لطالما أثارت الثورات والانتفاضات والدعوات خلجات النفوس ومكامن توجهاتها وتلك لعمري سنة الله في خلقه؛ فلقد أظهرت دعوة نبي الله محمد – صلى الله عليه وسلم – طيبة أبي بكر ورجاحة عقله، وبينت حقد أبي لهب وحسده، وأثارت انتفاضة قريش ضده – صلى الله عليه وسلم – أنفة وشجاعة حمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه، وقبل ذلك مؤمن آل فرعون وزوجة لوط وسحرة موسى... والأمثلة على ذلك كثيرة.
لكن الغريب أن تثير ثورتا مصر واليمن، ردود فعل مختلف أطياف وأجناس المعمورة؛ مابين مستحسن لهما – وهو الغالب – وما بين مستنكر لهما – وهم "بلطجية" مبارك وعلي عبد الله صالح ورفقائهم ومن هم علي شاكلتهم من الممارين والطامعين.
وما إن بدأت هذه الثورات حتى دمعت عيون كانت عميا، وحزنت قلوب كانت غلفا؛ حينما قتل الناس بأبشع أنواع القتل: بالدهس تارة بالسيارات، ودم بارد في أحيان أخرى؛ وحتى بالسيوف من فوق الجمال والصافنات الجياد وبقصف المتظاهرين من أيمانهم وشمائلهم...
وهنا أقف مع أعين لم تر كل هذا ولم تعلم سببه ولا مسببه، ولم تبكيه ولا تباكت عليه؛ إنها أعين مشايخنا حفظة الدين، ورمز الأخلاق، ركيزة قوام الدعوة السماوية - حيث شجب بعضهم بلغة الوعظ والتباكي والمهادنة التي هي من طيب مشايخنا - انتفاضة أحرار مصر؛ ولم يك ببعيد منه مفتي دار الشرف والأخلاق، "الأزهر العظيم" حينما أمر برجوع الناس لمنازلهم، وخروجهم من الميدان، ليعلو الجميع شيخ الشيوخ محمود المصري نائيا بالدعاة عن حياة المجتمع جاعلا همهم الدعوة، ممثلا بصاحب الخبز وأصحاب الحرف الأخرى؛ ليقوم مفتي الديار المقدسة إمام السلفية، رئيس هيئة كبار العلماء، مجدد الدين وحامي حماه، يرى في انتفاضة مصر فتنة، واصفا دعاتها بدعاة الفتنة.
وما إن نصر الله الثورة وأحق الحق ونصر المظلومين ودحض المستكبرين في مصر حتى حركت ريح النصر همم إخوتهم المقهورين المنكل بهم في يمن العز والإسلام والحكمة والأخلاق، فلم يكن حاكمهم بنشاز عن رعيله من الظالمين فقتل وشرد وعذب، سامهم سوء العذاب بحجة شرعيته الدستورية والحفاظ على العباد والبلاد، ليتبين له أن ذلك كذب وبهتان ومنكر من القول وزورا.
ليتنفس الصعداء على مقعده المربوط عليه من لدن أمريكا وجارته الحنونة به بحثا عن علاج آخر يكمم أفواه المتظاهرين وينسيهم قبيح أفعاله ويزين لهم حال البلاد وساكنتها فلم ير بعينه المحترقة إلا طيبة الشعب وتدينه ليركبهم بعلمائه وكأنه الحل الذي جاء به من عند حلفائه والمناسب لشكله الجديد بعد عمليته التجميلية.
ليظهر أربعة منهم على شاشة قناة سبأ محللين ومحرمين بما تصف ألسنتهم، ناكرين التظاهر من أصله جاعلين الإمام معصوما خليفة لا يأتيه الباطل من بين يديه مستشهدين بنصوص، الله يعلم براءتها من الموضوع أصلا أحري الاستشهاد بها مرددين طاعة ولي الأمر ووجوبها، مستشهدين بحديث وإن تأمر عليكم عبد حبشي... وغيره من نصوص الوحي القرآني الدال علي الوحدة والتماسك ونبذ الفرقة، معطلين بذالك أسس ونصوص الشرع حسب أهوائهم لا يعلمون أن الفرقة والخلاف والتناحر سببه الظلم والاضطهاد والجوع و... و...
وأنا أقول لهم بكل عزة واحترام ووقار: أيا مشايخنا أنتم أهل الدين وحماته، وأهل العلم ومعرفته ولكن:
_ألم يتظاهر المسلمون حينما أسلم عمر ؟ وخرجوا صفين تنديدا بمعاملة قريش للدعوة.
_ألم يضرب الإمام مالك عن التدريس حتى يقتص من الرجل في الحادثة المشهورة؟.
_ألم يتظاهر المسلمون في يثرب (المدينة) ترحيبا برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؟.
_ألم يخرج أهل المدينة مع الرسول في توديع جيش مؤته؟.
_ألم يرابط المخلفون في تبوك في المسجد (ميدان التحرير وساحة الحرية) حتى برأهم الله؟.
_ألم يربط أبو لبابه نفسه في المسجد حتى برأه الله؟.
وهنا لا أسوق لكم أمثلة من تاريخ الأمة ولا تاريخ البشرية الحديث كالماركسية وثورة الفلا حين... وهلم جر، لأنكم لا تؤمنون بذالك ولا تروه حجة لأنه ليس نصا صريحا.
أما ترون بالله عليكم الظلم والقمع والفقر والقتل والسجن والجهل، والتأخر الذي يتسلق عليه هؤلاء الذين تدافعون عنهم ليمتلكوا مليارات الدولارات والعمارات في دار الفسق.
أم أنكم وهم صدق عليكم إبليس ظنه وتقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم أم أعماكم حفظكم الله الطمع والجبن لا قدر الله، أم أنكم ترون وحيا أو تعملون باسم السلفية لتخويف الناس منها كما فعل أشياعكم من قبل (المجاهدين الجدد) ولا أراكم إلا تعفون بيمناكم ما تكتبونه بيسراكم، وتأولون ما سلقتموه بألسنتكم لأن كل ذلك لا ضير فيه ما دام الشكل مناسبا والولاء بالغ أشده ومستو على سوقه.
أم هي الحرب الضروس مع الإخوان المسلمين الخارجون في نظركم علي الإمام دعاة الديمقراطية أهل البدع والضلال كما تصفوهم، كل ذلك تروه مبررا لمثل هذه المواقف وليس هذا وحده ولا الموقف هذا نفسه إنها مؤامرة أو خدعة أو تسكع كان للأمة القشة التي قسمت ظهر البعير،
ثم إن أشراف العالم وأحراره ومفكريه كلهم عندكم مجرمين وأئمة المسلمين ضلال في نظركم ما داموا صوفية أو إخوانا أو... وإني بكم لعليم خبير.
وإني وبكل تواضع لم أقل ذلك إلا أملا في أئمة الدين على أن ينظروا في مواقفهم التي تحبط تفكير أبناء الإسلام، وتجعلهم قطيعا يسوسه كل أبله وتافه يفعل فيه كيف شاء وما يشاء.
وهنا أشيد بموقف الدكتور: الشيخ القرضاوي والشيخ العلامة الصابوني وأئمة الحق في اليمن وغيرهم الذي يفخر به والذي هو منهج الأئمة، وعين الحق الذي عز قوله، وقمة الجهاد الذي أفضله كلمة حق عند سلطان جائر"_أجاع وتكبر في الأرض بغير الحق وحشر جنوده يسوم بهم شعبه سوء العذاب، يبيع المسلمين بجلسة علي كرسي متهاو لا قواعد له، وبدراهم معدودات مصدرها أمريكا وإسرائيل.
إن تاريخ الأمة وذاكرتها حفظت لكل الفريقين أسوة حسنة له، فالمجاهدين بألسنتهم وأموالهم القائلين لإخوانهم ساعة العسرة نحن معكم عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فاصبروا وصابرو، البائعين أنفسهم فداء للدين والحرية وإصلاح المجتمع يسلكون نهج الرسل والصحابة والتابعين، يصطفون مع ابن الزبير، ويقاتلون مع صلاح الدين الأيوبي، ويجاهدون مع عز الدين القسام، يساعدون حماس ويساندون الثورات ويبيعون أنفسهم لحرية المسلمين وصلاح دينهم ودنياهم، وإنهم لمن الأفاضل الشرفاء يأمرون الرؤساء والملوك، يتظاهرون إنهم عتوا وتجبروا، وعكسهم إخوان مفتي حزب قريش "بل دينكم أفضل من دين محمد" علماء الحجاج ،أقلام "المأمون" القائلين بخلق القرآن، أبواق الحكام، عفا الله عنهم وأراهم سبيل رشدهم.
إن الأمة الإسلامية اليوم في القرن العشرين لا تحتاج للأشكال ولا للمناظر ولا للتصنيفات، فلا خير في صوفية لا تهتم بمصالحها، ولا سلفية ولا إخوان لا تهمهم مصالح الأمة وحياتها.
والذي يري منهم صاحب دين ودعوة لا دخل له في السياسة إنما هو مجرد تمثال أو حائط تكتب عليه مؤامرة الحكام مع مشاريع الصهاينة.
فالبدار البدار علماء المسلمين وعقلاءها كونوا مع شعوبكم قولوا في الانتخابات (إني حفيظ عليم) عل وعسى أن يجعل الله لكم سلطان تأمرون فيه بخير أو تنهون عن منكر أو تعطوا لذي حق حقه.
وختاما ما حدث في مصر ويحدث الآن في اليمن التي تنسي بينما هو مفرح وسار_لكون البشر الذي قال عنه عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا_عاد فيه الدم ونظر بعين الإنسانية، وبقلب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، حيث بين ذلك الشعب المصري _شعب العزة والشرف والأخلاق والمدنية والصبر_إنها مصر التي كاد المسرح والتمثيل أن يظلماها في أعين الناس، إنها مصر الإبداع والفتوحات مصر التي باعت المئات من الشهداء مللا من فرعون أمة محمد في العصر الحاضر.
ويفعله شعب يمن الحكمة والاحتشام والحياء والدين والأخلاق والشرف والنضال، وفعله الشعب السوري الذي يبيع فيه أبناءه الكرام غزاة الإسلام وفاتحيه مللا من خبيث زمان الظلم هذا،
لكن المؤلم أن يظهر للتدين وجه آخر، ينكر الحق ويؤنب أهله، ويشرع لأهل الباطل أنواعا من الكفر والطغيان.
هذه الأسطر كتبت بعضها إبان الأحكام التي أصدرها حكام مبارك أيام الثورة المصرية، وأردت أن أعيدها لتكرار علماء علي عبد الله صالح للفتاوى نفسها للأسف.
وفي ذالك بلاغ للناس وموعظة لعلهم ينتهون.