميعا أن لا ينزعجوا سواء بالاستغراب أو الرفض لما ستضمنه المعلومات
التالية وتتبع شرحها.
يقول الدرديري شارح خليل بن اسحاق المالكي في كتابه لشرح خليل – وهو مصري عاش في القرن
الثاني عشر هجري شارحا قول خليل :(وخصصت نية الحالف وقيدت في باب الأيمان) أي الحلف بأن
اليمين يقيده العرف اللغوي أن من حلف لا يركبن دابة ولا يلبس ثوبا وأنه ليعتقن عبدا، فلا يحنث
بركوب الجمل وغيره من الدواب إلا الحمار لأنهم يقولون الدابة للحمار فقط، ولا يحنث كذلك بلباسه
للسروال وغيره من اللباس إلا بالقميص فقط لأنه هو الذي يقولون له ثوبا، ولا يبر يمينه بعتق عبد إلا إذا
أعتق عبدا لونه أبيض، فإذا عتق عبدا لونه أسود فكأنه لم يفعل المحلوف عليه وهو عتق العبد لأنهم لا
يعرفون العبيد السود.
سيكون هذا مستغربا ولكن استغرابه من باب العادات والتعود فقط لا من باب الشرع واستنطاق التاريخ
الإسلامي وفحواه ووقائعه.
فقد قدمنا أن سبب الرق الإسلامي هو الأسر في الجهاد أو الاستسلام ساعة الجهاد خاصة وليس لأجل
الغلبة فقط، فذلك يعد من رق الجاهلية ولو وقع في قرننا هذا.
وهذا يدل أن النبي صلي الله عليه وسلم توفي سنة 11 للهجرة وفي جميع غزواته لم يتم أسر من لونه
أسود.
ففي حياة النبي صلي الله عليه وسلم تم أسر العرب ولاسيما هوازن في غزوة حنين وكذلك اليهود وفارس
إلخ، ولم تتجاوز الغزوات الجزيرة العربية إلا غزوة تبوك وسكانها عرب الشام والنصارى ولم يتم فيها
قتال ولا أسر.
أما بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، وانتهت خلافة أبو بكر وعمر وعثمان في ثلاثين سنة بعد ذلك
والجهاد لم يتجاوز مصر إلي بقية الأفارقة سواء كان عربا أو بربرا أو أفارقة سود إلا بعد انتهاء حكم
الخلفاء الراشدين أعلاه، وبعد ذلك اضطرب أمر المسلمين من آخر خلافة عالي رضي الله عنه وخرجت
الشيعة والخوارج إلي آخره، وأصبح بعض الطوائف يكفر بعضها بعضا ويأسره ويستعبده كاستعباد
الجهاد الشرعي مع أن الله قال :{{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )) إلي آخر الآية، فلم
يذكر حكم الجهاد هنا لأنهما طافئتين مؤمنتين وينص الفقهاء هنا أن أسيرهم لا يعامل معاملة الأسير.
ولذا فالمكتوب في التاريخ أن الشيعة الإباضية هم أول من أدخل الجنوب الإفريقي الإسلام بالدعوة إلي
آخره ولو كانت دعوة من إحدي الطوائف لأنها تزيل أصل الكفر، أما بقية الجهاد تحت السلاطين غير
المتفق عليهم فمن مصر اتجه غربا إلي ليبيا مثل عقبة بن نافع وتونس والمغرب الأقصى تحت سلطة
الأمويين الذين كانوا يقتتلون مع الهاشميين العباسيين إلي ما قبل ذلك من الاقتتال في العراق بين أنصار
معاوية وعالي إلي آخره.
ومعني ذلك أنه إذا كانت مصر وصلت إلي القرن الثاني عشر لا يفصلنا معه إلا قرنين وهي عرفها أنه
لا يكون العبد إلا لونه أبيضا، فلماذا نحن هنا في موريتانيا لا نعرف إلا العكس وهم العبيد السود ؟
فعرفنا هذا يدل علي أن تعبيد الإنسان الأسود أخذناه من هنا أو من الجنوب وكله تعبيد جاهلي، أما سواد
عبيد الدول التي غربنا وجنوبنا وشرقنا فالسواد يعم الجميع وكله جاهلي، وأما تعبيد الإنسان الأسود دون
الأبيض في عرفنا هنا – فإن كل تغلب في الحرب بين المماليك وحتى ولو كانت الإسلامية كما وقع فوق
أرض موريتانيا فيستعبد فيه الأسير استعبادا غير شرعي كما أدرك ذلك أوائلنا الأقرب وسنفصل ذلك
بإذن الله في المقال القادم إن شاء الله