لن يسأل الملكان عن التجارة ولا عن السياسة ولا عن الفكر الغربي / سيد محمد ولد أحمد

altقولوا لي بالله عليكم ما الفرق بينكم وبين فرق غناء "الراب"، وفرق كرة القدم؟ هل أصبحت السياسة السخيفة تجري في عروقكم؟ حتى أصبحتم تؤلفون فيها جاعلين مضمون كتاباتكم –الغير نافعة- سخفا تشربتم به وظللتم تنافحون عنه -بغفلة مخزية- طيلة حياتكم، فلم تنفعوا أنفسكم ولا المسلمين.

 وبدل أن تنوعوا مؤلفاتكم –أو كتاباتكم الصحفية أو خطاباتكم المهرجانية- وتجعلون بعضها نافعا على الأقل. لا تتكلمون إلا بلغة العولمة المقيتة التي كان أحرى بكم أن تهملوها حتى تنتحر بين جدران النسيان.

ولست ضد "السياسة"، بل ضد تسييس كل الحياة، وإني لأرثي لكاتب يسيل حبره ليل نهار في تفاهات لا طائل من ورائها، كتلك التحليلات السخيفة التي أصبحنا لا نجد للكاتب أو المفكر المثقف حديثا سواها!.

أين الكتابة عن الحياة، وعن الإسلام. وعن الأخطاء الكثيرة التي أولها سباحتكم ضد أصولكم الإسلامية، الطاهرة في جل حديثكم ومشاغلكم. أين التفكير في ما يهمكم من أمور الآخرة، وأمور المسلمين، التي لو تشربتم بها، لكان خيرا لكم ولغيركم، ولظهر ذلك في فلتات ألسنتهم التي لا تلهج إلا بأفكار الشيطان.

والمؤسف، أن الواحد منكم يظن أنه إذا كتب تحليلا سياسيا أقرب ما يكون إلى الثرثرة، أو نطق به في مهرجان أو برلمان، يظن أنه قد أوتي جوامع الكلم والعقل! فما أسخف ذلك العقل، وما أقبح تلك العبارت المحسوبة التي يتخلل صاحبها بلسانه مثل البقرة!.

أنظر إلى أولئك الشيوخ الذي جابوا أغلب دروب الحياة، ونهلوا من بؤسها وفرحها، أيعقل أن يكون دين الواحد منهم الأساسي هو القومية والسياسة؟ أيعقل ألا يظهر عليه الإهتمام بدينه العظيم، وبمستقبله الأخروي.

كيف يكون كل همهم هو "قال المسكين عزيز، قام المتجبر عزيز، جلس المتواضع عزيز"، أين عزيز من الجبار العزيز؟ اتركوه له إن كان الحق إلى جانبكم، وقولوا خيرا ثم ناموا مطمئنين إلى أن اليوم الهارب الذي لن يعود أبدا قد ضاع في الخير. انتبهوا لأنفسكم، فما هي إلا خطوات تفصل الجميع عن الحساب.

إني لأشفق على أولئك الذين ضاع وقتهم سدى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. تجد الواحد منهم طول النهار أمام إدارة موقعه الإلكتروني، أو حزبه الشيطاني، أو حكومته المنافقة، أو منظمته التافهة. وفي الليل يأوي –هذا إن أستطاع- إلى فراشه مثقلا بالهموم لبعده عن ما يشرح الصدر من ذكر وعلم نافع، وقربه مما يزيده ضنكا وشقاء، فيروح في سبات عميق، وقد ينسى حتى أن يصلي فرضه صلاة صحيحة يقيم أركانها. كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل أن يكون له رأي في الشارع السياسي السخيف! أو الحزب الفلاني الأسخف! أو المنظمة الفلانية الأتفه!

وبدل أن نرى بيننا قادة عقلاء يعبرون بهذا البلد إلى مصاف الأمم المتحضرة كما فعل فلاسفة فرنسا إبان الثورة، وفلاسفة أمريكا إبان العقبات التي اعترضتها، نرى قادة شارعنا الإصلاحي قريبون من المجانين! نعم، تأمل هذيانهم بالتفاهات والتنابز بالألقاب، وكيل الإتهامات المتبادل، والنفاق السياسي الديمقراطي الذي يتنفسون به؟ وبدل أن يكتب الواحد منهم عن الإسلام –أو يتكلم-، أو عن الحياة النافعة، أو عن الآخرة، تراه يكتب عن العولمة وعن الإشتراكية وعن البعثية والقومية، والسخافة. مما يدل على أن أرباب بيوتنا الطينية يضربون على الدفوف، فكيف نلوم العامة والغوغاء على الرقص القبيح المفسد للنظام في الشوارع، وفي البيوت، وفي السواق، وفي المصالح الحيوية، وفي كل مكان؟

أكتب اسم كاتب صحفي من أطفالنا الكُتاب في الإنترنت، وانظر إلى مقالاته، سيندر أن تجد فيها ما يفيد، فكلها في السياسة –إلا ما رحم ربي-، وهي إما تحليلا راجما بالغيب، أو سبا وشتيمة، أو ردا عليهما، أو تصوفا مقززا مقرفا ملطخا بأوساخ حب الدنيا المتقنع بالزهد فيها، أعجب من سكوت أشباه العلماء عنه –وأعلم أن كثيرا من دراويش المواقع الإلكترونية لن ينشر لي هذا المقال بسبب هذه الجملة وحدها، رغم أنني لا أتحدث عن الصوف المبلول فيها-. تأمل كتابات أولئك الكتاب تدرك أن الهدف منها ليس نفع الآخرين بقدر ما هو البحث عن الشهرة، وما أسخفها من شهرة. ولهذا لا يستمرون في التألق، هذا إن تألقوا أصلا، فالناقد الحقيقي شبه مفقود في السوق.

حتى المجال الكوميدي الترفيهي، أغلب صناعه بعيدون عن الواقعية. نصوصهم السخيفة لا تُضحك إلا الحيوانات الغبية، ولك أن تتأمل في إبداعاتهم الساخرة فتوجد مواقع الكترونية تدعي أنها ساخرة. وإني لأعجب من تقبل السخف، والإعتداد به، وصنع جريدة له، وريادة الثقافة به، أيعقل أن يكون هذا هو مستوانا؟! ما الذي لدينا لنفاخر به الأمم الأخرى التي قد لا تتسامح مع سخافة إبداعاتنا، ألا نمحص إبداعاتنا قبل تمحيص الآخرين لها؟ أم أن الهدف هو إغراق السوق المحلية فقط بتلك الإبداعات الصينية المزورة التي تسهم في طمس الإبداع وتخلف الأجيال؟.

تأمل القنوات الفضائية الجديدة، لولا مشاكل الناس ومآسيهم التي يعرضون لها، لما قدرت أن تخرج منها بفائدة –إلا قليلا-، فأغلب برامجها سخيفة لأنها لم تبنى على أساس متين، فلا هدف لها غير مرور الساعة المقررة بسلام، وأخطاء أفكارها ومذيعيها لا تكاد تحصى، وما أثقل حواراتها السياسية الطويلة التي يتناقر فيها الضيوف السياسيين المنافقين على مدى الساعتين، مضيعين على المشاهدين قيام الليل أو قراءة كتاب مفيد، وفي الأخير تختم الحلقة وتصبح نسيا منسيا كأن لم تكن، ولا هي نافعة في الدنيا ولا في الآخرة. ولا أصحابها أصدقاء ولا هم أعداء، فأي سخف ونفاق هذا.

قولوا لي بالله عليكم ما الذي نتعلمه مما هو مفيد، من تحليلات السياسيين، والصحفيين؟ فلكل واحد منهم وجهة نظر مغايرة، ونادرا ما يتفق اثنان منهم، حتى إن كانا من نفس الحزب، فكيف نخرج بشيء مفيد من هذا الإختلاف العقيم. ثم إذا قدَّرنا أننا محقون في خروجنا من تلك التحليلات التي تشبه تلصص الجان فيما قبل على السماء الدنيا، وعودتهم إلى الكهان -بعد رحلة معاناة ومخاطرة- بمائة كذبة يتخللها بعض الحق، إذا قدرنا خروجنا بتحليل صحيح، فما هي فائدته علينا؟ عزيز سيفعل ما يريد، سواء صحت تحليلات أنبياء السياسة أم لم تصح، وأمريكا ستفعل ما تريد، سواء قضينا بقية أعمارنا أمام أخبار وتحليلات قناة الجزيرة السخيفة، أو لم نفعل. فماذا نستفيد من كل هذا السخف المضيع لأغلى ما نملك، وهو أعمارنا..

أعرف أن البعض يقول الآن: من حقي أن يكون لي رأي! نعم من حقك، لكن ابحث عن رأي نافع، وأسهم في نهضة بلدك. تحدث عن ربك وعن رسوله، وعن طريقتك المتصوفة حتى تنفع الناس بها أو تنجو من شرها، تحدث عن الحياة، وعن العظماء والعقلاء الذين خبروها، وقل شيئا مفيدا –حتى في السياسة-. تحدث عن الجنة والنار، وعن الأنبياء والرسل، فذلك خير لك من التحدث عن محمد ولد عبد العزيز، وأحمد ولد داداه، ومحمد ولد بوعماتو!

ابذل جل وقتك فيما يعود بالنفع عليك، وابتعد عن الشبهات، وأهمها شبهة السياسة المحيرة التي لم نعد نعرف هل صلتها بديننا وجذورنا أوثق أم صلتها بأديان الآخرين. وإذا قدر لك أن تكون سياسيا فلا أقل من أن يكون اهتمامك منصبا على كيفية العودة بأمتك إلى ينابيع الدين. وطبعا فاقد الشيء لا يعطيه. عليك أنت تعود أنت أولا – من طريق البدع أولا- ثم بعد ذلك تسهم في عودة الأمة. ويا لها من طريق عودة!. كم أصبحت طويلة وشاقة! وكم يلهث البعض في الإتجاه المعاكس لها!.

حتى الإنترنت، انطلت على أغبيائنا –وأغبياء العالم المتخلف ككل- حيلته، فباسم الخصوصية أصبح الفرد يوقع بغير اسمه وعنوانه، مما زاد من تفاهة المكتوب وتكاثر الدس والشر، ولماذا الهرب من الإستقامة وقول الحق؟ بل لا يوقع باسم مزيف إلا كل مزيف لا يأتي الخير من وراءه. وهل الدكتاتورية سببا في الفساد في الأرض حتى يتخفى البعض وراء الأسماء المستعيرة الغبية؟ وهل السياسة سببا في نسيان أصولنا وديننا؟

كذلك بإسم السبق، لا تسمح المواقع الإلكترونية والمنتديات، بإعادة نشر المواضيع التي نشرت فيها، في المواقع الأخرى!. فما كل هذه الأنانية وما كل هذا الغباء؟ أين حرية الإنترنت المفتوح للجميع والمفروض أن تتعدد المعلومة فيه حتى يكثر نشرها؟ ما الذي يضركم إذا نُشرت مواضيعكم –التي ليست قرآنا منزلا- في المواقع الأخرى؟ المهم هو السبق والإبداع، والقارئ الذكي الفطن يعرف من أين يأخذ الأصول. بل إذا تركتم للمنافسة بابها المفتوح سيظهر الأصلي من المزيف من المواقع. فالقراء ليسوا أغبياء حتى تحجروا عليهم؟ وهل ينفعكم التكتم والحرص والأنانية؟ أبدا، حتى السير الذاتية لمواقعكم تنشر بصيغة أخرى في المواقع المتلصصة الكثيرة، فما الذي تربحونه من التضييق على كتابات الناس وأفكارهم؟

كذلك باسم الإتجاه السياسي والديني والشيطاني، قد لا ينشر الموقع، أو تستضيف القناة، أو يقبل الحزب، رأيا مخالفا. فأين قبول الرأي الآخر الذي يتشدقون به جميعا، يا أخي، ليعرضوا الرأي المخالف، ثم بعد ذلك يدكونه بردودهم الدامغة المدعمة بالبراهين الساطعة، فذلك أنفع لهم وللقراء. لكني أعذرهم، فأغلبهم مدسوسين، وجدوا أنفسهم في لحظة من اللحظات عاطلين عن العمل - لضعف المؤهلات-، فباعوا الخيمة والناقة، ثم فتحوا موقعا الكترونيا أو حزبا سياسيا أو منظمة مدنية، ليربحوا فقط. أما الإصلاح فهو آخر ما يشغلون به بالهم، لأنهم دخلاء أو غرباء (Aliens) - كما تقول الأفلام الأمريكية-. لا يفهمون في الكتابة ولا في حرية الرأي، ولا في السياسة، ولا في العمل المدني، ولا يهتمون أصلا بذلك. كل هدفهم هو وضع رؤوسهم بين الأكتاف والإتكال على الشيطان. وهذا أحد الأسباب الكبرى التي لا زالت تسهم في تخلف بلدنا العزيز، الذي لابد له لكي يقوم على رجليه من التطهر من أولئك المنافقين –لا بارك الله في أرباحهم، إن كانوا حقا يربحون، لأن الكسب الخبيث لا بركة فيه، بل ولا يسمى رزقا أصلا- فهم في كل مكان. حتى الوزارات، يغزوها الدخلاء قادمين من أصقاع الداخل بواسطة القبلية المقيتة - في جانبها هذا-، وقولوا لي بالله عليكم متى ستتوفر عاصمتنا التي بلغت عام 2013، على رصيف، والذين يحكمون إداراتها هم حفنة من البدو الخارجين من تحت أبعار الإبل والشاه، الذين لا يعرفون مدنية، ولا يرغبون حتى في معرفتها؟

أقول لكل هؤلاء، انتبهوا لأوقاتكم فهي أغلى ما تملكون. أصلحوا أنفسكم قبل أن تتصدروا لإصلاح الآخرين، سواء من خلال السياسة أو غيرها. واعلموا أن قضاء جل الوقت في العبادة وتعلم العلم الشرعي، خير من قضائه في التحزب والمظاهرات وتتبع عثرات عزيز وعزيزة، أو ردود المواقع الإلكترونية ورسائلها..

 

سيد محمد ولد أحمد

[email protected]

5. مارس 2013 - 18:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا