كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه / المهدي ولد احمد طالب

لقد نجح المستشرقون والمستعربون في الشرق والغرب الإسلامي من وضع خطط محكمة  أيام مقامهم في البلدان الإسلامية ، هدفها الأول والأخير هو القضاء على الإسلام وكل ما  له علاقة به ، سواء في باب الأخلاق أو في العقائد ’’ نشروا الإلحاد والاستهزاء بالدين عن طريق بني جلدتنا الناطقين  بألسنتنا ، 

 كما أنهم ساهموا بشكل مباشر في زرع قيم الانحلال الأخلاقي والإباحي عبر الدور والفنادق التي تشرف عليها  الحركات الصهيونية والماسونية عبر ممثليهم  من أجل تحطيم قيم الإسلام عروة عروة في نفوس الشباب المسلم وعرض تجارة  الرذيلة في أسواق الإباحة العالمية ، كل هذا من أجل تحقيق ما سطّره حكماء بني صهيون .

حين نرجع إلى تاريخ الحضارات والأمم نجد أن العامل الرئيسي الذي عجّل إبادتهم كان عامل الانحلال القيمي في نفوسهم ، وسقوطهم في دركات الانحطاط الأخلاقي ، فقوم لوط عليه السلام هم أول من سعى في نشر الرذيلة ، بل تجاوزا حدود الفطرة البشرية لمطالبتهم أشياء كرّم الله  الحيوانات عن ارتكباها ، فكان جزاؤهم  من جنس عملهم حيث خسف الله بهم أرضهم و جعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من سجيل ، وجعلهم  عبرة لكل من تسول له نفسه القيام بفعلتهم  الشنيعة في كل زمان ومكان " وما هي من الظالمين ببعيد "

وهكذا في عهد شعيب عليه السلام حين طفف قومه  الميزان والمكيال وبخسوا  أشياء غيرهم  استحقوا العذاب ، وأصحاب موسى  عليه السلام حين تاجروا بالسحر وكان منتهى تفكير الفكري هو قلب الحقائق والتلبيس على عقول العامة والدهماء عبر أخيلة شيطانية من  أجل أن يسترهبوهم  ويحققوا بهذا حُلم الطاغية فرعون ’’ كل هذا لم يمنع نبي الله موسى وأخاه هارون عليهما السلام من التصدي لمثل هؤلاء ، من أجل كشف زيف باطلهم وما هم عليه ولهذا قال النبي موسى عليه السلام " إنما جئتم به السحر إن الله سيبطله " أبطل تلك الخرافات وأرسلت عليهم جند الله من جراد وقمّل وضفادع  ودم وأغرق الطاغية " رمسيس الثاني " في البحر  فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ، وكانت العاقبة حينها للمتقين.

لقد عاشت الأمم والحضارات السابقة  على أنواع من الظلم والإرهاب الأخلاقي مما جعل المصلحين من رسل وأنبياء يقومون  بمهمة المنقذ من أجل بقاء الجنس البشري على قيد الحياة  ، ومن سنن الله الكونية الثابتة التي لا تتبدل أن أي أمة استهترت بمحارم الله وأشاعت الفاحشة والظلم بينها بأنه مُهلكها لا محالة  " وإذا  أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" .                 

والنجاة حين تحلُّ العقوبة الإلهية لأي أمة من الأمم لم ولن يكون لغير من كانوا قائمين بواجب النصح والتوجيه والإرشاد " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا  الذين ظلموا  بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون"       

مُسخ من مسخ منهم قردة وخنازير وأتبعت اللعنة  من بقي منهم حيا وتُوعد بمن يسومه سوء العذاب إلى  يوم الدين ، هكذا القرآن يتحدث والتاريخ يشهد .

 

نظام الحسبة والاحتساب كان عمل الأنبياء والرسل ، به أنقذ الله نوح عليه السلام وقومه من الغرق في الفلك المشحون ، ونجى موسى ومن معه من الكرب العظيم .     

 في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قام بواجب النصح والتوجيه والإرشاد للقريب قبل البعيد ، وحذر ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ــ من عذاب الله وقال لها ولغيرها إني لا أغني لكم من الله شيئا ، وهكذا الخلفاء الراشدون والأئمة  المهتدون في كل زمان ومكان  .                                                                                               لقد كان نظام  الحسبة في الإسلام ركنا أساسيا في كل الدول الإسلامية التي حكمت من عهد الخلافة الراشدة إلى عهد العثمانيين الأتراك .              

وقد أثيرت شبهات  حول نظام الحسبة هذه الأيام بعد أن طالب بتطبيقه بعض الشباب وخاصة أصحاب مبادرة [ لا للاباحية ] مع أنهم لم يتوسعوا في مطالبهم بل طلبوا من  الحكومة السعي إلى حجب المواقع  الإباحية بالتعاون مع  شركات الاتصالات ، كما أنهم طالبوا أيضا بضبط أصحاب المخالفات  الشرعية ’’ من دور للدعارة  وما أشبه ذلك ... 

 في هذه الأثناء كانت  هناك  شوشرة إعلامية  قام بها بعض المهرجين  بأن هؤلاء  أصحاب نفوس خبيثة تنظر إلى المرأة كأداة شهوانية وأنهم  لا يركزون إلا على جانب المنكرات من ما يدل على شهوانيتهم وما إلى ذلك من مغالطات علمية وواقعية حتى .           

 نظام الحسبة في التاريخ الإسلامي كانت معالم نبراسه واضحة لا وكس فيها ولا شطط  ، هدفها الأول هو الحفاظ على  الأمن العام للمجتمعات ’’ اجتماعيا واقتصاديا  وأخلاقيا وحتى  سياسيا.           

 أما القول بأن هؤلاء يركزون أساسا على المنكرات فهذا لا يدل على قصور فهم منهم بل يدل على حماقة منتقديهم وجهلهم البسيط والمركب .  

عمل المحتسب كما بين الماوردي وأبو يعلى الفراء وكل من كتب في مجال الحسبة هو الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله ، وهو في الحالتين ناكر على المجتمع تصرفاتهم  .                 

  أما جانب الأمر بالمعروف عموما فهو مسؤولية الجميع ويأثم الجميع إن لم  يقم به البعض منهم ، هذا ما سطره العلماء في مصنفاتهم الخاصة بالأحكام السلطانية والولايات  الدينية وعليه درج المسلمون وأجمعوا عليه .

ولم يضعف في النفوس إلى بعد سقوط الخلافة العثمانية التي لقيت  تشويها محكما  ومنظما  من المستشرقين الذين زوروا تاريخها ، وحاكوا على خلفائها أصناف الكذب بغية التخلص من كل شيء ماركته إسلامية .

وكل ما نشهده الآن في بلادنا من انحلال خلقي وانتحار جماعي سببه الأول هو البعد عن منهج الله  واستبداله  بنُظم غربية لا تقدم إلا إلى الهاوية ، وحري بنا  كمجتمع مسلم أن  نعي أن البلاء إذا  نزل لن يخص شخصا بعينه .

من نظر في مدارسنا  الحرة التي تعج بالاختلاط المنظم والممنهج والسفور المبرمج في الوزارات والإذاعات والأسواق والمهرجانات سيعلم أن أجدادنا لم يكونوا  على هذا أبدا .

وليس الغرض من هذا التضييق على الحريات العامة بل بالعكس ، فحين تغدوا المرأة والفتاة إلى مدرستها أو جامعتها  أو مقر عملها وهي محتشمة بلباس التقوى  ستعلم أن نظرات الذئاب إليها قد  قلت  وأنها الآن تشعر بالعزة والفخر ....

لن يتحقق هذا خارج رحمة الإسلام ولن يجلبه إي نظام مهما  كانت سياسته ’’ كنا أذلاء قبل الإسلام  فأعزنا الله به ومهما ابتغينا العزة  في غيره أذلنا  الله ... حقيقة صدح بها الفاروق قبل  أربعة عشر قرنا من الزمن ... مقولة سجلها التاريخ بأحرف ذهبية وغنى بها الحمام على  الأيك  شرقا وغربا .

 

 المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

3. مارس 2013 - 22:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا