********
المراغية الخيفاء :
الإشكال
والإستثناء :
********
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ " )
الواقعة 39 و 40 "
(مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ ) رواه مسلم
"إنما نحن بالإضافة إلى مَنْ كان قبلَنا كبقْلٍ في أصول رَقْلٍ ".
القارئ اللغويُّ أبو عمرو بنُ العلاء ( 154 ) (زيان )
"إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً،
فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلِح .
أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني ( 255 )
" الجاحظ " :
"ليس لقِدَم العَهْدِ يُفَضَّلُ الفائِلُ
ولا لحِدْثانِه يُهتَضَمُ المُصيبُ،
ولكنْ يعطَى كُلٌّ ما يستحقُّ "
أبو العباس المبرِّدُ ( 285 )
لقد عالج أبو محمد القاسم بن على الحريري البصري (516 )
في المقامة السادسة
- ( المقامة المراغية أو الخيفاء ) -
من مقاماته الخمسين
موضوعا لن أسهب في عرض رؤيتي فيه الٱن '
بيد اني سأحاول إن شاءالله تعالى التعريج في هذا المقام على المحاور الثلاثة التالية :
1 - سرد المقامة المراغية كاملة دون تصرف '
2 - عرض الإشكالية
"الرأي والرأي الاخر",
3 - الاستثناء ,
أولا : نص المقامة :
رَوى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قالَ: حضَرْتُ ديوانَ النّظرِ بالمَراغَةِ.
وقدْ جَرى بهِ ذكْرُ البَلاغَةِ.
فأجمَعَ مَنْ حضَرَ منْ فُرْسانِ اليَراعَةِ.
وأرْبابِ البَراعةِ.
على أنّهُ لمْ يبْقَ مَنْ يُنقّحُ الإنْشاءَ.
ويتصرّفُ فيهِ كيفَ شاءَ. ولا خلَفَ.
بعْدَ السّلَفِ.
مَنْ يبتَدِعُ طريقةً غَرّاء. أو يفتَرِعُ رسالةً عذْراءَ. وأنّ المُفلِقَ من كُتّابِ هذا الأوانِ.
المُتمكّنَ من أزِمّةِ البَيانِ. كالعِيالِ على الأوائِلِ.
ولو ملَكَ فَصاحَةَ سحْبانِ وائِلٍ.
وكان بالمجْلِسِ كهْلٌ جالِسٌ في الحاشيةِ.
عندَ مَواقِفِ الحاشِيَةِ. فكانَ كلّما شطّ القوْمُ في شوْطِهِمْ.
ونشَروا العَجْوَةَ والنّجْوَةَ منْ نوْطِهِمْ.
يُنْبئ تَخازُرُ طرْفِهِ. وتشامُخُ أنفِهِ.
أنّهُ مُخْرَنْبِقٌ ليَنْباعَ. ومُجْرَمِّزٌ سيَمُدّ الباعَ. ونابِضٌ يبْري النِّبالَ. ورابِضٌ يبْغي النّضالَ. فلمّا نُثِلَتِ الكَنائِنُ.
وفاءتِ السّكائِنُ.
وركَدَتِ الزّعازعُ.
وكفّ المُنازِعُ.
وسكنَتِ الزّماجِرُ.
وسكتَ المزْجورُ والزّاجِرُ. أقبَلَ على الجَماعَةِ وقال:
لقَدْ جئْتُمْ شيْئاً إدّاً. وجُرْتُمْ عنِ القصْدِ جِدّاً. وعظّمتُمُ العِظامَ الرُّفاتَ. وافْتَتُّمْ في المَيْلِ إلى مَنْ فات،
وغمصتم جيلكم الذين فيهم لكم اللدات،
ومعهم انعَقَدَتِ المودّاتُ. أنَسيتُمْ يا جَهابِذَةَ النّقْدِ. ومَوابِذَةَ الحَلّ والعَقْدِ.
ما أبْرَزَتْهُ طَوارِفُ القَرائِحِ.
وبرّزَ فيهِ الجذَعُ على القارِحِ.
منَ العِباراتِ المهَدَّبَةِ. والاستِعاراتِ المُستَعْذَبَةِ. والرّسائِلِ الموشّحَةِ. والأساجيعِ المُستَمْلَحَةِ؟ وهلْ للقُدَماء إذا أنعَمَ النّظَرَ.
مَنْ حضَرَ.
غيرُ المَعاني المطْروقَةِ المَوارِدِ.
المعْقولَةِ الشّوارِدِ. المأثورَةِ عنهُمْ لتَقادُمِ المَوالِدِ.
لا لتقدُّمِ الصّادِرِ على الوارِدِ؟
وإني لأعرِفُ الآنَ مَنْ إذا أنْشا.
وشّى.
وإذا عبّرَ.
حبّرَ.
وإنْ أسهَبَ.
أذْهَبَ.
وإذا أوْجَزَ.
أعْجَزَ.
وإنْ بَدَهَ.
شدَهَ.
ومتى اخْتَرَعَ.
خرَعَ.
فقالَ لهُ ناظورَةُ الدّيوانِ. وعينُ أولَئِكَ الأعْيانِ:
مَنْ قارِعُ هذِهِ الصّفاةِ ؟ وقَريعُ هذِهِ الصّفاتِ؟ فقال: إنّه قِرْنُ مَجالِكَ. وقَرينُ جِدالِكَ.
وإذا شِئْتَ ذاكَ فرُضْ نَجيباً.
وادْعُ مُجيباً.
لتَرى عَجيباً. فقال لهُ:
يا هَذا إنّ البُغاثَ بأرضِنا لا يَستَنْسِرُ.
والتّمييزَ عندَنا بينَ الفِضّةِ والقضة متيَسِّرٌ.
وقَلَّ منِ استَهدَفَ للنّضالِ.
فخلّصَ منَ الدّاء العُضالِ. أوِ استَسارَ نقْعَ الامْتِحانِ. فلمْ يُقْذَ بالامتِهانِ.
فلا تُعرِّضْ عِرْضَكَ للمَفاضِحِ.
ولا تُعْرِضْ عنْ نَصاحَةِ النّاصِحِ.
فقال: كُلُّ امرِئٍ أعْرَفُ بوسْمِ قِدْحِهِ.
وسيَتَفرّى الليلُ عنْ صُبْحِهِ.
فتَناجَتِ الجَماعَةُ فيما يُسْبَرُ بهِ قُلَيْبُهُ.
ويُعْمَدُ فيهِ تقْليبُهُ.
فقال أحدُهُمْ: ذَرُوهُ في حِصّتي.
لأرْميَهُ بحَجَرِ قِصّتي. فإنّها عُضْلَةُ العُقَدِ.
ومِحَكُّ المُنْتَقَدِ.
فقلّدوهُ في هذا الأمْرِ الزّعامَةَ.
تقْليدَ الخوارِجِ أبا نَعامَةَ. فأقْبَلَ على الكهْلِ وقالَ:
اعْلَمْ أني أُوالي. هذا الوالي.
وأُرَقّحُ حالي.
بالبَيانِ الحالي.
وكُنْتُ أستَعينُ على تقْويمِ أوَدي.
في بلَدي.
بسَعَةِ ذاتِ يَدي.
معَ قِلّةِ عدَدي.
فلمّا ثَقُلَ حاذي.
ونفِدَ رَذاذي.
أمّمْتُهُ منْ أرْجائي. برَجائي.
ودعوْتُهُ لإعادَةِ رُوائي وإرْوائي.
فهَشّ للوِفادَةِ وراحَ. وغَدا بالإفادَةِ وراحَ.
فلمّا استأذَنْتُهُ في المَراحِ.
إلى المُراحِ.
على كاهِلِ المِراحِ.
قال: قدْ أزْمَعْتُ أنْ لا أزوّدَكَ بَتاتاً.
ولا أجْمعَ لكَ شَتاتاً.
أو تُنْشِئَ لي أمامَ ارتِحالِكَ.
رِسالَةً تودِعُها شرْحَ حالِكَ. حُروفُ إحْدى كلِمتَيْها يعُمّها النَّقْطُ.
وحُروفُ الأخْرى لمْ يُعْجَمْنَ قطّ.
وقدِ استأنَيْتُ بَياني حَوْلاً.
فَما أحارَ قوْلاً.
ونَبَهْتُ فِكْري سَنَةً.
فما ازْدادَ إلا سِنَةً. واستَعَنْتُ بقاطِبَةِ الكُتّابِ. فكلٌ منْهُمْ قطّبَ وتابَ. فإنْ كُنتَ صدَعْتَ عنْ وصْفِكَ باليَقينِ.
فأتِ بآيَةٍ إنْ كُنتَ منَ الصّادِقين. فقال لهُ: لقَدِ استَسْعَيْتَ يَعْبوباً. واستَسْقَيْتَ أُسْكوباً. وأعطَيْتَ القوْسَ بارِيَها. وأسْكَنْتَ الدّارَ ثانِيَها. ثمّ فكّرَ ريثَما اسْتَجَمّ قريحَتَهُ. واستَدَرّ لَقْحَتَهُ. وقالَ: ألقِ دَواتَكَ واقْرُبْ. وخُذْ أداتَكَ واكتُبْ:
"الكرَمُ ثبّتَ اللهُ جيْشَ سُعودِكَ يَزينُ.
واللّؤمُ غَضّ الدّهرُ جَفْنَ حَسودِكَ يَشينُ.
والأرْوَعُ يُثيبُ.
والمُعْوِرُ يَخيبُ. والحُلاحِلُ يُضيفُ. والماحِلُ يُخيفُ.
والسّمْحُ يُغْذي.
والمَحْكُ يُقذي.
والعطاء ينجي
والمطال يشجي،
والدعاء يقي والمدح ينقي والحُرُّ يَجْزي. والإلْطاطُ يُخْزي.
واطّراحُ ذي الحُرْمَةِ غَيٌ. ومَحْرَمَةُ بَني الآمالِ بغْيٌ. وما ضنّ إلا غَبينٌ.
ولا غُبِنَ إلا ضَنينٌ.
ولا خزَنَ إلا شَقيٌ.
ولا قبَضَ راحَهُ تقيٌ.
وما فتئ وعدُك يَفي. وآراؤكَ تَشْفي.
وهِلالُكَ يُضي.
وحِلْمُك يُغْضي.
وآلاؤكَ تُغْني.
وأعداؤكَ تُثْني.
وحُسامُك يُفْني.
وسؤدَدُكَ يُقْني. ومُواصِلُكَ يجْتَني. ومادِحُك يقْتَني. وسماحُكَ يُغيثُ.
وسماؤكَ تَغيثُ.
ودرُّكَ يَفيضُ.
وردُّكَ يَغيضُ.
ومؤمِّلُكَ شيْخٌ حَكاهُ فَيْءٌ.
ولمْ يبْقَ لهُ شيءٌ.
أمّكَ بظَنٍ حِرصُهُ يثِبُ. ومدَحَكَ بنُخَبٍ.
مُهورُها تجِبُ.
ومَرامُهُ يخِفُّ.
وأواصِرُهُ تشِفُّ.
وإطْراؤهُ يُجْتَذَبُ.
وملامُهُ يُجتَنَبُ. وورَاءهُ ضَفَفٌ.
مَسّهُمْ شظَفٌ.
وحصّهُمْ جنَفٌ.
وعمّهُمْ قشَفٌ.
وهوَ في دمْعٍ يُجيبُ. وولَهٍ يُذيبُ.
وهَمٍّ تَضيّفَ.
وكمَدٍ نيّفَ.
لمأمولٍ خيّبَ.
وإهْمالٍ شيّبَ.
وعدوٍّ نَيّبَ.
وهُدُوٍّ تغيّبَ.
ولمْ يزِغْ ودُّهُ فيغْضَبَ. ولا خَبُثَ عودُهُ فيُقْضَبَ. ولا نفَثَ صدْرُهُ فيُنْفَضَ. ولا نشَزَ وصْلُهُ فيُبْغَضَ. وما يقْتَضي كرَمُكَ نبْذَ حُرَمِهِ.
فبيِّضْ أمَلَهُ
بتَخْفيفِ ألَمِهِ.
ينُثّ حمدَكَ بينَ عالَمِهِ. بقيتَ لإماطَةِ شجَبٍ. وإعْطاءِ نشَبٍ.
ومُداواةِ شجَنٍ.
ومُراعاةِ يفَنٍ.
موصولاً بخَفْضٍ.
وسُرورٍ غَضٍّ.
ما غُشِيَ معْهَدُ غنيٍّ.
أو خُشِيَ وهْمُ غبيٍّ. والسّلامُ.
فلمّا فرَغَ منْ إمْلاءِ رِسالَتِهِ.
وجلّى في هَيْجاء البَلاغَةِ عنْ بَسالَتِهِ.
أرضَتْهُ الجماعَةُ فِعْلاً وقوْلاً.
وأوْسَعَتْهُ حَفاوَةً وطَوْلاً. ثمّ سُئِلَ منْ أيّ الشّعوبِ نِجارُهُ.
وفي أيّ الشِّعابِ وِجارُهُ؟ فقال:
غسّانُ أُسرَتيَ الصّـمـيمَـهْ * وسُروجُ تُرْبَتي القَـديمَـهْ
فالبَيتُ مثلُ الـشّـمْـسِ إشْـ * راقاً ومنـزِلَةً جـسـيمَـهْ
والرّبْعُ كالـفِـرْدَوْسِ مـطْ * يَبَةً ومَـنْـزَهَةً وقـيمَـهْ
واهـاً لـعـيْشٍ كـانَ لـي * فيهـا ولـذّاتٍ عَـمـيمَـهْ
أيّامَ أسْحَـبُ مُـطْـرَفـي * في روضِها ماضي العَزيمَهْ
أخْتالُ فـي بُـردِ الـشّـبـا * بِ وأجْتَلي النِّعَمَ الوَسيمَـهْ
لا أتّـقـي نُـوَبَ الـزّمـا * نِ ولا حَوادِثَهُ المُـلـيمَـهْ
فلوَ انّ كـرْبـاً مُـتْـلِـفٌ * لَتَلِفْتُ منْ كُرَبي المُقـيمَـهْ
أو يُفْتَدَى عـيْشٌ مـضـى * لفدَتْهُ مُهجَتيَ الـكَـريمَـهْ
فالموْتُ خـيرٌ لـلـفـتـى * منْ عيشِهِ عيْشَ البَهـيمَـهْ
تقْـتـادُهُ بُـرَةُ الـصَّـغـا * رِ إلى العظيمَةِ والهضيمَـهْ
ويرَى السّباعَ تَـنـوشُـهـا * أيْدي الضّباعِ المُستَضيمَـهْ
والـذّنبُ لــلأيّامِ لـــوْ * لا شُؤمُها لمْ تنْبُ شـيمَـهْ
ولوِ استَقامَـتْ كـانـتِ الـ * أحوالُ فيها مُسـتَـقـيمَـهْ
ثمّ إنّ خبَرَه نَما إلى الوالي.
فمَلأ فاهُ باللآلي.
وسامَهُ أن ينضَويَ إلى أحشائِهِ.
ويَليَ ديوانَ إنْشائِهِ. فأحْسَبَهُ الحِباءُ.
وظلَفَهُ عنِ الوِلايَةِ الإباءُ.
قال الراوي:
وكُنتُ عرَفْتُ عُودَ شجَرَتِه.
قبلَ إيناعِ ثمرَتِهِ.
وكِدْتُ أنبّهُ على عُلوّ قدْرِهِ.
قبلَ استِنارَةِ بدْرِهِ. فأوْحى إليّ بإيماضِ جفْنِهِ.
أن لا أجرِّدَ عضْبَهُ منْ جفْنِهِ.
فلمّا خرَجَ بَطينَ الخُرْجِ. وفصَلَ فائِزاً بالفُلْجِ. شيّعْتُهُ قاضِياً حقّ الرّعايَةِ.
ولاحِياً لهُ على رفْضِ الوِلايَةِ.
فأعْرَضَ مُتَبَسّماً.
وأنْشَدَ مترنّماً:
لَجَوْبُ البِلادِ معَ المَتْرَبَـهْ * أحَبُّ إليّ منَ المرْتَـبَـهْ
لأنّ الوُلاةَ لـهُـمْ نَـبـوَةٌ * ومعْتَبَةٌ يا لَها مَعْـتَـبَـهْ
ومافيهمِ مَنْ يرُبُّ الصّنيعَ * ولا مَنْ يُشيِّدُ ما رتّـبَـهْ
فلا يخدَعنْكَ لَموعُ السّرابِ * ولا تأتِ أمْراً إذا ما اشْتبَهْ
فكَمْ حالِمٍ سرّهُ حُـلْـمُـهُ * وأدرَكَهُ الرّوْعُ لمّا انْتبَـهْ
ثانيا :
الإشكال أو الجدلية:
يتلخص الإشكال أو تتمحور الجدلية في المفاضله بين عقول وأفهام ومدارك وانجازات المتقدمين والمتأخرين أو ما اكتشفوا أوطورا أو أنشأوا أونظرواله ومدى تفجر عبقرياتهم وذرابة ألسنتهم وسيلان أقلامهم الخ ...
تلك الجدلية او هذا الإشكال الذي قد نفهم صعوبة الخروج منه بنتيجة واضحة متفق عليها '
إذا أخذنا في الحسبان أن من أسباب تلك الصعوبة :
- اختلاط بعض المفاهيم كالتي من قبيل التفرقة بين التطوير والإكتشاف والبرهنة من جهة
- وبين الإنشاء والاكتشاف من جهة ثانية'
- كما أن القصور في دقة التفرقة بين الإفتراض والتنظيرأوالإحتمال قبل الوصول إلى الحقيقة العلمية من جهة ثالثة هو الآخر من أسباب تلك الصعوبة .
إن عدم الإتفاق على تحقيب زمني يحدد من خلاله المتقدم والمتأخر ' ٱوتحديد مستوى معين من الإكتشاف ٱو التطوير أو البرهنة العلمية يعتبر الواصل إليه متقدماً علميا وعمليا ولو تأخر زمنيا '
كل ذلك يجعل من المشروع التساؤل:
من المتقدم ؟ ومن المتأخر؟ وعلي أي أساس؟
قبل الإنتقال إلى الأسئلة التقليدية في هذه الجدلية :
هل ترك المتقدم للمتأخر شيئا ؟
أو كم ترك المتقدم للمتأخر ؟
هل جملة :
"الفضل للمتقدم "
مذهب أوسط أكثر قبولا ؟
قد يكون من الواضح البدهي الٱن أننا أمام ثنائية مذهبية ستبرز مذهبا ثالثا يحاول أن يوجه أو يرشد أويعقلن أو يصالح :
أ - المذهب الأول :
ربما يكون عرض بعض ٱراء أصحابه على شكل أسئلة أبلغ في الإقناع وأوجز في النشر وأكثر مراعاة للمقتضيات
" الأكاديمية" بدلاً من إطلاق الأحكام الجزمية القطعية '
لعل من بين تلك الأسئلة الموشية بتأييد أصحاب المذهب الأول ما يلي :
هل أخرج جيل
" المتأخرين " أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي (170 ) الذي
" اكتشف " علم العروض أو"استخرجه " و"أنشأ" أو ألف أول قاموس عربي ( كتاب العين) '
وأسهم في صنوف من الفنون والمعارف ؟
أين فى " المتأخرين" أتراب محمد بن موسى ( بعد232 ه ) الخوارزمي الأوزبكي
(أوز باكستان ) ' مؤلف كتاب : " المختصر في حساب الجبر والمقابلة "
الذي يعتبر أول حل منهجي للمعادلات الخطية والمعادلات التربيعية ' وغيره من الكتب الرائعة '
بل ومفترع أو"مخترع" الدالة العكسية للدوال الأسية - المشتقة تسميتها من اسمه -
" الخوارزميات "
(logarithm)
قبل أن يدخل هذا المفهوم إلى الرياضيات الحديثة الاسكتلندي
"جون نابير " (1617 )
jhon Napier
بعد ذلك بقرابة 800 سنة كوسيلة لتبسيط الحسابات، ليعتمد عليها العلماء والمهندسون والفلكيون وغيرهم لإنجاز حساباتهم بسهولة أكبر،
وقبل أن يقوم السويسري " ليونهارت أويلر" ( 1783) Leonhard Euler
بعد " جون نابير " في القرن الثامن عشر بربط مفهوم (اللوغاريتمات) بمفهوم "التابع الأسي " ليتوسع المفهوم لاحقا ويرتبط بالتوابع؟
أليست الخوارزميات الحاسوبية
المستخدمة في "البرمجيات " اليوم إلا "شبلا"من ذاك "الاسد" ؟
أين لدات "مبتكر" الشطرنج المختلف في شخصه المرجحة هنديته
؟
أين أضراب أرخميدس العملاق السرقوسي
" إيطاليا"
Archimède
(حوالي 212 ) ق م '
صاحب الفكر الرائد وأبو القاعدة الشهيرة :
( إذا غمر جسم في سائل فإنه يفقد من وزنه بمقدار وزن السائل المزاح ) ؟
هل فى "متأخري " القادة السياسيين من يوزن بذي القرنين "اسكندرالأكبر" ؟ ( 323 ) ق م
أو"حمورابي" السابق له ؟
1750
ق م
أوملكة سبأ
" الهدهدية "؟ (ق 10) ق م
أين من يضاهي عقله عقل محمد بن إدريس الشافعي ( 204) "مطور" و"منظر" و"مدون" علم أصول الفقه' ؟
ألم يعجز "رهين المحبسين " ( 449 )
- والعياذ بالله -
عن إجابة من طلب منه زيادة حرف على حروف الأوائل عند ما سمع بيته :
وإني - وإن كنت الاخير زمانه - لٱت بما لم تستطعه الأوائل ' ؟
ألم يصرح ابنُ تيمية (728 )
- وهو المتحرر من قيد التقليد والمجاراة ' والجريء الجسوروالليث الهصور في المباراة'
بفضل السابق في مقولته :
«ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل»؟
أليست شكوى الشيخ سيدمحمد (1286) ولد الشيخ سيدي من التكرار عند الشعراء ونزعته للإبتكار دليلا على أن" المتقدم" ماترك" للمتأخر شيئا ؟ :
يا معشر البلغاء هل من لوذعي
يهدى حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيدة
بكراً فأعياني وجود المطلع ....
ألم تلجئ سلبيات تكرار المتأخرين بعض الباحثين إلى التفكير في طرح مشروع " العالم الفتى " على الجامعات الإسلامية لتجنب التكرار بإنجاز موسوعات تجمع شتات كل علم وكل باب من أبواب المعرفة في موسوعة واحدة يكون قارئها قد " أحاط" بكل ماكتب في الموضوع - دون تكرار '؟
ألا يؤكد هذا صدق رواية عبدالملك بن قريب "
- "الاصمعي" (216) - عن القارئ اللغوي
أبي عمرو بنُ العلاء ( 154 ) (زيان ) :
"إنما نحن بالإضافة إلى مَنْ كان قبلَنا كبقْلٍ في أصول رَقْلٍ " ؟
أي : أن نسبة السابق للاحق كنسبة النخل الطوال إلى البقل .
أليس الفضل للمتقدم كما قال يزيد (64) بن معاوية - رضي الله عن معاوية وأرضاه - ? :
وَلَو قَــبــلَ مَـبـكـاهـا بَـكَـيـتُ صَـبـابَـةً
بِـسُـعـدى شَـفَـيـتُ النَـفـسَ قَـبـلَ التَنَدُّمِ
وَلَكِــن بَـكَـت قَـبـلي فَهَـيَّجـَ لِي البُـكـى
بُــكــاهــا فَــقُــلت الفَــضـل لِلمُـتَـقَـدِّمِ
ألم تسمع قول أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (790) :
" فالمتأخِّر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما بلغه المتقدِّم، وحسبك من ذلك أهل كل علمٍ عمليٍّ أو نظريٍّ، فأعمال المتقدِّمين - في إصلاح دنياهم ودينهم - على خلاف أعمال المتأخِّرين وعلومهم في التحقيق - أقْعَدُ '
فتَحَقُّقُ الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقُّق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن”.
ثم أليست العلوم والمعارف الإنسانية بناء تراكميا ؟
أليست"نسبية " "ألبرت ٱينشتاين": ( Albert Einstein)
(1955)
مجرد تصحيح لنظرية "إسحاق نيوتن" (1727) :
( Isaac Newton )
في الزمان والمكان " ؟
" الزمكان " - التي ربما ألهمتني لأستطرد متمنياً على فقهائنا الإ ستئناس بها - حتى لا أقول - إسقاطها على موضوع صوم يوم عرفة في حالة عدم الاتحاد في رؤية هلال شهر ذي الحجة ' أخذا للبعدين الزماني والمكاني معا ' إذ العبادة ترتبط أحياناً بالزمان فقط كالصوم والصلاة ' وبالمكان فقط
كا لطواف عامة : لايصح إلا بالبيت الحرام دون غيره من المساجد '
كما قد ترتبط بهما معا كطواف الإفاضة لايصح إلا في شهر ذي الحجة - بعد الوقوف بعرفة ' وهذا ارتباطه بالزمان '
كما لايصح إلاّ بالبيت الحرام 'وهذارتباطه بالمكان '
وكالوقوف بعرفة لا يصح إلا يوم التاسع برؤية أهل عرفة وهذا ارتباطه بالزمان '
كما لايصح إلا بجبل عرفة دون غيره من جبال الحرم ' وهذا معنى ارتباطه بالمكان '
ويتقوى ذلك ويتضح أكثر عند القائل باعتبار مفهوم الزمان والمكان في مباحث مفهوم المخالفة عند أهل الأصول'
إضافة إلى القول بعموم الرؤية الذي هو المشهور '
وقيام احتمالية موافقةالرؤية في بلدنا '
واعتبارات أخر قد لايكون هذا الإستطراد مناسبا لبسطها ' كالإتفاق على أن النهي مقدم على الأمر ' وأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح وموافته لقول الإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التَّميمي المازَري (536) وغيره . . .الخ - .
ألم يعترف" نيوتن " نفسه أنه مجرد " مطور "
أو مكمل لبناء سبقه حسب بعض التفسيرات لجملته : - " إن توصلت لشيء، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة " ؟ - تلك الجملة التى بعث بها إلي الفيلسوف : (Robert Hooke) روبرت هوك ( 1703 ) . . .
ألم يستخدم " نيوتن" قياسات "گاليليو" Galileo Galilei "(1642) كأساس لقوانينه "الحركية" ؟
"گاليليو" : ذلك الفيزيائي
والفلكي والفيلسوف الذي نشر ودافع عن "نظرية" مركزية الشمس التي سبقه إليها "نيكولاس كوبرنيكوس" : (كوبرنيك )
( 1543) Mikołaj Kopernik،
الفيلسوف والفلكي
والرياضياتي البولندي' الذي طور - أيضا - نظرية
دوران الأر ض التي سبقه - هو الآخر - إليهاأَبُو الرَّيْحَانِ مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ البِيرُونِيّ ( 440هـ/ 1048م) العلامة المسلم العملاق
الذي يقال إنه ترك ما يقارب مائة مؤلف :
منها كتابه البارز :
"القانون المسعودي "
- نسب للمسعودي لأنه أهداه للسلطان مسعود بن محمود - (حوالي 432 هجرية (1040م ) الغزنوي - " غزنة" "أفغانستان " -
الذي تناول علوم الفلك وحساب المثلثات وحركات الشمس والقمر وغيرها '
وقد عرف بسعة عقله من بين أعظم العقول البشرية.
