إنها الحرب إذن../ أحمد ولد الوديعة

لم تكن القرائن تسعف من كان يصر على أن الحرب بين "الصديقين العزيزين " محمد ولد عبدالعزيز ومحمد ولد بوعماتو مفتعلة ،وأن ما بينهما مجرد تبادل أدوار، فمن يعرف الرجلين ويتابع تطورات علاقتهما  يدرك أن " المصالح نفسها التي جمعتهما من قبل فرقتهما منذ أكثر من سنة،

 لكن كثيرين كانوا يتوقعون أن تظل  الحرب بين الرجلين "صامتة" و "تحت السيطرة"  أما أن تندلع بهذه الفجائية، وتتفاقم بالشكل الدراماتيكي الذى نتابع  الآن فيفرض بحثا متأنيا عن" شيئ ما " أوصل الأمور إلى ما وصلت اليه اليوم  وقدأعلن بوعماتو إغلاق بنكه في موريتانيا ونشر بيانا  " رقم واحد" اعلن فيه بداية المقاومة !!!

 في البيان الذى وصل وسائل الإعلام الموريتانية في الساعات الأولى من صباح الأحد لقطات تدل على حجم الأزمة وعلى طريقة تفكير " رجل الأعمال المقاوم " في تجاوزها، أو دعونا نقول في تجاوز مسببيها؛ فرغم أن البيان حاول في أغلب فقراته أن يحمل محافظ البنك المركزي المسؤولية الكاملة عن معاناة مجموعة بوعماتو، وهي محاولة تراهن على استعطاف المؤسسات المالية الدولية من جهة  وترك باب موارب للحل من جهة ثانية، لكن القارئ الجيد لثنايا البيان " المكثف " يلحظ أن بوعماتو " يدرك جيدا" ما وراء الأكمة ومن وراء محافظ البنك المركزي، إنها  "الروح الجشعة الجبانة لمن يحكمون موريتانيا ، والشر العميق الذي ينخر موريتانيا اليوم "  كما ورد في فقرات خرجت عن " نسق تحميل محافظ البنك المركزي كل المسؤولية ووضعت الأصبع على الوجع.

 يبدو بوعماتو من خلاله " بيانه الأول" واثقا من أن الأزمة عابرة وأن الأمور ستعود إلى  وضعها الطبيعي قريبا، وهو لذلك يريد أن يوصل رسائل واضحة لمن ناصروه ومن خذلوه، ويعطي تحذيرات حتى لمن ما زال متفرجا في الداخل أو حتى ضمن المؤسسات الدولية،  هناك حساب مفتوح للجميع واللحظة بالنسبة للرجل هي  لحظة مقاومة وإدارة أزمة ستنتهي كيف.. متى.. تلك أسئلة لم يكشف عنها البيان الأول لكن حقيقة الإجابة عنها هي  سبب الخوف والطمع  لدى كثير ممن يرتعشون هذه الأيام خوفا من شظايا حرب " الصديقين العزيزين" التي لبدت السماء وتركت عشرات المثقفين والكتاب والساسة في وضع لايحسدون عليه، إنه وضع الاضطرار للاختيار بين صاحب السلطة وصاحب الثروة.. كان الله في عونهم إنهم يستحقون  تعاطفا  منا فوضعهم ربما يدفعهم  لتصرفات غير محسوبة ربما تدخلهم في وضعيات لم يكن في برنامج عملهم دخولها ولكنها الأيام..

 ... بطبيعة الحال لايمكن  فصل  تطورات  حرب الصديقين العزيزين عن تحديد موعد الانتخابات؛ فعزيز الذى يعرف جيدا " فعالية "  بوعماتو في الكسب الإنتخابي أراد فيما يبدو تسديد ضربة قاضية له قبل انطلاق السباق الانتخابي وذلك حتى لايكون بإمكانه أن يؤثر على الناخبين الكبار كما فعل معهم عشية 6-6 وما تلاه، لقد كان لمال ولد بوعماتو وعلاقاته ومؤسساته الدور الأبرز في تتويج عزيز رئيسا وتلك حقيقة وإن سرت رئيس الفقراء يوما لكنها تبدو الآن مصدر إزعاج وخوف له فهو  لم يعد مرتعشا ولامحتاجا لأحد إنه الآن" الأب الثاني للأمة الموريتانية أو من يدري ربما يقول لنا بعد أيام أنه الأب الشرعي لها..  بل إنه ربها الأعلى

المطلوب إذا بالنسبة لولد عبدالعزيز هو " تجفيف منابع بوعماتو" أوشل قدرته على التحرك أو في الحد الأدني إيصال رسالة واضحة لموريتانيا الأعماق أن الرجل الذى كان " الصديق رقم واحد" في الأيام التي تلت الانقلاب أصبح اليوم العدو رقم واحد وبالتالى على من يستمرون في العلاقة معه الاستعداد لدفع الثمن، لكن لايبدو أن هذه الرسالة ستصل أو أنها إن وصلت ستؤثر فما يهم بالنسبة  للأعماقيين  -   كما يسميهم صديقنا محمد الأمين ولد سيدي مولود -ليس الجهة المرسلة، وإنما " مضمون" الرسالة، والظاهر أن مضامين الرسائل الواردة من  "رئيس الفقراء "  أقل " أهمية" من تلك الواردة من  " رجل الأعمال المقاوم"، وتلك نقطة  اختلاف جوهرية بين " الصديقين" ولعلها مصدر الخوف الأكبر للجنرال، ونقطة الارتكاز الأساسية في رهان رجل الأعمال المقاوم على العودة السريعة لبنك موريتانيا العام ..!!!

  إنها الحرب إذا بين رجلين  نسجا معا قصة انقلاب على الديمقراطية في هذا الوطن المنكوب حينما اقتضت مصالحهما المشتركة فعل ذلك، إنهما يقتتلان الآن بشراسة على أرضية مكشوفة، أمام جمهورهما الحائر، فهل تسهم حربهما المشتعلة اليوم في تصليح ما أفسده اتفاقهما بالأمس الذى أنتج حكما ما فيويا أجهز على حلم الشعب الموريتاني بالديمقراطية والحرية والكرامة والمصالحة الوطنية.. ذلك حلم كبير يبدو الاستسلام له  حتى  الآن  مغامرة غير محسوبة أو لعله في أحسن الأحوال " حلم سابق لأوانه".. فدعونا نؤجله  قليلا فنحن ما زلنا في الجولة الأولى من حرب ضروس بين صديقين يعرفان بعضهما البعض بشكل جيد.. دعونا نتابع وعسى أن يكون الوطن أكبر الرابحين.

5. مارس 2013 - 18:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا