حجاج موريتانيا... بدوية الحاج وفوضوية المقيم / افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

"الحج" قديما كان رحلة المجتمعات للبحث عن الذات إن صح التعبير وللأفراد بحثا عن الأجور، يتضح ذلك جليا من جلب القبائل أشعارهم في مواسمه واستعراض أبهتهم أيام جاهلية القوم، أما في الإسلام ولا سيما في عصوره الأول _زمان النقاء والإخلاص_ فقد كان الحج كله لله وبما شرع ابتغاء لمرضاته جل  افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

ومع ذلك تعارف عنده القوم وأخذوا زينتهم ونظموا أنفسهم فيه، وصرف النبي صل الله عليه وسلم وجه "الفضل" عن ظعائن كن يسرن تنظيما فيه، وتعرض فيه الشعراء غزلا للظعائن من الركع السجود، كما الحال مع عمر بن أبي ربيعة الذي نفاه عمر بن عبد العزيز عقابا له، كما أن الشعراء أقسموا بالحج ومشاعره في أشعارهم ذاكرين "مني "ومزدلفة "وعرفة" و"الجمرات"...

وفي زمان البشرية هذا _زمان المظاهر والتمثيل الدبلوماسي _ حرص كل قوم علي تنظيم أنفسهم وتمثيل بلدانهم والالتقاء بذويهم_أهل الجوار وساكنة البلاد المقدسة _تمثل ذلك في أخذهم أماكن تخصهم بالمدينة، ومكة والمشاعر... وحتى في الطرقات والمطارات والسيارات، إلا أن حجيج المالكية حجيج الشناقطة موريتانيو وزارة الشؤون الإسلامية _الكعكة التي يملكها الوزير يقسم غنائمها بفأس الظلم وفي صحون الجور من منهم على شاكلته وربك أعلم بهم _ لم يرو من حجهم أي تنظيم ولا أي تمثيل سوي ما كان من شروط الإفتاء على المذهب المالكي خداعا منهم ومكرا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

يأتي الموسم كل عام وتكثر إعلانات االتلفزة والإذاعة عنه بمبلغ مكان صرفه محدد بالمكان والزمان ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولتتاح الفرصة للمسؤولين عنه لأخذ نفقات الأعوام القادمة، هذا إن لم تقض منها تلك المنصرمة، نحوا من فعل مسؤوله الأول الذي يعيل بيتا بمكة ويؤجر بها شقة تلاعبا بأموال الدولة وحجيجها...

ليبقى حجيج موريتانيا بدون تنظيم ولا رعاية لأبسط حق أو مصلحة، فوضي لاسراة لهم، ولا مظاهر للدولة وهيبتها، حيث لا توعية ولا تحمل للمسؤولية وصدق القائل:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت *** فإن تولت فبالأشرار تنقاد

وإن عمارة حجاج موريتانيا نتيجة لذلك لهي عمارة للهو وللعب والتفاخر بالكذب والخداع من لدن المقيمين والمقيمات، وما أدراك ما هن بينما الآتين وقلوبهم وجلة إلى ربهم أنهم إليه راجعون لا منظم لحياتهم ولا سائل عن التائه منهم، ولا مواسي لأنات المريض منهم، يظلون نهارهم بالمسجد النبوي، ويقضون ليلهم في سمر التجارة ولهو وفوضوية المقيمين.

والحال نفسه بمكة إن لم يكن أشد زيادة علي أن من يركب الحافلات منهم قلة من أهل القوة التي أنهكها الجوع والسهر لتزاخم التاجرات والعابثين والعابثات لهم من دون رقيب.

أما الخيام المخصصة للبعثة في المشاعر فلكأن الناظر لها يقول: وما الطير إلا من سربه، فوضي لبلد سلط الله عليه الفوضى وأهلها. حكاما ومحكومين، حتى طغت شهرت سلوكياتهم الجديدة مكان شهرت الشناقطة الأقدمين. خيام فوضي، صياح ولعب وسهر وأشياء أخري الله بها علي...

هذه الحقائق وغيرها تصك بها مسامع القوم كل عام ورئيسهم ووزيره في صرة لا يبالون حتى إذ أخذهم العذاب إذا هم فيه مبلسون.

يعرفون حقائق هم لها ناكرون ولها متجاهلون، يغالطون أنفسهم بإعلامهم الباطل الكاذب فسبحان الله ما أشد جور الزمن، فلقد سمعت من الوزير في حجة من حجاته "أيام تفقهه" ينتقد تلك الفوضى وهو اليوم لها فاعل.

والأطرف من هذا كله أن البعثة تقسم أرقاما للإفتاء لا توجد أصلا، ليبقي الإفتاء في الحج منحصرا علي فقهاء الوزارة اللذين تختارهم من محظرة "الوزير الفقيه" لا علم لهم بالحج ولا الفقه أصلا، إلا من رحم ربك وقليل ما هم، مع التنبيه علي أنهم لم يحجوا ولم يطبقوا فأني لهم أن يرشدوا، ومثالا على ذلك أحد الفقهاء الصبية العام الماضي أفتي بأن رمي الجمرات يكون كما يلي: يوم النحر الجمرة الكبرى واليوم الثاني الوسطي والثالث الصغرى، وهذه وأيم الله ليست إلا إحدى طرائف الفوضى في بلد الفوضى.

تلك هي قصة الحجيج وما أشبهها بألف ليلة وليلة، ولقد تركت منها الكثير والكثير إكراما لمسامعكم واحتراما لشعوركم وتنزيها لقلمي واحتراما لذاتي، فمثلا "والعفو" أحد حجاج السنة الماضية ممن وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا تركه باص البعثة بين جدة والمدينة المنورة، ليعثر عليه بعد عشرة أيام ميتا رحمه الله تعالي وبواسطة راعي غنم أبلغ شرطة السعودية، وجهود البحث كلها جهود أهلية، إذ ضربت البعثة الرسمية عنه الذكر صفحا كما هي عادتها، لتتنعم أياما في أفخم فنادق السعودية كما هو واقعها العام الماضي في درة "الفيروز" قرب المسجد النبوي في الطابق الثالث عشر، لا يلوون على أحد، فبئس للظالمين بدلا، وبعثة الطب التي تأتي والحاجة إليها بالغة أشدها ومستوية علي سوقها من لدن الحجاج والمقيمين، في ختان الأطفال، وفي الأمراض الأخرى... ليس معها دواء أصلا وليس معهم أبسط اهتمام بالمهمة الموكلة إليهم، بل فيهم نكات لاتقل طرافة عن سابقاتها وهي أن أحدهم العام الماضي مكسور جناحه يطبب بدل أن يكون هو الطبيب وهو طبيب في مستشفي "الميناء في العاصمة نواكشوط" وغيره كثير، وأفي بوعدي أن أحترم شعوركم وأنزه قلمي وألفت نظر من كان له نظر وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

11. أكتوبر 2011 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا