كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا بتوقيت بومديد؛ حين حاول مجموعة من أطفال المدينة السباحة في المياه الجارية حول سدها.فو جئ الجميع بارتفاع منسوب المياه وبسرعتها التي اختفطت الطفل شبو الذي بقي عالقا على أحد اعمدة الاسمنت المسلح؛ تحاصره السيول الجارفة من كل حدب وصوب.
بذل الأهالي كل طاقتهم لإنقاذ الطفل العاقل؛ لكن عملية الإنقاذ؛على مايبدو؛ كانت تحتاج لوسائل غير تقليدية.
وتيرة القلق كانت تزداد مع الوقت؛ فالليل قد أرخى سدوله على منطقة نائية لا توجد بها كهرباء؛ حيث أحكم الجوع قبضته على الأوتار الصوتية لطفل يرى الموت نصب عينيه؛ ولا يملك سوى التشبث بأمل يتناقص مع كل دقيقة تمر.
لقد شكلت صرخة الألم التي أطلقها والد فتى بومديد #هاشتاكا تفاعل معه كل الموريتانيين في الواقع قبل التفاعل الاقتراضي.
فالنداء القادم عبر المصابيح من اب مكلوم " شبو لاتركد" حدد الحجم الحقيقي لكارثة تحدث في صمت.
وجهت سهام النقد بسهولة للدولة الموريتانية ولرئيسها الذي لم يبد في نظر البعض اهتاما لمايحدث في مدينته؛ وكهذا طفت على السطح مقارنات ؛في غير محلها؛ بين حالة الطفل شبو وطفل الريف المغربي ريان الذي جندت المملكة المغربية كل قدراتها لإنقاذه.
وجد السياسيون والمدونون ضالتهم في آلام ذوي الطفل وصمت أصحاب القرار...
أقحمت معاناة الجميع (البطالة الفقر ارتفاع الأسعار..) في ذلك المشهد المؤلم؛ حيث تتدافع كل التضاريس لأخذ مكانها بالقوة ؛ فالرمال فقدت نعومتها وسلميتها المعتادة في وجه خشونة الصخور وعنف السيول الجارفة..وكأن الجميع يتآمر على طفل لاحول ولاقوة.
سوق رواد التواصل الاجتماعي لمقولة مفادها أن من عجز عن إنقاذ طفل لا يستطيع بالضرورة انتشال وطن من تراكمات يزيد عمرها على خمسة عقود.
والحق أن المكتب الإعلامي الرئيس لم يستطع استغلال الحدث إعلاميا؛ فصمته غير المناسب في لحظات كهذه؛ فتح المجال للشائعات التي استخدمت كلها ضد النظام وسياسته.
صحيح أن معظم رواد العالم الافتراضي تجاهلوا عن قصد أوغير قصد أن ثمة خطة يتم الإعداد لها بطريقة محكمة؛ لإنقاذ الطفل العالق؛ فقد شكك كثيرون في مصداقية خبر إرسال مروحبة عسكرية للإنقاذ؛ لكن
تغريدة رئيس الجمهورية أبانت عن اهتمام كبير وعن متابعة حثيثة لمايحدث في سد بومديد حين قال : "أبارك لأسرة الطفل محمد أحمد ...ولكل أبناء شعبنا؛ إنقاذ حياته واحيي فرق الإنقاذ والسلطات المشرفة..."
توقيت التغريدة وأسلوبها أوضحا مما لايضع مجالا للشك أن كل تفاصيل عملية الإنقاذ كانت متابعة بدقة من قمة هرم السلطة في البلد.
إن ظهور الطفل شبو بين ثلاثة من أفراد فرقة الإنقاذ في عين المكان قلب الصورة النمطية في لحظة؛ وأعاد للدولة مكانتها في مخيلة كل المرجفين والمشككين الذين كانوا يسعون لترسيخ صورة هشة عن موريتانيا ونظامها السياسي وقواتها المسلحة في ذهن المواطن العادي.
تفاصيل لحظات الإنقاذ كانت فارقة بكل ماتعنيه الكلمة؛ لدرجة جعلت الجميع يشعر بالاعتزاز بقواتنا المسلحة؛ وبإنجازاتها التي صارت عاملا مهما في توطيد اللحمة الوطنية.
ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن هذه العملية البطولية يجب ان تدعم من طرف المواطنين من خلال الحفاظ على أبنائهم؛ خصوصا في موسم الخريف وتحديدا في هذه الفترة التي تشهد تساقطات مطرية تتجاوز حدود 100 مل في معظم ولاياتنا الشرقية ..فمهما كانت إرادة قواتنا المسلحة فليس بوسعها إنفاذ كل الأطفال الذين تركهم ذووهم عرضة للسيول الجارفة .