نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول الأرز الاستراتيجي../ المشري محمد المختار الرباني

توطئة 
تتم زراعة الأرز المروي على مدار العام من خلال حملتين زراعيتين: الأولى هي الحملة الصيفية وتبدأ زراعتها من يناير إلى يونيو، ويستمر حصادها طيلة شهري يونيو ويوليو. والثانية هي الحملة الخريفية، وتبدأ زراعتها من يونيو إلى ديسمبر، ويستمر حصادها طيلة شهري نوفمبر وديسمبر.
وتعتبر زراعة الأرز المروي مكلفة جدا، فهي لا يمكن أن تكون ذات مردودية اقتصادية على مزاولي هذا النشاط إلا إذا تدخلت الدولة بتحمل أكثر من 50% من الأعباء المتمثلة في صيانة الروافد، وتوفير المدخلات الزراعية بأسعار مدعومة، و مكافحة الطيور آكلة الحبوب، وتوفير البحث الزراعي، والإرشاد والتأطير، إضافة إلى شراء الأرز الأبيض من مصانع التقشير لتموين السوق وتوفير الكميات اللازمة للدعم المجاني للمؤسسات المختصة كتآزر، إلى غير ذلك. 
سنحاول من خلال عرض بورتريه عن الحملة الصيفية 2022 المنصرمة إلقاء الضوء على زراعة الأرز المروية، وسنختار مزرعة امبورية كنموذج نتعرض من خلاله لمجريات زراعة الأرز لسنة 2022، ونتحدث عن نسبة الاكتفاء الذاتي المتوقعة من هذا المحصول الاستراتيجي لهذه السنة، ومجريات الحصاد وما يعترض سبيل المزارعين من عراقيل وصعوبات، وخاصة مشكلة التسويق التي تعرضت لها الفئات الهشة والضعيفة من صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات مؤخرا نتيجة انهيار أسعار الأرز الخام، ودور مصانع تقشير الأرز في ذلك. وسنعرج على بيان الاتحادية الوطنية للزراعة الذي طالبت فيه بوقفة أمام الوالي للتنديد بارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، وعدم الشفافية في صفقة شراء الأرز الأبيض، ونختم برسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني.  
1- مزرعة امبورية النموذجية 
بعد توقف لأكثر من سنتين حققت مزرعة امبورية النموذجية التي يستغلها بعض صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات قفزة زراعية عظيمة خلال الحملة الصيفية 2022 المنصرمة بتحقيقها أعلى مردودية، وبضخها في السوق أعلى كمية من الإنتاج لمزرعة جماعية "أعلى إنتاج وأعلى إنتاجية". وذلك بإنتاج حوالي: 15 ألف طن من الأرز الخام، وهو ما يمثل 8% من الإنتاج الوطني خلال الحملة الصيفية من هذه المادة الاستراتيجية.
وذلك رغم الظروف الشحيحة من سوء الاستصلاح، والعطش، والتأخر عن الموعد الزراعي، ونقص التمويل.. فكيف إذن لو تم توفير الظروف الملائمة للإنتاج. إن مزرعة امبورية أثبتت للمرة الثانية عن طريق صغار المزارعين من مهندسين زراعيين وأصحاب الشهادات أهمية الزراعة العلمية.
وبعد معاناة كبيرة مع الحصاد نتيجة الأمطار المبكرة لهذا العام فقد حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد اجتمع أصحاب مصانع تقشير الأرز واتفقوا على تخفيض أسعار الأرز بعد أن تم بيع الأرز الخام مع بداية الحصاد بأسعار تتراوح بين 138 إلى 150 أوقية قديمة للكيلو، وذلك بتوحيد سعره بين 110 إلى 120 أوقية للكيلو بداية الشهر السابع، ثم الإحجام عن شرائه في وقت لاحق بدعاوي واهية من بينها ارتفاع نسبة الرطوبة وأن المحصول وفيرا وقد أخذوا طاقة مخازنهم الاستيعابية. وبتاريخ: 15 يوليو وأثناء تلك الأزمة المفتعلة التي هوت بأسعار الأرز إلى ما دون 70 أوقية للكيلو لم يتبق من دون حصاد سوى صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات وجميعهم من الفئات الهشة والضعيفة. 
2- نسبة الاكتفاء الذاتي المتوقعة من مادة الأرز لسنة 2022 
تبعا لمعطيات التعداد العام للسكان والمساكن 2013 والذي يتم إجراؤه كل عشر سنوات فإن تقديرات تعداد سكان موريتانيا لسنة 2022 تتجاوز 4,825,534 نسمة، وهو ما يعطينا 778,312 أسرة. وإذا افترضنا أن متوسط استهلاك الأسرة الموريتانية هو 1.5 كيلوغرام من الأرز الأبيض، فإن الاستهلاك السنوي سيكون 426,126 طن من الأرز الأبيض والتي يقابلها 687,300 طن من الأرز الخام. 
وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة فإنه قد تمت زراعة 38 ألف هكتار من الأرز المروي خلال الحملة الصيفية المنصرمة واعتبرته رقما قياسيا. وحسب المعطيات التي يظهرها القمر الصناعي الزراعي "سانتينل" بتاريخ 20 أغشت 2022 فإن الحملة الخريفية الجارية لم تصل إلى 20 ألف هكتار. وهو ما يعني زراعة 60 ألف هكتار للحملتين الصيفية والخريفية للسنة الجارية 2022. وحسب ما هو متداول على المجموعات الزراعية فإن مردودية الحملة الصيفية المنصرمة قد وصلت في المتوسط 5 طن للهكتار وهي مردودية متدنية قياسا على الحملات السابقة. ومن المعروف أن متوسط إنتاج الحملة الخريفية هو 3 طن للهكتار. مما يعني أن متوسط مردودية الهكتار لسنة 2022 سيكون 4 طن للهكتار.
وبناء عليه سيكون إنتاج 2022 من الأرز الخام المتوقع هو 240,000 طن، وهو ما يمثل نسبة 35% من حاجتنا من الأرز تبعا لتقديرات تعداد السكان لسنة 2022 آنفة الذكر. والنسبة الباقية ربما سيتم تغطيتها من خلال الأرز المستورد (حوالي 25%، رسمي) والأرز المهرب من الجارة الجنوبية (حوالي 15%، تخمين) وباقي العجز يتم تغطيته باستعمال الحبوب الأخرى. 
وهذا ربما ما سنشاهده خلال الأشهر القليلة القادمة حيث يتوقع ارتفاع أسعار الأرز الخام خلال حصاد الحملة الخريفية ديسمبر 2022 إلى مستويات تاريخية وسيستمر الوضع حتى حصاد الحملة الصيفية يونيو 2023.
3- تكاليف إنتاج الأرز الخام وآخر تحديد لتسعيرة الأرز الخام من طرف وزارة الزراعة 
كانت آخر مرة يتم فيها تحديد تكاليف هكتار الأرز الخام في الزراعة المروية سنة 2010 وقد تم تقديرها ب: 380 ألف أوقية قديمة للهكتار، وبناء عليه تم تحديد الحد الأدنى لسعر طن الأرز الخام آنذاك ب: 95 ألف أوقية قديمة للطن، مع اعتماد متوسط إنتاج 4 طن للهكتار لتغطية تكاليف الإنتاج.
وفي الوقت الراهن مع تضاعف أسعار المدخلات الزراعية وتكاليف الحصاد وأجور العمال يرى المهندس الزراعي محمد ولد دحان أن تكاليف الهكتار المباشرة الآن تناهز 560 ألف أوقية قديمة، بدون احتساب إهلاك خصوبة الأرض ونسبة اندثار الاستصلاح، وعلى اعتبار متوسط الإنتاج 4 طن للهكتار فإنه لتغطية التكاليف ينبغي أن لا يقل سعر طن الأرز في الوقت الحالي (سنة 2022) عن 140 ألف أوقية للطن كحد أدنى. على أنه ينبغي أن تتراوح أسعار الارز الخام بين 150 و 170 ألف أوقية قديمة للطن حتى يستمر قطاع زراعة الأرز المروي في التقدم بطريقة مقبولة ومحفزة للاستثمار.
وواقع الحال أن محصول الأرز الخام للحملة الصيفية 2022 لصغار المزارعين وأصحاب التعاونيات وخاصة مزرعة امبورية ومزرعة الشيشية تم بيعه ب: 70 ألف أوقية قديمة للطن، وذلك نظرا لعدم قدرتهم على التخزين وضرورة سداد مصاريف الحصاد والنقل والعمال بشكل فوري، أي ب: 50% من سعره السوقي الحقيقي الكفيل بتغطية تكاليف الإنتاج، وأقل ب: 25 ألف أوقية قديمة من سعر 2010. بينما قبل أسابيع من حصاد هذا العام 2022 باع مصانع تقشير الأرز "رباص" الذي هو أحد مخلفات تقشير الأرز ب: 210 ألف أوقية قديمة للطن. 
وقد صمد بعض صغار المزارعين في مواجهة انهيار أسعار الأرز الخام ببيع جزء من الإنتاج وتحمل أعباء النقل وإيجار المخازن لتخزين الجزء المتبقي، كما باع أصحاب التعاونيات الغالي والنفيس من أبقار وممتلكات لتسديد المصاريف العاجلة لتجنب الخسارة الفادحة والمحققة، ونتيجة امتناع أصحاب القشارات الصغيرة -التي تمثل سوقهم الرئيسي- عن شراء المحصول.
4- مندوب الزراعة والانحياز لمصانع تقشير الأرز 
مع بداية الشهر السابع وتحديدا 1 يوليو 2022، نشرت الوكالة الموريتانية للأنباء مقابلة مع المندوب الجهوي للزراعة بولاية اترارزة ذكر فيها أن نسبة الحصاد تجاوزت 50%، في حين ذكر أحد المتتبعين للشأن الزراعي على إحدى المجموعات الزراعية أنه حسب القمر الصناعي الزراعي سانتيل أن النسبة تجاوزت 75%، واتهمه بمحاولة تضخيم الإنتاج الزراعي بالإيهام بزيادة المحصول لهذا العام وهو ما سيؤدي إلى تدهور أسعاره. وهذا ما حدث فعلا بعد أيام من المقابلة المذكورة، حيث ظهرت أزمة مفتعلة لأسعار الأرز الخام ليعود المندوب الجهوي للزراعة في برنامج عين على الزراعة على التلفزة الوطنية بتاريخ: 6 يوليو 2022 ليقول أن سعر 110 إلى 120 ألف أوقية قديمة للطن سعر مجزي بشرط ارتفاع مردودية الهكتار، وهو الشرط الذي لم يتحقق لهذا العام. وليقول أن زيادة المساحة المزروعة لهذا العام أدت إلى كمية إنتاج فاقت القدرة الاستيعابية للتخزين لدى المصانع، مما قطع الشك باليقين بانحيازه المطلق لأصحاب مصانع التقشير وهو ما ولد غضبا عارما في أوساط المزارعين من المسؤول الأول عن الشأن الزراعي في ولاية اترارزة والذي ينبغي أن ينحاز للمزارع.
5- تكاليف تقشير الأرز الخام 
من المعرف أن نسبة التقشير تتجاوز 62% لجميع أصناف الأرز وعليه ما هو الربح في تقشير طن الأرز الخام إذا كان كل طن ينتج 620 كيلو أرز أبيض، يتم بيعه للدولة أوفي الجملة بأكثر من 270 أوقية قديمة للكيلو و140 كيلو "رباص" جيد يتم بيعه بأكثر من 150 أوقية قديمة للكيلو. مع العلم أنه تم بيعه خلال هذا العام ب: 210 ألف أوقية قديمة للطن.
620×270= 167.400
140×150= 21.000
المجموع: 188.400
وتكاليف التقشير ستكون 5.400 أوقية على أقصى تقدير. فإذا افترضنا شراء المحصول من الأرز الخام ب: 90 ألف أوقية قديمة للطن، فإن مصنع تقشير الأرز سيحصل على ربح صافي قدره 93 ألف أوقية قديمة عن كل طن أرز خام.
علما أن الأرز الخام يستغرق إنتاجه شهرا من التحضير وخمسة أشهر للإنتاج وشهرا للتسويق وهو ما مجموعه 7 أشهر، وهذا مع مخاطر الطيور آكلة الحبوب وعدم وجود تأمين زراعة والمخاطرة في ظل موسم الأمطار المبكر، وسيتم تقشير طن الأرز الخام من طرف المصنع خلال 14,8 دقيقة؛ ليحصل في دقائق معدودة على هامش ربح كبير بدون مخاطرة وبخسارة كبيرة للمزارع البسيط.
وبهذا يكون أقل من أربعين من ملاكي مصانع تقشير الأرز حصلوا على أرباح طائلة كان من المقرر أن تكون موجهة للآلاف من مزارعي زراعة الأرز المروية، ومع ذلك لن تأخذهم الرأفة في ظل هامش الربح الطائل هذا في التخفيف من وطأة سعر الأرز الذي يستهلكه الشعب الموريتاني ولو بأوقية واحدة. 
6- مصانع التقشير والببروه 
دأبت الدولة الموريتانية على دعم مصانع تقشير الأرز الخام ابتداء من تمويل إنشائها بقروض متوسطة وطويلة الأجل وفتح المجال أمام الممولين الدوليين لدعمها بالمساعدات والقروض (فادس كمثال) وعفو المليارات من الديون وانتهاء بشراء الكميات الكبيرة من الأرز الأبيض كل سنة وحتى غاية الأسبوع الماضي.
ومع إذلال مصانع تقشير الأرز لصغار المنتجين الزراعيين من الفئات الهشة والضعيفة ورفض شراء محصولهم من الأرز الخام رغم الببروه (الرّضّاعة) المملوءة بأنواع حليب سيرلاك ونيدو التي مازالت في أفواههم منذ ميلادهم وحتى الساعة، مما يشكل عنجهية ومكرا يقتضي دخولهم على الأقل مرحلة الفطام الطبيعية. فقد شب عمرو على الطوق.
إن الدولة الموريتانية لم تدخر جهدا في دعم المصانع ولكنهم كانوا ناكرين للجميل بإعاقتهم للإنتاج والمنتجين، ولم يقدموا أي مساعدة للدولة والمواطنين حتى في أحلك الظروف.
ونكتفي هنا بذكر مثالين من صغار المزارعين في مزرعة امبورية التي صرفت عليها الدولة الموريتانية المليارات من الأوقية في الاستصلاح وإعادة التأهيل. المثال الأول هو لمزارع، ومهندس زراعي حصل بالوساطة على وعد بشراء محصوله من مصنع "م" ولم يحدد له سعر الشراء بل طلب منه إيداع محصوله لدى مخازن المصنع، وبعد أن سلمه محصول مزرعته الذي يربو على 50 طنا من الأرز الخام حدد له السعر ب: 105 أوقية للكيلو. والمثال الثاني هو لمزارعة من حملة الشهادات تمكنت بالوساطة من بيع شاحنة حمولتها 27.6 طن من محصول مزرعتها بالوساطة لمصنع "س" وبعد مماطلة دامت ثلاثة أيام والمحصول في الشاحنة استلمه بشرط أن يكون السعر 90 أوقية للكيلو وأجل شهرين لتسديد كامل المبلغ، مع الوعد بالتسديد الفوري ل: 500 ألف تراجع عنه لاحقا.
وبالنسبة لأصحاب مصانع تقشير الأرز الخام هم فعلا مواطنون وشركاء للمزارعين والدولة؛ لكن إنتاج عشرين مزرعة من مزارع صغار المزارعين في مزرعة امبورية النموذجية بإمكانه بناء مصنع لتقشير الأرز، ومحصول المزرعة تم إنتاجه بقروض من صندوق الإيداع والتنمية.
ومزرعة امبورية نفسها صرفت عليها الدولة والبنك الدولي المليارات من الأوقية في الاستصلاح وإعادة التأهيل، تماما كما حصل مع بناء المصانع التي تم إنشاؤها من قروض ميسرة من صندوق الإيداع والتنمية و"فادس"، وعليه فلا معنى لاعتبار الثلة القليلة من أصحاب المصانع مواطنون من الدرجة الأولى والشريحة العريضة من المزارعين من الفئات الهشة والضعيفة مواطنون من الدرجة الثالثة.
وعلى الرغم من أن هناك مادة من النظام الداخلي للمصنع تمنعه من مزاولة أي نشاط زراعي فإن مصانع تقشير الأرز في روصو تمتلك الأراضي الزراعية وتقوم بزراعتها بشكل مباشر وملاكها أعضاء متنفذون في الاتحادية الوطنية للزراعة.
7- معضلة التهريب من وإلى الجارة الجنوبية
إن من أخطر ما يواجه زراعة الأرز المروية هو تهريب الأرز الخام من السنيغال؛ حيث يدور الحديث في الأوساط الزراعية أن مصانع التقشير الموجودة على ضفاف النهر في روصو تحصل على آلاف الأطنان من الأرز الخام السنيغالي التي يكفي لتهريبها استخدام الزوارق ونقلها مباشرة إلى مخازنها. وهو ما اعترفت به بشكل صريح وزارة الزراعة في إيجازها الصحفي بتاريخ: 29 يوليو 2022.
كما أنه يتم تهريب آلاف الأطنان من الأسمدة الكيميائية التي يعتمد عليها بشكل جوهري في إنتاج الأرز إلى السنيغال فحسب الخبير الاقتصادي، سيد احمد ولد ابوه فإنه: "من المفارقة أن يظهر في بيانات مركز التجارة العالمي أن موريتانيا التي لا تنتج غراما واحدا من الأسمدة قد صدرت خلال سنة 2021 ما قيمته 2,5 مليون دولار من الأسمدة إلى السنغال. إنها أسمدة مدعومة من الأموال العمومية هربها أفراد لتحقيق ربح على حساب المجموعة الوطنية وأمنها الغذائي." 
وتجدر الإشارة هنا أن هذا الرقم الذي أورده الخبير الاقتصادي، حوالي 900 مليون أوقية قديمة يقترب كثيرا من ال: 1.3 مليار التي تم بها دعم المدخلات الزراعية سنة 2021 حيث تم توزيعها بشكل مجاني، ولم يستفد منها القطاع الزراعي بشكل كبير لأن أغلبها تم تهريبه إلى السنيغال نتيجة عدم المتابعة من مندوبية الزراعة خلال مأمورية المندوب السابق، وعدم تفعيل الرقابة الحدودية.
8- الإيجاز الصحفي لوزارة الزراعة بتاريخ: 29 يوليو 2022 بالوعد بشراء الأرز الأبيض من مصانع تقشير الأرز لدعم المزارعين. 
وقد تساءل المزارعون ساعتها أن هذا الإيجاز الصحفي في الوقت بدل الضائع من يخدم؟ وبالنسبة لي شخصيا فقد اعتبرته خيانة عظمى للشعب الموريتاني الذي يسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي! خيانة عظمى للمزارعين الذي يقع على عاتقهم تحقيق الأمن الغذائي! خيانة عظمى لرئيس الجمهورية الذي يعمل بصدق وإخلاص من أجل القيام بهبة زراعية حقيقية وليس تهجير الممتهنين للقطاع الزراعي! خيانة عظمى للأمانة من طرف كل من ساهم في كتابته من قريب أو بعيد!
صحيح ما ورد في بداية الإيجاز من أن السلطات العمومية بذلت جهودا كبيرة من أجل النهوض بالقطاع الزراعي لكن ذكر ذلك في هذا الإيجاز إنما هو حق تم تذييله بباطل! لقد جسد هذا الإيجاز الصحفي المحبط التحالف المقيت بين الإدارة الفاسدة ورأس المال الغير الوطني! 
إذ كيف لوزارة الزراعة أن تتحدث عن الزيادة المعتبرة لمحصول الأرز الخام بدون ذكر أي أرقام عن الحملة الزراعية الصيفية 2022 وعن حجم الإنتاج وهل اكتمل الحصاد أم لا؟ وما هو حجم الضرر على المزارعين؟ 
لقد كان هذا الإيجاز الصحفي مغالطة كبيرة الهدف منها التغطية على ما ارتكبه الخصوصيون ورجال الأعمال وأصحاب المصانع من الإعراض عن شراء محصول الأرز الخام من أجل خفض سعره! وهو ما تم لهم خلال الأسابيع الأخيرة من الحصاد من دون حسيب أو رقيب إلى أن وصل إلى حدود دنيا لا ترقي إلى نصف تكاليف الإنتاج.
إن موسم الحصاد قد اكتمل تقريبا منتصف الشهر السابع ولم يتبق سوى بعض المزارع الجماعية التي تتبع إدارتها للسلطات العمومية وبعض صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات الذين تأخروا في البذر نتيجة ضعف الإمكانيات وعدم الحصول على الجرارات لحرث الأرض في الوقت المناسب أو نتيجة أزمة العطش الغير مسبوقة لمزرعة امبورية، وهذه الفئات هي المتضرر الأكبر نتيجة عدم قدرتهم على التخزين! وهم المتضرر الأكبر والوحيد من أزمة أسعار الأرز الخام المفتعلة. 
