المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة ألأمريكية تكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ـ حسب اعترافها ـ أحد أعظم مصادر القانون،هذا الاعتراف ليس جديدا ولكنه يصدر هذه المرة عن زعيمة العالم المتمدن وقائدة الحرب علي الإرهاب و إذا أضفنا إلي ذلك أن وزير خارجية أمريكا نفسها خاطب العلمانيين
العرب خلال زيارته لمصر قائلا حافظوا علي الديمقراطية التي ناضلتم من أجلها في إشارة واضحة لرفضه لأسلوب يساري مصر في التعاطي مع حكم الإخوان المسلمين .كل هذا والمثقف المسلم مستلب الضمير فاقد للثقة في الذات يتعاطي مفاهيم لايدرك أسسها الفلسفية وأبعادها الحقيقية فما علاقة الدين بالسياسة؟
"الدين عند الله الإسلام" هذه الحقيقة القرآنية تفرق منذ الوهلة الأولي بين الدين كمفهوم سوسيوثقافي ينتمي للموروث الثقافي والإجتماعي لأمة من الأمم (وهو قريب من العادات والتقاليد والأدب والفن.... وغيره) وبين الدين كمرادف للحقيقة عندنا كمسلمين .فإسلامنا عقيدة وشريعة ومثلما أن كل المؤمنين يتعاملون مع عقيدتهم بوصفها حقيقة راسخة لا تقبل الجدال فكذلك هي الشريعة لايمكن فصلها عن العقيدة الصحيحة وجانب سلوك المسلم أوضح دليل علي ذلك :فإذا اعتبرنا أن الإنسان المسلم متمسك بعقيدته فمعني ذلك أنه يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها وذلك ما يجسده السلوك الواقعي وهو سلوك اجتماعي وسياسي وثقافي إلخ
إذا عدنا إلي المفهوم الغربي للدين والذي تنطلق منه أطروحات العلمانيين فسنجد أن "الدين هو اللاهوت" وهي مقدمة بنيت عليها كل إديولوجيات القرن الماضي وأطروحاتها السياسية والتنموية ، فمنذ أن تخلت الكنيسة عن سيطرتها علي العالم الغربي وأطلقت شعارها الشهير "ما للرب للرب وما لقيصر لقيصر" أعلنت الإديولوجيات الحديثة القطيعة النهائية بين الدين والسياسة ، فتعاملت الماركسية مع الدين بوصفه"إفيون الشعوب" أو مخدرها الذي يشل حركتها ويمنعها من الثورة ونادت الرأسمالية بعلمانية الدولة وتبعتهما الإديولوجيات العربية "الثورية" وتعاظم شأن هذه الدعاية لدي فئة من المثقفين درسوا في مدارس الإستعمار الغربي وتشبعوا بأطروحاته التنموية والسياسية والفكرية واستعان بهم المستعمر في خلافته في الدولة التي منحها الإسقتلال خاصة في الوطن العربي والإسلامي وأصبحت هذه النخب تطبق أطروحات الثقافة الغربية علي الواقع في الدول الإسلامية ،فالأحزاب السياسية تنشا علي أساس مرجعية ماركسية لينينية ولائيكية ورأسمالية واشتراكية لكنه لاينبغي لها أن تنشا علي أساس المرجعية الدينية .
هذا الطرح يكون سليما إذا اعتبرنا الدين هو ذلك المفهوم السوسيو ثقافي الذي ينتجه المجتمع كإديولوجيا خاصة بالصراع الطبقي فيه –بعبارة الماركسيين – أو هو جزء من الأسطورة الشعبية والموروث التاريخي الذي يعبر عن تطور المجتمع ويمثل مرحلة من مراحل الصراع مع الطبيعة (المرحلة اللاهوتية) بتعبير عالم الإجتماع الفرنسي أوكست كونت
لكنه عير صحيح بإعتبار أن مقدماته تغفل أن الدين عند الله الإسلام أي أنه ليس من إنتاج الخيال البشري أو الصراع الطبقي وإنما هو وحي من السماء تنزلت به الملائكة علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والتاريخ البشري خير شاهد علي مراحل نشأته وتطوره ومعجزات كتابه العظيم(القرآن الكريم )
والإسلام كعقيدة وسلوك لا يقبل بأي حال الفصل بين الفكر والممارسة بل يعتبر ذلك من صفات المنافقين فالإيمان لا يتجزأ والمؤمن يعرض أفعاله وأقواله علي ميزان مراقبة الأعمال (فمن يعمل مثقال ثرة خيرا يره 8 ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)الآية الكريمة.
قد لا يدرك البعض أن هذا الفهم للإسلام بوصفه الحل لا ينطلق من إديولوجية إسلاموية (أعني التوظيف السياسي للإسلام) ولكنه الموقف الصحيح لحقيقة دين الإسلام وعلاقته بالدولة والسياسة والقانون والحياة بصفة أعم .
فحين تكتشف أمركا أن الإسلام السياسي هو الحل في المنطقة العربية التي اجتاحتها رياح الثورات وأن أنظمة ذات مرجعية إسلامية ستكون أقوي وأقدر علي قيادة شعوب المنطقة وحفظ الأمن والإستقرار ومحاربة الترف والغلو فيها
وعندما تعترف هيأة عليا في عقر دار أمريكا أن الإسلام مصدر أصيل للقانون الدولي وقبل ذلك حقوق الإنسان ومحاربة الإيدز والجريمة والإنتحار وغيرها من الآفات التي تزخر بها الأرض نتيجة مخالفة أوامر الله سبحانه وتعالي عندما يحدث ذلك كله ألا ينبغي للمثقف العربي والمسلم أن يراجع مفردات قاموسه ،
فالشعوب والعمال لم يعد يحركهم الصراع الطبقي ويشل حركتهم الدين وإنما أصبح هذا الدين أي الإسلام وهو العامل الحاسم في ثورات الشعوب وهباتها ضد الظلم والطغيان .
أخيرا ليست مقولة" الإسلام هو الحل" حكرا علي الإخوان ومن سار في نهجهم وإنما هي حقيقة يمتلكها كل مسلم وتتجلي بوضوح كلما ارتقت الأمم سلم المعارف والعلوم وكلما تأمل الإنسان حقيقة هذا الكون ومخلوقاته .