ب - المذهب الثاني:
لعل المقتضيات البلاغية تقتضي إيراد ٱراءبعض أصحاب هذا المذهب بطريقة مغايرة:
1 - "إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً،
فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلِح .
أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني ( 255 )
" الجاحظ " :
2 -. ( إني رأيتُ آخر كل طبقة، وواضعي كل حكمة، ومؤلفي كل أدب، أهذب لفظًا، وأسهل لغة، وأحكم مذاهب، وأوضح طريقة، من الأول، لأنه ناقضٌ متعقبٌ، والأول بادٍ متقدمٌ ) "
ابنُ عبد ربه الاندلسي (940 ) هجرية ' في كتابه: "العقد الفريد"
3 - قل لمَنْ لا يرى المعاصرَ شيئًا ...
ويَرى للأوائل
التقديما
إنَّ ذاك القديمَ
كان حديثا
وسيغدو هذا الحديث قديما
ابن شرف القيرواني
( 1067) هجرية.
4 - ألْهَمَك الله الرشاد، وأصْحبَك السدادَ، وجنَّبك الخلاف، وحبّب إليك الإنصاف!
وسبُبُ دعائي بهذا لك: إنكارُك على أبي الحسن محمد بنِ عليّ العِجْلي تأليفَه كتابا في الحماسة، وإعظامُك ذلك!
ولعله لو فعل - حتى يُصِيبَ الغرضَ الذي يريده، ويَرِدَ المنهلَ الذي يؤُمُّه - لاستدرك من جيّد الشعر ونقيّه، ومختارِه ورضيّه كثيرا مما فات المؤلفَ الأولَ
(يعني أبا تمام :
حبيب بن أوس الطائي) ( 261 ).
فلماذا الإنكارُ ؟
ولِمَ الاعتراضُ ؟،
ومن ذا حظر على المتأخِّر مُضادّة المتقدم؟
ولِمَ تأخذُ بقول من قال:
"ما ترك الأول للآخر شيئًا"،
وتدعُ قول الآخر:
"كم ترك الأول للآخر"؟
وهل الدنيا إلا أزمان، ولكل زمن منها رجال؟ وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إلا خطرات الأوهام ونتائج العقول؟
ومن قَصَر الآدابَ على زمان معلوم، ووقَفَها على وقت محدود؟
ولِمَ لا ينظُرُ الآخَرُ مثل ما نظر الأول؛ حتى يؤلف مثل تأليفه، ويجمعَ مثل جمعه، ويرى في كلّ ذَلِكَ مثلَ رأيه؟
وما تقول لفقهاء زماننا إذا نزلت بهم من نوازل الأحكام نازلةٌ لمْ تخطرْ على بال من كان قبلهم؟ أوَما علمتَ أن لكل قلب خاطرا ولكل خاطر نتيجةً؟
ولِمَ جاز أن يقال
بعد أبي تمام
مثلُ شعره وَلَمْ يَجُزْ أن يُؤَلَّف مثلُ تأليفه؟
ولم حجّرتَ واسعا وحظَرتَ مباحا، وحرَّمتَ حلالا، وسددت طريقا مسلوكا؟
وهل حبيب (أبو تمام) إلا واحد من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم؟
ولماذا جاز أن يُعارَض الفقهاءُ في مؤلفاتِهم، وأهلُ النحو في مصنّفاتِهم، والنُّظّارُ في موضوعاتهم، وأربابُ الصناعاتِ في جميع صناعاتهم، ولم بجُزْ معارضةُ أبي تمام
في كتاب شذ عنه في الأبواب التي شرعها فيه أمر لا يدرك ولا يدرى قدره ؟
ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهب أدب غزير، ولضلّت أفهام ثاقبة، ولكلّت أَلسُنٌ لَسِنَةٌ،
ولما تَوشَّى أحد بالخَطابَة، ولا سلك شِعْبا من شِعاب البلاغة، ولمجَّت الأسماع كل مردَّد مكرَّر، وللفَظَت القلوبُ كلَّ مُرجَّع مُمَضّغ.
ولِمَ أنكرتَ على العِجْليِّ معروفا، واعترفتَ لحمزةَ بنِ الحسين ما أنكره على أبي تمام، في زعمه أن في كتابه تكريرا وتصحيفا، وإيطاءً وإقواء، ونقلا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها، ولا تَصلُح لها، إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة وأمور عليلة؟
ولِمَ رَضِيتَ لنا بغير الرِّضَى؟
وهلَّا حثَثْتَ على إثارة ما غيَّبتْه الدهورُ، وتجديدِ ما أَخْلقتْه الأيامُ، وتدوينِ ما نُتِجَتْه خواطرُ هذا الدهر وأفكارُ هذا العصر؟
على أن ذلك لو رامه رائم لأتعبه، ولو فعله لقرأتَ ما لم يَنحطَّ عن درجة مَن قبْله؛ من جِدٍّ يَرُوعُك، وهزْل يَروقُك، واستنباطٍ يُعْجِبُك، ومُزاحٍ يُلْهِيك.
أبو الحسين أحمد بن فارس (395 )
5 - وإني وإنْ كُنْتُ الأخيرَ زَمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْه الأوائلُ
أبو العلاء المعري (449)
6 - " وإذا كانت العلومُ منحا إلهية، ومواهبَ اختصاصيةً، فغير مستبعدٍ أن يُدَّخر لبعض المتأخرين، ما عسُر على كثيرٍ من المتقدمين،
نعوذ باللهُ مِنْ حَسَدٍ يسدُّ بابَ الإنصاف، ويَصُدُّ عن جميل الأوصاف".
ابن مالك (672 )
في مقدمة كتاب التسهيل :
"تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد"،
7 - :
* وروى الإمام أحمد من حديث أبي جمعة - رضي الله عنه - قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعنا أبو عبيدة بن الجراح, فقال: يا رسول الله:
أحد خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك,
قال : (نعم, قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني) .
قال الشيخ الألباني: رواه الدارمي وأحمد والحاكم وصححه, ووافقه الذهبي, وإسناد الدارمي وأحد إسنادي أحمد صحيح
* ( َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )
(جامع الترمذي)
وصححه الألباني بمجموع طرقه.
المذهب الثالث "التوفيقي :
"ليس لقِدَم العَهْدِ يُفَضَّلُ القائِلُ
ولا لحِدْثانِه يُهتَضَمُ المُصيبُ،
ولكنْ يعطَى كُلٌّ ما يستحقُّ "
أبو العباس المبرد
( 285 )
إن ا لأحاديث والآثار الواردة في تفضيل الأجيال أوالأزمنة المتقدمة حملها المحققون - للجمع بينها وبين ما ظاهره معارضتها من الأحاديث والٱثار - على أن المراد بذلك التفضيل : التفضيل في الجملة لا أن كل متقدم يفضل كل متأخر ؟
أو بتعبير منطقي :
أن ذلك من باب الكل لا الكلية ,
وباستطاعة مريدي التوسع في الموضوع العودة إلى ما نقل عن الحسن البصري (110) وابن عبد البر(345) والغزالي (505) وابن حجر (852) وغيرهم كثير . . .
ولئن كنت قد أشرت إلى طرف مما يؤيد هذا المنحى المنصف " للمتأخرين" في شتى المعارف - سواء تعلق الأمر بالعلوم العقلية أو التجريبية أو العلوم الإنسانية -
فلاباس أن أشير هنا بصفة أخص إلى أنه إن كان بعض متذوقي الأدب " الدارج " أو" الشعبي" - الذي هو جزء من العلوم الإنسانية - من يعتبره استثناء ' فإن ثمة من لايرى الأمر كذلك '
إذ ليست "اطلع " سدوم ولد انجرتو (1812)
- مثلا - : (أم ارثم ) - ولاشقيقتها (تفرغ زينة)التي مدح بها أمير
" أهل هنون لعبيدي " : هنون ولد بوسيف (1242) :
أفگراش انجوع
" انقيوان "
شيخ انزايله واحلله . . . الخ '
بل ولا أختهما " اللحن " - مع الإشادة بهن " فنيا " - بفائقات
" اطلع " محمد عبد الرحمن ولد المبارك ولد يمين (حوالي1322) :
الامارة لاحمد كيفن جات . . . الخ '
بل ولا كثيراً من انتاجه
" الدارج " الٱخر , في نظر البعض '
كماقد يستبعد تفوق " اطلع" سدوم المذكورة على " طلعة "
محمد ولد هدار (1947) :
كل امس يسيد وإصباح . . . الخ '
فبين الإفراط والتفريط والتقديس والشيطنة قوام '
إذ الحسنة بين السيئتين والفضيلة بين الرذيلتين '
وكلا طرفي القصد ذميم ' ومهيع الإنصاف مورد المحققين'
ولعل الدراكة الطاهر ابن عاشور (1393) كان أحز فى المفصل وأبلغ في الإنصاف حين يقول:
في تفسيره : التحرير والتنوير :
"فجعلت حقًا علي أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها، فإن الاقتصار على الحديث المعاد، تعطيل لفيض القرآن الذي ماله من نفاد،
ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون وفي تلك الحالتين ضر كثير،
وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده وحاشا أن ننقضه أو نبيده، علما بأن غمص فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة" .
أخرج ابن عساكر (571 )في تاريخ دمشق ، عن جابر بن عبد الله ، ( 78) قال : " لما نزلت : ( إذا وقعت الواقعة ) ذكر فيها : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) قال عمر : يا رسول الله ، ثلة من الأولين وقليل منا ؟ قال : فأمسك آخر السورة سنة ،
ثم نزل : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر تعال فاسمع ما قد أنزل الله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) ألا وإن من آدم إلي ثلة ، وأمتي ثلة ، ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل ممن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له "
ولعل لأهل هذا المذهب استئناسا بحديث مسلم
الذي يجمع بين المبالغة في محبة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض
" المتأخرين " مشاركة لبعض " المتقدمين" بدلالة " من " التبعيضية :
(مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ ) .
ثالثا : الاستثناء :
إن الإستثناء الذي قصدت الإشارة إليه في العنوان ليس المراد منه الإيحاء بالتسليم بخروج أي مكتسب بشري خارج جدلية "المتقدم والمتأخر" - كما قد يظن البعض - ولو أن ظروف الإبداع "النمطي " في مراحل النشأة والتطوير قد لا تتوفر في ظروف مغايرة '
بيد أن ظروفا أخرقد تتوفر لاحقا لم تكن متوفرة من قبل - '
إن الإستثناء الذي أرمي إليه متعلق بالمفاضلة في النصيب الأوفر من قسم وهبات ربانية ذات صلة بركيزة من ركائز الإيمان ودعامة من دعائمه متجسدة في الصدق في محبة النبي صلى الله تعالى عليه وٱله وصحبه وسلم '
ولربمالو طرحنا بعض الأسئلة - التي تبعث على المقارنة بين نصيب هؤلاء وأولئك من هذا العطاء الرباني العظيم - لحملت تلك الأسئلة في طياتها الجواب بمجرد تأملها ' :
- هل في جيلنا من وصل إلى تلك المقامات السامية في صدق المحبة التي حبا الله تعالى بها الرعيل الأول ' والتي لو أطلقت "عنان" قلمي في بسطها لربما عجزت اليراعة وتصلبت الشناتر ونفدت" بحار" المداد وفنيت أطنان " المهارق " قبل بلوغ الكفاف منها ؟ . . . .
- أين مواقف من يعجز حتى عن إصدار بيان شجب وإدانة حيال التطاول على الجناب النبوي من مواقف من يجعل نحره دون نحر رسول الله صلى الله تعالى عليه وٱله وصحبه وسلم ؟
- أين في المسلمين اليوم من يعرض مهجته للهلاك وعينيه للفقء ورجله للدغ الحيات والعقارب وماله للتلف وأولاده للفقر ناهيك عن عرضه ومكانته الاجتماعية بكل سخاء ورغبة خشبية أن يصيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وٱله وصحبه وسلم أي مكروه ؟
- هل في مسلمي اليوم من يقدم محاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وٱله وصحبه وسلم على محابه ؟
ألم يكن أبو بكر - رضي الله عنه - يتمنى إسلام أبيه ؟
بلى ٫٫٫
لكن إسلام أبي طالب كان أحب إليه لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وٱله وصحبه وسلم . . .
أليس هذا "الأنموذج " كافيا كأفضل مثال لتقديم محاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم على محاب النفس ؟
ألا ينم ذلك عن حبه صلى الله عليه وسلم تسليما أكثر من النفس ذاتها ناهيكم عن الوالد والولد ؟
- هل بين أظهرنا اليوم من تخوله عظمة إيمانه مزاحمة الكبار ؟
أم أن جيلا يستحيى بعض شبابه وشيوخه من مجرد الترحم على أخ له في الإسلام خشية أن يتهم بالإرهاب - تجسيداً وتحقيقا ل"مشروع" الإستلاب الثقافي الفكري بوعي أو بغير وعي - حتى وإن لم يقر لهذا الأخ بفضل أو سبق - لا يتوقع منه الكثير ؟ :
1 - لما قدم زيدبن الدثنة - رضي الله عنه وأرضاه- ليقتل بعد أن عذب عذابا شديدا ' قال له أبو سفيان:
أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك؟
قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه' وأني جالس في أهلي.
فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا، كحب أصحاب محمد محمدًا '
إني فداك فدتك الروح من جسدي
جسمي فداك فداك الملك والحشم '
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
2 - في شهادة مبعوث قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم : عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه - دلالة أي دلالة :
( والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - محمدًا ) . . .
3 - لما أراد العباس رضي الله عنه العطف على أبي سفيان واخذ الأمان له من النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر حريصًا على أخذ الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله،
قال العباس لعمر : مهلًا يا عمر فوالله لو كان من بني عدي لما قلت هذاالقول
فقال عمر: مهلًا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إسلام الخطاب لو أسلم. ؟
4 - أين فى مسلمي اليوم من يغريه إيمانه بتضحية أبي السبطين - رضي الله عنه وأرضاه - بنفسه أوبذل ذي النورين أوجود وتفدية الفياض و . . .
فإنّ أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم فداء .
5 - لما كان يوم أحد قام أبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوبا عليه بحجفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا فإذا أشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم يقول أبو طلحة بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك. :
إذا اشتبكت دموع فى خدود
تبين من بكى ممن تباكى . . .
6 - إن التخاذل في نصرة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم والتساهل فى الدفاع عنه لمن علامات الخذلان - والعياذ بالله - الدال على ضعف الإيمان،
فمن ادعى الإيمان والمحبة ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وكتابه وسنته و . . . . .
وليس لديه - مع ذلك - أي استعداد لدفع أي " ضريبة" فقد أساء على نفسه وأغرى بها الذربة ' فلا يلومن إلاّ نفسه:
من ضيع الحزم جنى لنفسه * ندامة ألذع من سفع الذكا ''.
* - لقد كتبت مقالا بعد إساءة أئمة الحزب الهندوسي قبل قرابة شهرين قدرله أن نشرته بعض أبرز المنصات والمواقع الإخبارية الوطنية عبر روابط أجدد التذكير ببعضها لمن أراد الاطلاع عليه :
https://alakhbar.info/?q=node/41144
https://essahraa.net/node/31539
https://amp.mr/?q=node/4118
http://aqlame.com/node/8810
https://www.mourassiloun.com/node/23829
* - لقد اقترحت في هذا المقال تشكيل لجنة من لجان " المجتمع المدني "
يكون من أهدافها - من بين أمور أخر - السهر على المتابعة والتعامل مع
ما قد يصدر في العالم من مواقف إيجابية أوغيرها حيال الجناب النبوي المفدى 'واتخاذ ما باستطاعتها من اللازم حيال ذلك '
* - لقد دفعني "الحماس" - ربما - إلى الحديث عن بعض الإقتراحات التفصيلية كتلك المتعلقة بتاريخ لقاء اللجنة التأسيسي الأول' قبل العودة لتعديله من فاتح العام الهجري 1444 إلى فاتح شهر ربيع الاول من نفس العام'
7 - قد يكون من المشجع جدا للجزم بأحقية
" الإستثناء " المشار إليه في العنوان وبجدارة المستثنى بالإستثناء فعلا أن من المتفق عليه
من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قول النبي -صلى الله عليه وسلم - :
(لا تسبوا أصحابي، فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
بيد أن طموح المؤمن إلى الإشتراك مع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - إن اتبعهم بإحسان - منة من الله المنان الوهاب تستحق التقدير والشكر والحمد '
فالحمد لله رب العالمين.