كيف يتضرر صغار المزارعين ويتم إصدار إيجاز صحفي على الموقع الرسمي لوزارة الزراعة يحمل في طياته تبرئة رجال الأعمال وأصحاب المصانع بكون أزمة أسعار الأرز الخام سببها زيادة الإنتاج بينما الوقائع التي يعرفها القاصي والداني والتي يمكن التحقق منها عاجلا وآجلا تثبت أنها أزمة مفتعلة! وكيف تتم مكافئتهم بشراء الأرز الأبيض منهم بعد أن حصلوا على الأرز الخام بأبخس الأثمان!
وقد أتى هذا الإيجاز الصحفي بعد أن اكتمل الحصاد وتم بيع المحصول اضطراريا بأبخس الأثمان بالوعد بشرائه والوعد بحماية الحدود من الأرز المهرب ليمثل "طبيب بعد الموت"، فلماذا لم يتعرض لتجربة التخزين التي خاضها بعض صغار المزارعين لأول مرة رغم ضعف إمكانياتهم؟
9- زيارة وزيرة التشغيل لمزرعة امبورية بتاريخ: 2 أغشت 2022
منذ انطلاق الحملة الصيفية في مزرعة امبورية 15 فبراير 2022، بعد توقف دام لسنتين، عانت من الكثير من المطبات كمشكلة التمويل من طرف صندوق الإيداع والتنمية والذي لا يتجاوز 200 ألف أوقية قديمة للهكتار والذي يمثل أقل من 50 % من تكاليف الإنتاج المباشرة، زيادة على أنه مشروط بجدولة دين سابق من الحملة الصيفية 2014 قدره 150 ألف أوقية للهكتار لصغار المزارعين، تم التكفل به من طرف وزارة التشغيل، وقد كان من المفترض أن يكون بدلا من ذلك تعويض 150 ألف أوقية قديمة للهكتار عن سنتين من التوقف مع الإعفاء من الدين. هذا بالإضافة إلى مشكلة العطش التي أدت إلى تأخير البذر اسبوعين عن الموعد الزراعي ومشكلة الحصاد والتسويق.
وبموجب ذلك قامت وزيرة التشغيل بزيارة مجاملة لمزرعة امبورية حاولت من خلالها الاطلاع عن قرب على المصاعب والتحديات، وخاصة مشكلة التسويق، ووعدت بأنه خلال أيام معدودة ستقوم لجنة وزارية بالاطلاع ميدانيا على مخازن الأرز وحل مشكلة التسويق، والاطلاع بعمق حسب تعبيرها على جميع العقبات والعراقيل لإيجاد الحلول المناسبة لها.
10- زيارة اللجنة الفنية برئاسة مستشار في وزارة الزراعة بتاريخ 4 أغشت 
وقد كانت هذه الزيارة لتقييم الاختلالات التي عانت منها مزرعة امبورية خلال الحملة الصيفية، وتحول دون انطلاق الحملة الخريفية، والتي من أهمها: مشاكل الاستصلاح ومشكلة العطش، ومتابعة سير العمل في تركيب سلك الكهرباء المقرر انتهاء الأشغال فيه 5 سبتمبر، مما يستحيل معه زراعة الأرز، وعليه فإن اللجنة الفنية ذكرت أنها ستدرس إمكانية استغلال مزرعة امبورية من خلال زراعة مطرية بمحاصيل بقولية مدعومة، باستثناء المناطق التي هي بحاجة للاستصلاح. وذلك للحيلولة دون عودة مستغلي المزرعة للبطالة، مما سيؤدي لاختلال التزاماتهم المالية تجاه وزارة التشغيل المترتبة على ثلاث حملات زراعية.
11- زيارة اللجنة الوزارية برئاسة المكلف بمهمة بتاريخ: 8 أغشت 2022
زارت روصو لجنة وزارية برئاسة مكلف بمهمة من وزارة الزراعة وعضوية ممثلين عن وزارة التجارة ووزارة المالية وآخرين بتاريخ: 8 أغشت 2022 وكان الهدف المعلن للزيارة هو حل مشكلة التسويق لمزرعة امبورية والتعاونيات بمزرعة الشيشية بالرغم من أنها في روصو لم تلتق صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات من مزرعة امبورية، بينما عقدت لقاءات مطولة في مباني الاتحادية الوطنية للزراعة والقرض الزراعي، وقامت بجولات مكوكية لمصانع تقشير الأرز لتفقد ما ادعى أصحاب المصانع أنه المخزون الهائل الذي فاق القدرة الاستيعابية لمخازنها والذي قدروه ب 60 ألف طن من الأرز الخام وبعد معاينته من طرف اللجنة تبين أنه لا يتجاوز 30 ألف طن فقط.
وأثناء زيارة اللجنة قام أصحاب المصانع بمبادرة لحفظ ماء وجوههم بالاتفاق مع اللجنة الوزارية لشراء ما تم تخزينه من طرف صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات، ولم يتم إصدار أي إعلان من أي إدارة معنية بنية شراء المحصول، وإنما تم إعداد لوائح بمبادرات فردية من أفراد من صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات لا يمثلون أي صفة رسمية، وتم تسليمها للجنة من أصحاب المصانع. 
وقد زارت مخازن الأرز الخام التابعة لصغار المزارعين وأصحاب التعاونيات بتاريخ: 10 أغشت 2022 لجنة من أصحاب المصانع تضم كل من "م.ك" و "أ.ا" و "ش.م.م"؛ وذكر "م.ك" أنهم مبعوثون من طرف وزارة الزراعة لزيارة مخازن صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات، وقد طلبت منهم وزارة الزراعة شراء المحصول بالاتفاق على الشروط التالية:
- أن تكون الكمية مسجلة عندهم في لائحة من عدة أوراق يحملونها معهم.
- أن تكون نسبة الرطوبة أقل من 13%.
- عدم وجود الحبه الصفره.
- نسبة التقشير فوق 52%.
- التسديد عن طريق CDD.
- السعر 130 أوقية قديمة للكيلو غرام.
وقد رفض جميع أصحاب المخازن التجاوب معهم، لأنهم ليسوا جهة رسمية، ولا ترافقهم جهة رسمية، ولأنهم لم يتلقوا إشعارا رسميا بالاتفاق معهم من طرف وزارة الزراعة، ولذلك فإنه ليس هناك ضامن من الابتزاز على أسعار الأرز كما حصل قبل أخذ القرار بتخزين الأرز.
12- بيان اتحادية الزراعة الوطنية بتاريخ: 11 أغشت 2022 بطلب الترخيص لوقفة أمام مباني ولاية اترارزة 
حذرت الاتحادية في بيانها من ما أسمته "النكسة الكبرى التي ستحصل نتيجة رفع سعر الأسمدة والسموم الزراعية، وذكرت أنها طالبت مرارا وتكرارا بتخلي الدولة والنأي بموظفيها عن امتهان السمسرة ومناقشة الأسعار.. ونددت بإقصاء المزارعين وممثليهم من عملية تموين غير شفافة وغير مقنعة. وشجبت ما أسمته المسرحية الزراعية الأخيرة الرامية إلى توهم إنتاج زائد من مادة الأرز، والإيعاز لأصحاب المقشرات بالكف عن شراء الأرز الخام من المنتجين الضعاف".
وقد كانت الاتحادية الوطنية للزراعة تتباهى بأن نسبة الاكتفاء الذاتي من الأرز المعلنة من طرف الجهات الرسمية تتجاوز 80%، لكنه وحسب الهيئات الدولية فإن نسبة الاكتفاء الذاتي من مادة الأرز الرسمية هذه مشكوك فيها، وهي حسب قولها للاستهلاك الإعلامي والسياسي فقط. وقد دأب وزراء الزراعة على ترديدها تبعا لمقولة جرير للفرزدق عندما سأله في لحظة صفاء لماذا تهجوني؟ فرد عليه جرير: "وجدت آبائي يهجون آباءك فسرت على نهجهم".
والملاحظة الأبرز هنا أنه كانت أمام معالي وزير الزراعة السابق لحظة صفاء نادرة (إرادة سياسية حقيقية للرئيس غزواني) ربما لن تتكرر في المدى المنظور أو خلال هذه المأمورية على الأقل بتعيينه كمهندس زراعي لقلب الطاولة بإعداد دراسة فنية حقيقية لكل ما يخص زراعة الأرز المروية، وهو المهندس الزراعي المقتدر، بدل الترديد بشكل ببغاوي لكل ما كان يردده أسلافه من وزراء ليسوا من أبناء القطاع ومعذورون في سياساتهم الخاطئة. 
المهم أن تلك الهيئات الدولية ترى أن نسبة الاكتفاء الذاتي من مادة الأرز الخام هي 30%، تماما كما هو الحال بالنسبة للسنيغال فهي تحتاج أكثر من 1.2 مليون طن من مادة الأرز وتنتج منها 350 ألف طن، ولا ضير لديها في ذكر ذلك لجلب الاستثمارات. 
وخلاصة القول هنا أين هي اتحادية الزراعة من هذا الجدل القائم حول زراعة الأرز المروية؟ وأفرادها هم من ينتجونه وأين هم "عمداؤها" و"فقهاء زراعتها" و "ناشطوها" ولماذا ليست لديهم إحصائيات زراعية ولو على طريقة "الجرد" الحانوتية.
لذا أعتقد أن اتحادية الزراعة لا تتقن سوى مسايرة وزارعة الزراعة -إن توقعت مصلحة- بشكل كهنوتي موغل في السذاجة، وإن تراءى لها عكس ذلك مرقت عليها بوقفة لدى الوالي بطريقة طفولية موغلة في البراءة. إن بيانات الاتحادية إنما هي بيانات اقتناص الفرص لا غير، فهم مستمعون أحرار لكل ما يجري في القطاع الزراعي، وإن كان هناك تململ داخله أصدرت بيانا بوقفة لدى الوالي، وكأن تلك الوقفة عصا سحرية ستحل جميع مشاكل القطاع الزراعي بين عشية وضحاها.
بالمختصر المفيد ذكر البيان زيادة أسعار الأسمدة فماذا تعرف الاتحادية عن أسعار الأسمدة في السوق الدولية، وعن الأسعار المتوقعة لها بداية العام المقبل؟ وذكر البيانات المضللة لوزارة الزراعة عن إنتاج الحملة الصيفية المنصرمة، والمغالطة في مردوديتها، فأين هي بيانات الاتحادية عن كمية الانتاج ومردوديتها؟ .. وهلم جرا. والأهم من هذا كله ما هو ردها على تهريب ما قيمته 900 مليون أوقية قديمة من الأسمدة الكيميائية إلى الجارة الجنوبية وبيعها هناك، وهي من ضمن 1,3 مليار أوقية قديمة تم تقديمها كدعم مجاني للحملة الصيفية 2021.
13- رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني 
فخامة الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني، من هذا المنبر الإعلامي نوجه إليكم رسالة مفتوحة مفادها: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}، على مرأى ومسمع من إطلاقكم للحملة الزراعية في تامشكط 21 يوليو 2022 التي دعيتم فيها لهبة زراعية وطنية تم إعدام المئات من صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات بدم بارد عن طريق أزمة مفتعلة في أسعار الأرز الخام ويطلبون منكم إنصافهم بالقيام بتحقيق شفاف ونزيه للاطلاع على حجم الخسارة والمعاناة التي تضرر منها مواطنيكم من صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات من الفئات الهشة والضعيفة التي حملتم شعار حمايتها من سطوة الإدارة الفاسدة وتغول رأس المال الغير وطني.
فخامة الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني، نحيطكم علما أنه تجري هذه الأيام عملية تسويق وهمية تتمثل في لوائح تتضمن 2.700 طن مسجلة على أنها محصول من الأرز الخام مخزن من طرف صغار المزارعين وأصحاب التعاونيات، وستتم فوترتها على أساس أنها 96 ألف طن من الأرز الخام هي مقابل ما ستشتريه مفوضية الأمن الغذائي لتموين السوق وتغطية عمليات التوزيع المجانية لحالات الطوارئ، وهي الحصة البالغة 60 ألف طن من الأرز الأبيض.
وأخيرا وليس آخرا يبقى تطبيق توصيات الورشة الوطنية لبرمجة الحملة الزراعية لموسم 2022/2023 التي نظمتها وزارة الزراعة بتاريخ 6-8 يونيو 2022 تحت إشراف معالي وزير الزراعة السيد: آداما بوكار سوكو كفيل بتحقيق نهضة زراعية شاملة، وأفضل خارطة طريق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول الأرز الاستراتيجي. وقد تم بالفعل المصادقة على مخرجات تلك الورشة في مجلس الوزراء بتاريخ: 29 يونيو 2022.

المشري محمد المختار الرباني
49212205
[email protected]
 

 

25. أغسطس 2022 - 10:45

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا