قد كنت بينت في مقال سابق نشرته الأخبار الموريتانية بتاريخ: 10¬_11_2011 عنوانه "حجاج موريتانيا بدوية الحاج وفوضوية المقيم " كيفية سير عمل القيمين على حجاج البلد مبينا ومنذرا علي ألفت نظر صاحب سلطة أو أغير سلوك حاج _وكان ذلك قبل الحج بأيام_ لكن هيهات هيهات أتت البعثة
ذاتها وزادت مستشارين لتزيد في الفوضى والتلاعب بقيم الدولة وهيبتها وأموالها وأموال وأنفس مواطنيها، ليجتمع الكل على عرس اللعب والتقصير ومهره المجموع من أموال الضعفاء المخبتين الملبين للباري عز وجل.
تمثلت أولى حفلات العرس في تجمهر المواطنين المقيمين أمام مبني الفندق المخصص لنزل الحجيج بالمدينة المنورة راغبين في العمل مع البعثة لتسكين الحجاج وتفويجهم كما هو العادة دائما، ليهزأ بهم رئيس البعثة الإدارية غير مفرق بين شيخ وقور وصبي بريء، آخذا منهم ما أملته عليه نفسه بواسطة وسيط يتأرجح في الغالب بين وسيط القبيلة والنساء المضيفات له في السعودية وله حفظه الله يد طولي في ذلك بحكم قدمه وكثرتهن هنا، مبينا بذالك وجها جديدا ومثالا ناصعا لترشيد المال العام مقلصا عدد العمال من المائة إلى العشرة من منهم على شاكلته بطريقة أو بأخرى لينحصر همهم الأوحد في حماية جسد رئيسهم الذي ما ينفك عن القول بأن كل شيء بيده وأنه صاحب الصيت الأعلى مجيبا الحجاج تارة بقوله: اذهب إلى الرئيس وتارة أخرى بالشتم والتنابز، وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
أما ثاني مظاهر العرس الفوضوي لبعثة الحج الموريتانية فتمثل حينما أعلن رئيس بعثة الحج ليلا وتحديدا الساعة الثالثة فجرا من صباح يوم الجمعة فاتح شهر ذي الحجة وبدون سابق علم لدى الحجاج أن خروج الفندق يومه ذاك مع أن بعضهم لم يصلى صلاة واحدة في المسجد وبعضهم لم يؤدي زيارات المدينة المنورة ومنهم الباقي تعبدا في المسجد لم يصله الخبر المفاجئ ومنهم... ويصر المستشار ووزيره علي ذلك لأمر ما يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا.
لتكون الحفلة الأكبر لعرس الفوضى يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية حيث لا أحد من البعثة إطلاقا ولا باصا واحدا للبعثة وحجاج الجمهورية الإسلامية الموريتانية في الشارع احتجاجا علي ما لا يعرفونه. أيحتجون على البعثة التي لا توجد أصلا أم على الدولة ورئيس الفقراء أم على السعودية، تبكي النسوة وتصحن مولولات وحسبهن غيور على القيم العربية بعد أن فقدن مظاهر الدولة وتمثيلها، وتدمع عيون مشايخهم رغبة في من يوصلهم إلي "منى" أويقربهم منها لتبدأ رحلة التعب واللامبالاة.
كان التعب بالغ أشده ومستو على سوقه حيث الترجل البعيد من مكة إلي منى ومنها إلي عرفة ثم المزدلفة رجوعا إلي الجمرات ثم مكة، هذا كله مع التيه في الأرض والزحام الشديد والجوع والسهر والمرض وباقي أنواع وأشكال التعب التي الله بها عليم.
تنتهي مناسك الحجيج بجهود الحجاج أنفسهم وبما عانوه من أنواع الحيف والإهمال وأشكال أخري هي عبرة للمعتبرين ووجه للإصلاح والتغيير الجديد في البلد ومحاربة للفساد وأهله، ليصدمهم رئيس البعثة المتمرس علي ظلمهم بتأخيرهم أسابيع في مكة بعيدا عن الحرم المكي عن موعدهم المحدد وقد نفدت نقود معاشهم واجتمع عليهم التعب والجوع وتأخر السفر بمكة من دون رقيب أو مساعد.
ليبدأ عرس المحرمية الذي يقيمه نائب رئيس البعثة الإدارية مع سكرتيرة وزيره التي حظيت بحجة من حجات الوزير _حفظه الله _التي يقسمها علي معارفه وطلابه ووجهائه وأعوانهم إلا أنها لم تجد محرما لتتيح الأقدار لنائب رئيس البعثة الفرصة بأن يكون هو المحرم بحكم نفوذه وتحكمه في الحجة وقيمتها المالية، وأيم الله لذاك فقه النفوذ والطمع والانتهازية بدل فقه الحج الموكل للبعثة ذاتها، وعمارة هوازن إحدى عمارات سكن الحجاج بمكة حي العزيزية علي ذلك شاهدة وتحديدا طابقها الأول.
تلك هي سلوكيات البعثة ومساعداتها للحجاج إذن ليس فيها ذكر للمحججين من أموال الدولة حيث أخبرنا أحدهم أنه من طرف الوزير المنتدب لوزير التعليم وآخر لوزير المالية وآخرين كثر لا يستحون من سبب حصولهم على تلبية نداء خليل الرحمن وفريضة الإسلام، هذا ولم تك بعثة الإعلام بنوعيه ولا بعثة الفقه عن ذالك ببعيد فسهرهم مع نسوة موريتانيا الجديدة أمام المخيم "بمنى: شاهده الأعمى والبصير في الظلمات والنور شربا للشاي وتأكيدا لمهمة البعثة ومعايير اختيارها كل ذلك في بلد الله وحرمه الآمن، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.
ولئن كان هذا الوصف مقتضبا ومقتصرا على الحقيقة المتفق عليها فإن هناك أشياء تبكي لها الأعين وتشمئز منها النفوس، بعيدا عن الغيرة على الوطن، ولا حبا للأهل المطالب به المسلم "خيركم خيركم لأهله.." لكن شعورا بالإنسانية وتكريم الله لها "ولقد كرمنا بني آدم..." بيد أن الحق يصدح به الحجاج بلا استثناء نوابا للأغلبية ونوابا للمعارضة اجتماعا نادرا على الحقيقة في بلد كبلدنا تعود ساسته على ما أوصلهم لها "والاعتراف سيد الأدلة" كما الفقهاء بينوا والقضاة أكدوا ليحكم الفقيه الوزير بالحكم الذي يشاء، مع أن الأمر يعلمه أهل الفلك جمعا بسبب الإعلام وليسمع ذاك المستشار الفلكي غير مسمع قبل أن تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وأرجلهم بما كانوا يفعلون.
وألفت نظر من كان له اهتمام أن يسأل الحجاج أنفسهم اقتداء بالقرآن الكريم "فاستفتهم" ليتبين ما أكرمت عنه قلمي من سيئ الأفعال والأقوال التي يأباها الدين وينكرها العقل، وتمقتها السياسة، ويجحدها منطق الحملة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس والتي قابت قوسين أو أدنى من أن تعيد الكرة بشعارها القديم الجديد الذي حسبه الفقراء ماء غدقا وما هو في الحقيقة سوى عارضا ما إن رأوه مستقبلا أوديتهم "قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" سلمنا الله وحفظ بلادنا وإنا لله وإنا إليه راجعون حجاج موريتانيا بين مطرقة عرس الفوضى وسندان عرس المحرمية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.