شهدت لحويطات التاريخية على مر العصور والحقب المختلفة تفاعلًا حضاريًا وثقافيًا، جعلها تشكل القلب النابض لإقليم تقانت، فكللتها القصيدة في متونها وزغردتها الأغنية بفم من ذهب.
فمنطقة لحويطات تتوفر على العديد من المآثر التاريخية التي تعتبر من بين الأهم على الصعيد الوطني. المآثر التاريخية التي تزخر بها لحويطات تضم اليوم تقريبًا كل جغرافية القرية العتيقة، إلا أنها تعرف وضعية مزرية جراء الإهمال المقصود من طرف الجهات المفروض فيها الصيانة والإصلاح، مما أدى ببعضها الى التلاشي والاندثار فيما ما زال بعضها صامدًا في وجه التعرية البشرية والطبيعية.
المسؤولون بمختلف رتبهم ومسؤولياتهم، يتذرعون بغياب الإمكانات المادية، للقيام بالواجب، فوزارات الثقافة والسياحة والداخلية جميعها تشكو ضيق ذات اليد وغياب الموارد المالية والبشرية، فيما الجماعات المحلية لا تخصص أي مبلغ مالي للصيانة رغم أن بعضًا منها هو من تقدم بتصنيف هذه المآثر التاريخية.
المختصون في التراث يؤكدون بشكل مستمر وفي كافة تدخلاتهم إن على المستوى المحلي أو المركزي، أن حضارة لحويطات غنية ومتنوعة ومواكبة لكل مراحل تاريخ الصحراء الكبرى من عهود ما قبل التاريخ إلى اليوم. فالمواقع الأثرية والمآثر التاريخية، عديدة ومتنوعة، وتتوزع بين كهوف وحصون ومغارات وغيرها من متاحف أثرية توثق حقبًا مختلفة من تاريخ الاستقرار البشري، وهذا الغنى والتنوع لم تواكبه بما يلزم من عناية، الدراسات والأبحاث، إذ يسجل أن هناك شحًا في الدراسات والتوثيق كلما كان الإمر يتعلق بدراسة تراث لحويطات، ولا تتوفر القرية التاريخية على متحف ولا على خزانة متخصصة تعنى بتاريخ وتراث وأعلام المنطقة.
وهي حالة التراث المادي واللامادي بالبلاد عمومًا والمنطقة خصوصًا، إذ لا تشذ عن القاعدة الوطنية فيما يتهدد التراث من نسيان وإهمال وغياب كلي لأية استراتيجية لكل الأجهزة المعنية الحكومية والمنتخبة، لأن كل مشاريع حفظ التراث التي عرفتها البلاد أنجزت بدون استراتيجية. وإذا كانت قد أعطت نتائج حسنة تقنيًا، فإنها لم تنعكس على المناطق المستدهفة ولا على حياة ساكنتها، ولم تنجح في تصنيفها كتراث إنساني على لائحة التراث العالمي.
ويرى المهتمون بالتراث أن المنطقة شكلت أول تمظهر لتلاقي الحضارات الغابرة، وأول تطبيق لفلسفة الإبداع في النقش الحجري أو الفن الصخري في إفريقيا جنوب الصحراء .. ورغم هذه الاعتبارات التاريخية والعلمية والثقافية والفنية لم تقدم بعد منظمة «اليونسكو»، على إدراج مواقع لحويطات الأثرية ضمن لائحة التراث العالمي.
وتشمل المنطقة الأثرية للحويطات أساسًا كل من موقعي جلمسي واحمدناه (اتموتاغت)، حيث تضم كل من الهضبتين متاحف أثرية مفتوحة عبر أنفاق كبيرة، تتخللها كتل صخرية كبيرة ذات شكل مخروطي، تشكلت بسبب العوامل الجوية والرياح. تحتوي واجهاتها على مجموعة من النقوش والرسوم الصخرية لأشكال حيوانية متنوعة وكتابات قديمة كُتبت بخط مميز يشاكل إلى حد كبير "الخط المسند" الخاص بسكان شمال شبه الجزيرة العربية. إضافة إلى المنطقة الشرقية التي ما زالت هي الأخرى تحتفظ بالزخارف والخطوط ومختلف معالم الفن الصخري.
هذا ولا يعرف للحويطات الأثرية تاريخ مضبوط، غير أننا نرجح عند المقارنة بين أنماط النقش والأدوات الحجرية المكتشفة في المواقع الأثرية بلحويطات مع غيرها من المواقع الأخرى، التي أجريت فيها عدة تنقيبات أثرية بناء عل تحليل الكربون المشع (Cl4) أن عمر الاستقرار البشري في لحويطات يعود إلى الفترة الواقعة بين (7790 - 6690) قبل الميلاد، أي ما يعرف بالعصر الحجري الحديث الأول.
والحاصل أن لحويطات الأثرية في حاجة إلى نفض الغبار عنها والبحث في خفاياها للوصول إلى حقيقتها التي لا يزال أغلبها غير معروف خاصة أن عوامل التعرية قادت إلى اكتشاف رسومات صخرية جديدة متمثلة فى أشكال آدمية وحيوانية والكثير من الفخار والخزف والبقايا الحجرية والعظام مثل : الفؤوس والسهام الحجرية، وكل هذه الدلائل تشير أن هذه الآثار ربما تعود لمدينة أثرية مطمورة !!، دون أن يتم الاعتناء بهذه الاكتشافات التي يعثر عليها من حين لآخر، خاصة وأن كل الدلائل تؤكد أن منطقة جملسي أو گلمسي بكاف معقودة حضارة تاريخية تستوجب الاعتناء بها من أجل تصنيف مآثرها تراثًا إنسانيًا لا موسمًا عابرًا لتحقيق متعة عابرة.
وتتعدد المواقع الأثرية والسياحية بالمحيط الجغرافي لقرية لحويطات عمومًا وتتنوع كما تتعدد مظاهر الإهمال والإقصاء التي تتعرض لها مغارات وكهوف گلمسي واتموتاگت وأحوازهما وغيرهما من البناءات المتفردة، التي لم يكشف بعد عن أسرارها ولم تحظ بعناية وهي تصلح لاستثمار كبير خاصة في المجال السياحي الذي أضحى شبه مزدهرٍ بالولاية بمختلف مناطقها الأثرية والسياحية، ولكن يبدو أن الزيارات التي تتم لحد الآن مجرد سياحة خصوصية جدًا تقوم بها جهات غير معروفة من بينها أجانب حيث لم ولن تفيد البلاد عمومًا ما لم يتم تطوير آليات التسويق وتأهيل التراث المحلي.
وفي منظورنا أن السياحة هي نتيجة لنظام متكامل من عدة قطاعات، وهي فعل اقتصادي بالدرجة الأولى، يبعث على تحقيق التنمية. بمعنى أن السياحة ليست آثارًا ومناظرًا طبيعية فقط، وإنما لا بد أن تدعمها عدة مقومات أخرى، لوجيستيكية من طرقات ونقل وإيواء، ومرشدين، وبدونها لا يمكن بعث السياحة، ومن خلال تضافرها فإن المردودية الاقتصادية ستحقق على المستوى المحلي، من تنشيط للصناعات التقليدية، وتثمين للتراث المادي واللامادي. لذلك نرى في تشجيع الناشطين في المجال السياحي محليًا، وتذليل الصعوبات التي يواجهونها، بالتدخل لدى الهيئات الوطنية والجهات المعنية، أمرًا ضروريًا لإيجاد تحفيزات أكثر فاعلية، ضمانًا لبعث هذا النشاط الاقتصادي، والمساهمة في دعم المشتغلين به على مستوى القرية.
إنه غيض من فيض لما تعرفه ذاكرة وطن بأكمله من إهمال لتراثه العظيم، بل إن بعضًا من مسؤولينا يريدونها فقط مواسم لحصد كل جميل وجدرانًا للتشكي والبكاء من غياب الوسائل المادية واللوجستيكية، في الوقت الذي تصرف مبالغ ضخمة على الهراء الذي لن يعود بالنفع على قريتنا الأم.
وحقيقة الحقيقة أن المهم الأهم أن ننفتح على النهوض بقريتنا، وأن تظل عندنا قناعة راسخة أن إمكانية تنمية وازدهار بلدتنا جد ممكنة باستغلال الموارد البشرية، التي معدنها الشباب الفعال المثقف مصحوبًا بذوي الخبرة والكفاءة للمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة، ولعل باكورة تحقيقها مرهونة بإنجاح موسمنا الثقافي والتنموي السنوي [مهرجان لحويطات للثقافة والتنمية]، والوصول به إلى الريادة وطنيًا وجعله أنموذجًا يحتذى في صون وحفظ التراث الثقافي في المناطق الريفية.
وهو ما يحتم علينا جميعًا الانخراط في مشروع إعادة الاعتبار للحويطات، الذي نسعى من خلاله إلى الاستثمار في التراث، والتعريف بالموروث الثقافي وتثمين التراث المادي واللامادي للقرية الذي يشكل هويتها ويعزز حضورها على الساحة الوطنية، ويعبر عن عمقها الحضاري الأصيل..