ألاحظ جازما من خلال متابعتي لما ينشر في بلدنا في الصحف والمواقع وعبر صفحات التواصل الاجتماعي، تدنيا متسارع الوتيرة في المستوى الفكري لمجتمعنا الموريتاني. كما يمكن أيضا ملاحظة تسرب هذا التدني الفكري في أوساط العديد من المؤسسات العمومية و الخصوصية و الوزارات، حيث تمكن ملاحظته جليا في نمط التسيير المتبع.
إنما نشهده اليوم من انتشار للتفاهات "الفكرية" في الخطابات العنصرية والشرائحية والعرقية والقبلية ليس إلا سقوطا فكريا رهيبا يأخذ مستقبل البلد رهينة و يفرض نفسه علي كل سلطة تحاول أن تنهض بوطننا و يقيدها لان الدولة هي المجتمع . و قد تنجم عنه تداعيات لا تحمد عقباها إذا لم نتدارك الأمر بسرعة. إنه حقا "غزو الحمقى" كم أسماه الفليسوف الإيطالي أمبرتو إيكو حيث يقول: "إن مواقع التواصل الاجتماعي تمنح حق الكلام لجيوش من الحمقى، فقد كانوا في الماضي يتكلمون داخل البارات فقط وهم سكارى دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فأصبح لهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل".
لقد بات أمرا ضروريا أن تقوم الدولة بإجراء حوار مفتوح مع المفكرين والأدباء من أجل ربط السياسة والمجتمع بالفكر وتحسين مستوى الشعب فكريا. إذ لا يمكن أن يترك الشعب فريسة لنشر أفكار كل من هب ودب. لا ينبغي أن نسمح للتفاهة بالتمدد والانتشار، بل علينا جميعا أن نتكاتف لجعلها تنحسر وتأخذ موقعها الصحيح. ولا يتأتى ذلك إلا بنشر الفكر السليم وبلورة رأي عام محصن وتزويد الناس بآليات التحليل والمنطق حتى نصنع جيلا واعيا ومثقفا يستطيع أن تصدر عنه قرارات صائبة حول القضايا التي يعيشها.
على الدولة أن تتبنى هذا الأمر كإحدى أولوياتها وأن تأخذه على محمل الجد. فلا ينبغي أن تكون الدولة في مكان والمفكر في مكان آخر والمجتمع هو الآخر في مكان بعيد كل البعد عن الوطن و المواطنة. إذ ينبغي أن تتضافر الجهود وتتحد هذه الأطراف جميعا للخروج باستراتيجية واضحة المعالم تعمل على إخراجنا من هذه الحالة التي تخلق ما نعيشه اليوم من ضبابية في المستقبل ومن بعد المسافة التي تفصل ما بين المجتمع و مفهوم الوطن والانتشار الرهيب للتفاهة والسقوط الفكري.