أسعار المحروقات بين إكراهات الواقع وتجنب الإضرار / الشيخ المامي

تعد أسعار المحروقات اليوم هي المرتكز الأساس الذي تتأثر به جميع جوانب الحياة اليومية لساكنة أي بلد، وترتبط به ارباطا جينيا، يأثر في غلاءها وفي عكسه.

ولا شك أن أي قرار يقضي برفع أسعارها لن يكون مرحبا به لدى الجميع، بدأ بمن يتخذون القرار وانتهاء بمن يطبق عليهم.

فرفع أسعار تلك السلعة المشتعلة، يعد رفعا لأسعار جميع السلع بشكل ضمني؛ كما سيأثر سلبا على أسعار الخدمات، لأن المحروقات هي وقود الحركة التي هي النقطة المركزية لأي نشاط بغض النظر عن كنهه.

لكن إذا نظرنا إلى العالم من حولنا فإن أسعار المادة الأغلى قد ارتفعت لأعلى معدلات لها منذ باكورة اكتشافها، كما أن أسعارها العالمية وصلت لمعدلات قياسية لم تصلها أبدا.

وفي البلد الوحيد الذي توجد به وزارة للسعادة -الإمارات العربية المتحدة- والذي يقبع على كنز من المحروقات، بحيث يستحيل أن تجد رقعة كافية لأداء صلاة فذ إلا وتوجد في أعماقها بحيرة نفط، قد وصلت أسعار الوقود إلى معدل لم تصله عندنا حتى بعد رفع سعرها الأخير.

أما على مستوى بلاد المنطقة فما زالت موريتانيا حتى بعد رفع سعر السلعة الأغلى ضمن الدول الأرخص فيما يخص أسعار الوقود، رغم ماسمعنا اليوم وسنسمع غدا.

أعلم جيدا أن قرار اليوم لن يجد بيننا من يرحب به ابتداء برئيس الجمهورية نفسه، وأعضاء حكومته، وقادة أركانه، لكن إكراهات الواقع قد ترغمنا على أمور لا محيد عنها، كما أن زيادة السلعة بأقل الممكن قد روعي بشكل واضح في القرار، فبعد زيارة اليوم مازالت الدولة تدعم السلعة بأكثر من 200 أوقية للتر الواحد.

حتما يجب الاعتراف أن الحكومة الحالية لاتريد رفع أسعار المواد المشتعلة، لكن عولمة أسعارها هي من يتحكم في الأمر؛ والدليل على الكلام أنه منذ وصول الرئيس الحالي لسدة الحكم لم نسمع أبدا عن رفع سعر الوقود، رغم ارتفاعه عالميا، وآخر مرة سمعنا قرارا كهذا كانت خلال العشرية الماضية.

دفعت الدولة الموريتانية أكثر من 70 مليار أوقية خلال الستة شهور الماضية دعما للمحروقات وحدها، وستدفع أكثر في المستقبل، فهي ماظالت تستثني أسعار الغاز المنزلي من ارتفاع المحروقات، وهذا بحق مايطلق عليه ارتكاب أخف الضررين؛ وهو أمر يذكر فيشكر.

لم تسلم الدول الصناعية الكبرى من أزمة تبعات حرب أوكرانيا فسعر الجالون في الولايات المتحدة حيث يوجد سوق النفط العالمي، قد وصل نسبا قياسية، ورغم ذلك بذلت الحكومة الموريتانية الحالية قصارى جهدها كي تتجنب رفع الأسعار، رغم عدم تكافؤ موازين القوة الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة.

كان رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني شفافا في كلامه في الرابع والعشرين من مارس الماضي حين قالها بصراحة أننا بلد فقير، لكن رغم الفقر والعوز استطاع بتبصره أن يؤجل قرار اليوم أقصى مدة ممكنة، لكن الواقع في الأخير هو من يحكم.

وبمعيار "خيل ماترد خيل ماهي أحرار" فإنه من واجب الشعب أن يقف مع الرئيس اليوم كما وقف الرئيس معه بالأمس، فالبلاد حين تحتاج أبناءها يتوجب عدم التأخر، وموريتانيا اليوم بحاجة لنا كما نحن بحاجة لها.

إن حدوث أي أزمة في أي بلد أمر ممكن، لكن طريقة الخروج من الأزمة بأخف الأضرار هو ماتتفاضل الشعوب في التمكن من الأخذ بمكانيزماته، وأنا متأكد مليون في المائة أن الحكم الحالي سيخرح البلاد من أزمة ارتفاع أسعار الوقود العالمية بأخف الأضرار، كما أخرجها بالأمس من أزمة جائحة كورونا بأخف الضرر باعتراف الجميع.

 

 

17. يوليو 2022 - 7:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا