لآن…. تخطو وزارة إصلاح التعليم للإصلاح / ‏القصطلاني سيدي محمد ‏

في السنة الماضية و بالضبط قبل إجراء مسابقة دخول السنة الأولى من الإعدادية بشهر، في بدايات فترة الصيف، كنت أمام المنزل ما بين العشاء و المغرب افترش بساطا صغيرا، و أتوسد وسادة، و هو تماما ما يفعله الجيران، كنا نتبادل كؤوس الشاي و كأننا في خرجة مسائية، كان أحد أبناء جارنا يجري مسابقة"كنكور"، و يراجع دورسه في ذلك الوقت، و بينما أنا اتحدث مع والده، قال له أبوه :إذهب إلى فلان ليشرح لك مادة الرياضيات.

جاءني التلميذ بنموذج من إمتحان كنكور  للعام السابق لمادة الرياضية بالفرنسية، و كعادتي في التعامل مع من أقدم لهم دروس التقوية، أمرت التلميذ ليحاول حل المسألة التي تمثل 80% من درجات الأمتحان، لأطلع على مستواه، فأخذ التلميذ ينظر إلى المسألة دون أن يخط حرفا لحلها، و بعد دقائق، تأكدت أنه لم يفهم مدار أسئلتها، فأمرته أن يقرأها بصوت جهور، فكانت قراءته مقبولة، لكن لم يستفد مما قرأ قدر ما يجعله يبدأ في الحل.

أخذت منه الورقة و بدأت في شرح المسألة بالعربية مركزا على الكلمات المفاتيح ، و بعد الشرح أخذ التلميذ يحل المسألة و كأنه تلميذ آخر، ليس هو من كان يمسك القلم حائرا، دون أن يقدم شيئا.

حل التلميذ المسألة بسرعة و عرض علي الحل متشوقا لنتيجة ما فعل، فإذا هو قد أجاب إجابة ممتازة، فشكرته، و شعر فعلا أنه أستفاد و فهم الدرس، و فرح بأنه استطاع أن يقدم مهاراته أمام مدرس جديد و بحضور أبيه، بعدما كان يشعر بالهزيمة و الحيرة.

أما أنا فقد حز في نفسي ما رأيت ، و تألمت للواقع المر، لقد آلمني كثيرا ذلك الستار الظلامي الظالم، الذي نُسج بأحرف أجنبية، و حال بين التلميذ مع المحتوى رغم ذكائه و إجتهاده.

إنه لظلم كبير أن نحجز عن أبنائنا المعارف بسبب لغة أجنبية، و أكثر من ذلك لغة مستعمر.

و كأن بلادنا التي أستقلت منذ 1960م، من خلال تبنيها للغة المستعمر كجسر معرفي إلزامي يصاحب التلميذ في تعليمه الأساسي، كأنها تقول للبراعم يجب عليكم أن تقدسوا المستعمر من خلال تقديس لغته فلا سبيل للمعرفة إلا من خلالها.

تلك الأذهان الصافية و العقول البريئة التي ما زالت تتهجى كلمة "وطن"، نظلما جدا بذلك الإجراء الذي عشناه لمدة عقدين من الزمن فلم يورث إلا ضعفا في المستويات التعليمية، على مستوى التلميذ و حتى الأستاذ، فتوصيل الأستاذ بلغته الأم لتلميذ هي لغته الرسمية، لن يكون على قدر توصيله بلغة اجنبية.

لن تقبل فرنسا أن تجبر مواطنيها على تعلم بعض المعارف باللغة العربية و حتى و إن كانت معارف إسلامية تأسست بلسان عربي فصيح.
.
فكيف لنا أن نقبل و نرضى ذلك الإجراء التعسفي الظالم؟

إن نشر اللغات الوطنية و دمجها في التعليم هو ضرورة مهملة، أولى بكثير من دمج اللغات الاجنبية التي من نافلة القول أن علاقتنا بها ينبغي أن تكون علاقة تواصل ثقافي و حضاري لا غير.

إن  وزارة التهذيب الوطني و إصلاح النظام التعليمي، تثبت من خلال هذا الإجراء أنها فعلا تخطو خطوة كبيرة و موفقة  نحو الإصلاح، و لا شك أنه إجراء يُحسب لحكومتنا و فخامة رئيس الجمهورية، فنشكرهم جميعا على  العودة الميمونة بنا للصواب بعد أن تهنا في غيابات ضياع الهوية و السيادة من خلال تهميش لغة هي لغتنا الرسمية على حساب لغة لو كرهنا لغة لكرهناها لإرتباطها بالمستعمر.

و لعل تلك الخطوة بداية لخطوات مماثلة، تعيد للغة العربية سيادتها، و تجعلنا أكثر إنسجاما  مع دستورنا الذي ينص على أنها لغة رسمية.

فمتى نجد هذا الإجراء في المعاملات الإدارية و في التواصل الرسمي و في تفاصيل حياتنا، حتى نشعر فعلا أن لغتنا العربية لغة القرآن الكريم هي_ و بدون أي منافس_ اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

27. يوليو 2022 - 17:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا