حرب "النجوم" .. عزيز وبوعماتو في ميزان الوطن / محمد الأمين ولد سيدي مولود

"أنا مصمم على أن القانون والشجاعة ونكران الذات ستنتصر على الجشع و الجبن. ولمن لديه شك في هذا، فأنا عنيد ولا أستسلم..إذا هذا بيان مقاومة".

"أنا اسمي محمد ولد بوعماتو .. أطلب من كل من يعرفني أو أسديت له جميلا أن يصوت للمرشح محمد ولد عبد العزيز".

بين البيان الأخير والتصريح الأول لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو أقل من ثلاث سنوات ونصف .. فرغم أواصر القربى والصداقة والمصالح المشتركة العميقة جدا بينه وحليفه الجنرال عزيز، ورغم ما جنياه مكاسب مالية وسياسية خيالية منذ تحالفهما المعلن في ظل سيدي ولد الشيخ عبد الله قبل أن يطيحا به وبعد الإطاحة به، لم يحتج رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو إلا هذه الفترة القصيرة ليتحول من أقصى نقطة في تحدي القانون والدولة والأعراف التجارية من أجل بناء سلطة خليله عزيز، وذلك بدعم الانقلابات وتمويله وتشريعه، إلى أقصى نقطة في الصراع معه!

هو تحول يراه عزيز ومحافظ بنكه ومن يدور في فلكهما ضد القانون أيضا!

الآن فقط تكلم بوعماتو عن القانون ونكران الذات .. كما تكلم الآن أيضا عن جشع وجبن خصمه!

لم يحتج عزيز أيضا إلا هذه الفترة ليصل إلى قناعة باستحالة التعايش مع حليفه السابق وغريمه الحالي.. أحرى استمرار التحالف معه..

والآن فقط أيضا عرف عزيز أن بوعماتو لا يدفع الضرائب بالطريقة المناسبة .. واتخذ البنك المركزي آلية رادعة ضده!

مشكلة عزيز وبوعماتو الجوهرية ليست في خروجهما عن القانون ولا في تجاوز كلاهما حيزه الطبيعي.. وليست في نمطية التفكير المطفف، ولا في الطموح الجامح فقط! إنها أبعد من ذلك ..

فعزيز ضابط أدمن الانقلابات تحت كل الظروف، ووصل به الخروج على القانون والإنضباط العسكري أن صرح أيام انقلابه الأولى على أول رئيس مدني منتخب بعبارته الشهيرة لسيدي "إذا لم يرجع عن قراره سيسيل الدم" ..

كان ذلك على الشاشات أمام الملايين من المشاهدين! لم يسبق لضابط أو انقلابي أو رئيس أن هدد علنا بإراقة الدماء مقابل أي هدف حتى ولو كان مستعدا فعلا لإراقة الدماء.. فكيف بتهديد "كردة فعل" ضد إقالة ـ مجرد إقالة ـ ممن يخوله القانون ذلك؟!

أما الدستور وهو أكبر وأقدس وثيقة قانونية فلا يعيره عزيز أدنى إهتمام.. من يعتقل الرؤساء المنتخبين لا يمكن أن يتكلم عن القانون ولا عن الحريات والديموقراطيات.. ومن يؤيده في هذا من نواب وقانونيين أقل وصف يمكن أن يطلق عليهم ـ بعد التهذيب ـ أنهم لا يستحيون!

أما بوعماتو فقد أخذته العصبية والولع بالمزيد من المكاسب الجنونية إلى أن خرق جميع الأعراف التجارية. فلئن كان كبار رجال الأعمال أدمنوا دعم الأنظمة مداراة في دولة لم يعد للقانون فيها أي سيادة ولا أي رمزية، أو رغبة في جني المزيد من الصفقات والنفوذ ولو على حساب الوطن والمواطن، فإن الأمر لم يبلغ بهم الظهور علنا في شاشات الدعاية "الحملاتية"، ولا استغلال الجمعيات الخيرية بهذه الفجاجة، ولا تخطيط الإنقلابات وتشريعها.

لقد اعتقد بوعماتو أن صناعة الرؤساء تعني التحكم بهم أبدا، وهذا غرً كثيرين قبله!

سقوط وطن

إن أزمة البنك العام لموريتانيا (بنك بوعماتو) والتي تعتبر اليوم "حصان طروادة" في حرب "النجوم" هذه ليست وليدة اللحظة. فلقد ظهرت إلى العلن أيام الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وكانت سببا من الأسباب الرئيسية للانقلاب عليه، حيث تحالفت القوة العسكرية (عزيز) مع القوة المالية (بوعماتو) ضده وأطاحوا به في أسوإ انقلاب في تاريخ البلد (على الأقل سياسيا وقانونيا) وربما أخلاقيا ! لقد كان كان لدى بوعماتو ظهير من القوة انقلب له على خصمه (سيدي) بعد التمالؤ والترتيب .. واليوم جاء دور بوعماتو نفسه فمن ينقلب له على الإنقلابي؟!

لم يكن حلف عزيز ـ بوعماتو أصلا حلف فضول ولا إنصاف ولا عدل .. لم يكن من أجل والوطن !! لقد كانت بداياته تحالفا جشعا بين العطشى على المزيد من المال والسلطة ولو بطرق غير شرعية، على حساب الوطن واستقراره، ومشروعية مؤسساته.

لقد سقط ضحايا كثر نتيجة هذا التحالف الظالم .. من بينهم أطر عرفوا بالاستقامة والجدية والمهنية.. تم الزج بهم في السجون من طرف الجنرال عزيز لأنهم عكروا صفو امبراطور المال بوعماتو، صاحب المنة على الجنرال!

كان من بين هؤلاء مولاي العربي ولد مولاي محمد الذي لم يشفع له مشواره الحافل بالعطاء، ولا انتماؤه لأعماق "الأعماق" حيث جاء التأييد المطلق "للحركة التصحيحية" ولإنتخاب الجنرال.. كما جاء تأييد سلطات أخرى أهدرت حقوقا أخرى للأعماقيين!

لقد كتب الوزير السابق محمد ولد امين (حسن مختار) في شأن قضية سونمكس وسجن مولاي ما يلي: "قررت الحكومة استرضاء ولد بوعماتو والخضوع لأوامره وهو أمر مفهوم أنتجه الزواج غير الشرعي بين السلطة والمال. أمر ولد بوبكر برسالة سرية بتعويض ولد بوعماتو عن مطالباته الزائفة واقتطاعها من بيت مال المسلمين ومن بند النفقات المشتركة تحديدا"

لقد سقط أول رئيس مدني منتخب بسبب هذا التحالف المريب .. لقد سقطت الشرعية .. لقد سقط الوطن! إن أسوأ نتيجة لسلوك العمالقة الخارجين على القانون أن الوطن يخسر بتحالفهم كما يخسر بمعاركهم.. ليبق الحل في تحييدهم جميعا عن مراكز القوة.

ليست معركة عزيز وبوعماتو اليوم من أجل الوطن بتاتا .. مهما تلبست من لبوس قانوني أو سياسي! ليست من أجل القانون ولا الضرائب ولا حتى السلطة فقط .. إنها معركة شخصية بين من عبًرَا عن حقيقتهما بقول الأول (عزيز) "سيسيل الدم إن لم يرجع سيدي عن الإقالة" وتبجح الثاني أنه "عنيد لا يستسلم".

إنها معركة تضرب جذورها في الأنانية والإستعلاء على القانون واحتقار الوطن ومؤسساته والمواطن وحقوقه.. إنها معركة يمكن تتبع تجلياتها مدا وجزرا بين دعم الانقلابات، وتمويل الانتخابات، والرصاصات الصديقة، وأمور أخرى أكثر غموضا قد تكشفها الأيام القادمة!

الخيار الأفضل

أما الآن وبعد أن انجلى الغيم عن معركة بهذا الحجم، معركة سيتخندق فيها الكثيرون بناء على حسابات خاصة ومنفعية، وسيقع فيها آخرون في ورطة تحديد الخيار في نفس الحسابات إذ من الصعب التفريق الآن بين أي الفريقين أجدى دعمه خاصة لمن حاولوا الجمع بين "الأختين"، فعلينا أن أن نختار الوطن بكل صراحة وجراءة وجدية.

علينا أن ندرك أن وطننا بحاجة إلى سلطة فوق رجال الأعمال، لا سلطة رجال أعمال، ولا رجال أعمال سلطة، علينا أن ندرك ـ قبل فوات الأوان ـ أن وجود قضاء وقانون ووطن فوق الجميع هو صمام الأمان الوحيد لنا وللوطن.

وعلى رجال الأعمال أن يدركوا دورهم المهم لا أن يتجاوزوه، وعلى الفاسدين الذين فضلوا الإنشغال بالمال تحت مظلات السلطة، أن ينخرطوا في المال بطريقة أكثر شفافية ومسؤولية ويتركوا البلد لمن يصلح لإدارة البلد!

وعلى "النخبة" السياسية والإعلامية والقانونية التي أيدت عشرات المسارات الفاشلة والظالمة أن تختار مسار الوطن ولو مرة واحدة .

كما على بوعماتو وعزيز أن يدركا أن الوطن أكبر من أن يختزل في رغباتهما ونزواتهما ومغامراتها وحساباتهما !

5. مارس 2013 - 18:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا