ليس غريبا ولا مستغربا أن يكون موظفا في وزارة عاكسا لتصرفات إدارته وكاتبا لها بالخشب في جبين التاريخ بأعين شعب لا يتقن إلا القراءة وحسن الاستماع ،وقديما قيل "الإنسان ابن بيئته " هذا عينه ما لم يرعني وأنا أرقب لحظة وصول حجيج بيت الله الحرام من الشناقطة
الأتقياء حيث الأهل والأقارب والمجتمع ،تأخرت الطائرة وبدأت المعاناة من جوع وعطش لم تغن عنهم الوزارة المبطرة بالمال من جيوبهم شيئا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وعبست جباه الساجدين من كبار السن والورع ،وشاب الولدان أما الذمار فلا حامي لهم هناك ،وهو اليوم ذاته الذي قابلت فيه محظوظا رئيس البعثة في مقر إقامة الحجيج بالمدينة المنورة يتجول بين أروقة العمارة سنده في ذلك ابن عمه وحاضنه أيام كان بطيبة الطيبة يدرس بها مبادئ علم التوحيد أو ذاك الظن به ،ولقد أوصله إلى الوزارة نقيض ما تعلمه فيها جملة وتفصيلا . رأيته حفظه الله هادئا باسما سابحا بسبحته القادرية التي بوردها علا شأنه وارتفع ذكره وصار إلا ما قدم......ولربما لايعرف أنه معروف للجميع . ألمت خناس وإلمـــــــــامها أحاديث نفس وأحــــــلامها كان السكن نفسه هو مرابع فوضي البعثة العام الفارط والدور ذاته دُوره هي ذاتها ديار اللذين ظلموا أنفسهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ،سألته عن الطريقة التي اختار بها عمال البعثة من المقيمين من دولة الجمهورية معلما إياه بأن جلهم أو كلهم أقاربه أو ما هم من ذلك ببعيد ،لم يخجله سلمه الله ذلك لأنه به عارف وله متعمد فأجابني بترداد السلام خروجا عن الموضوع بكلمات وعظ وتهديد عن أعراض الناس ناصبا لي شراكا عنه لن أحيد بقصد وبغير قصد يتعلق الأمر بمقالات كتبتها في سنوات وزارته العجاف ،وبالتحديد تجارتهم بحجتهم الأخيرة في عام رمادة بلاد "المليون شاعر" واصفا مضمون المقالات بالكاذب والمعارض لسياسة اللعب والتحايل عارضا علي العمل بلغة الموظفين "بمكة المكرمة" من باب "لأضلنهم ولأمنيهم" لم يكن تقمص الشيخ رئيس البعثة لمنطق الفضيل بن عياض ،وسالم بن عبد الله وغيرهم بالأمر المفاجئ لي فالزمان والمكان يتطلبان من العاقل التحايل بالشكل والمضمون لا علي فحسب ولا كن على كل الناس ليصك الطرف عن تصرفاته وطاقمه من الأقربين منه "فالأقربون أولى بالمعروف" مع أن البعثة مهمتها أنهم "لا يرقبون في مؤمن إلا ولاذمة" رجعت أضرب يدي في يدي حسرة على دولة مسئولوها سلسلة حلقاتها القرابة والفوضى لأصدم وأنا في أحد دور العمارة بغرفة بها ثلاثة أسرة وهي معدة لشخص واحد بينما كبار السن يبك بعضهم بعضا في غرف أخر أضيق وأبعد لتتجسد لي معالم المسرحية الممثلة وكأنها تلك التي مثلت بمصر قدما "السفارة في العمارة" بيد أن الغرفة في الدور الثاني واسم المسكن فيها ليس غريبا ولا نشازا وحشيا بلغة أهل البلاغة من أسماء نافذة يبسطون أيديهم لعبا واختطافا لوزارة علم وتعلم الشناقطة . وبدون أي أريحية وبأسف شديد دلفت طريقي أكرر "أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي..." بينما المتلاعبون كؤوسهم ملآ يواطئوا عدة ماحرم الله ليلة معاناة الفوج الأول ورئيس البعثة عنهم من الغافلين الغائبين لسان حاله ومقاله . أف لكــــم ولعقل بين أضلعكم ماذا وثقتم به مني ومن ديني من أفلس الناس من دين ومن حسب وأظــــــلم الناس طرا للمســـاكين كانت تلك ملامح من تصرفات رئيس البعثة وأناة من معاناة الحجيج التي بدأت قصتها تروى بدأ بانتظارهم أياما معدودات إهمالا وتقصيرا ،وانتهت برص جموع المقيمين لهم تسلية وعبثا رميا لأمتعتهم ،وغيابا للمسؤول عنهم ومودة لأقاربه تطبيقا وشرحا لحال البلد برمته الذي تتقلب سياسته بين أحاديث نسوة المتحكمين فيه ومخنثيهم ،ولسوف يري الجميع ما سيكون من البعثة مع الفوج الثاني ولا أظنهم في عرضهم لفشله إلا أنهم إن يأتهم عرض مثله يأخذوه . وخلاصة القول أن السلم الذي أوصل المستشار إلي عمله أوصل المستشار به عماله إلى عملهم سحبا لهم بأيديهم تجاهلا لمصير سلفه في البعثة إغفالا عن قول الحق "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون" كل ذالك تجسيدا لسياسة الوزارة وتطبيقا لها لينقلب السلم رأسا على عقب هبوطا بالمستشار والوزير وليركمهم مع أعوانهم جميعا بعضهم فوق بعض رفقة أسلافهم ،وتبقي بعثة الحج ووزارتها سلم للوصول إلى المال والسياسة و...وهبوطــــــــا منها .ولله الأمر من قبل ومن بعد.