قد يقرأ الكثيرون من مثقفينا الواقع السياسي قراءة عميقة عمق تصوره لحجم نضج الساسة بيد أن الأمر لا يعد كونه مجرد عبث مراهقين سياسيين بفرصة العمر في تحقيق ديمقراطية حقيقية بعيدة عن مناسبات التغيير الكلاسيكي الذي يأتي من أصحاب البزاة المزركشة و النعال الخشنة عادة,
ذالك التغيير الذي طالما تمناه الكثيرون بعد أن تلاشت في سماء هذه البلاد آمال التغيير الديمقراطي السلمي ,ولكن ليس هذ الكارثة بل الكارثة والطامة الكبرى هو تضييع فرصة نادرة التكرار في العالم الثالث وهي أن يمسك المدني بحقه المسلوب منذ زمن سحيق ثم تجده غير قادر على المحافظة عليه,ألا يعتبر حينها لم يبلغ مرحلة النضج السياسي بعد؟ أو انه شاخ على تكتيك قديم تجاوزه أعداء الديمقراطية العسكريون ؟الذين استطاعوا التجديد في قذارة الأسلوب وخبث التعاطي مع عجائز الساسة ؟
فبالحساب البسيط نجد بمعدل كل ثمانية سنوات فترتين رئاسيتين لعسكري انقلابي رئيسا متربعا على عرش البلاد بالمقارنة مع عمر الدولة منذ الاستقلال إلى أخر مسرحية سياسية سنة 2009 , تناوب ظالم في حق الشعب وعادل في قسمة المافيا للكعك, بينما تظل نفس رجالاتنا السياسية مياه بركة ثابتة دون تحريك مما يجعلها معرضة للتلوث بفعل الركود وعدم التحريك .إذا فنحن أمام معضلة غياب ثقافة التقاعد ومفهوم التجديد الجوهري وليس المظهري .يعني ذلك أننا نحتاج لطاقة تواكب وتساير في تضاد الطرف الآخر ,نحتاج لضخ دم جديد في الشريان السياسي دم ساخن, ولكن عندما نتكلم عن هكذا تغيير نبدوا رومانسيين إلى حد المثالية ذلك أن الأحزاب عندنا لا تؤسس على أسس النظم العالمية المتعارف عليها بل هي مجرد امتداد للنظام السياسي ما قبل الدولة مما يجعلها لا تراهن على برامج بقدر ما تراهن على قبائل ورجال دين واستغلال الجياع بالترغيب وشراء الذمم.مما وسم هذه الأحزاب الفردية أو الشخصية بالفشل أي تقاد بالإفراد والفكر الفري من البديهي انه لا يبني وحده, قد ينتصر مرة في العمر في معركته ضد الأعداء الخصوم ولكنه يفشل دائما في البناء على ساحة انتصاره لما يحمله من ضيق في الرؤية وأحادية القرارات التي هي جرثومة الأسلوب الديمقراطي التي تنخر جسيمه وخاصة في البلدان التي مازالت تتلمس ملامح وجهها المؤسساتي بالمفهوم المدني الفعلي منذ خروجها من الاستعمار لحد الساعة .
إن من يريد تغيير أي نظام عسكري من جيل الشباب بتكتيك القدامى المتجاوز فهو كمن يتصور تحرير القدس بالسيف وحفر الخنادق وقذف المنجنيق,وسنرى إن صعود تيارات فكرية جديدة من طبقة لبلوريتاريا بطرح راديكالي متطرف نسبيا إنما يوحي بفشل المدارس السياسية في تقديم نموذج وبرنامج فعلية تلبي متطلعات الشعب ذي الغالبية الأمية والفقيرة رغم أن هذه الحركات تكرر ذات الخطأ وان بطريقة استقرائية عكسية حيث يلعب الجانب العاطفي ألتهييجي أكثر من الادلجة والتي قد تتطلب وقت لان الادلجة لمشروع قضية ليست ادلجة مشاريع سياسية تموت بالوصول إلى السلطة أو بتفكيك رجالاتها أمام تحديات الزمان وإغراءات المكان أو مباغتة الموت , هناك حلقة ضائعة من فصول الأجيال السياسية أو مضيعة على الأصح ألا وهي التي تشكل جسر التواصل بين الفكر القديم والتصور الجديد ,ولكن الإشكالية الكبرى هي إن الشباب ليسوا في الغالب إلا عصارة النظام التقليدي النمطي التفكير,نحن نعيش أزمة نضج ساسة وأزمة تداخل أنماط المطالب مطالب شرعية لم نستطيع التمييز بينها وبين أهدافها إلا أننا استطعنا معرفة مصدرها الوحيد والذي يتفق عليه السياسي القديم والحلقة المغيبة وراديكاليي الطرح من أصحاب القضايا العادلة وبالتالي فالعدو المشترك لكل هذه التيارات والخطر الدائم والذي تستحيل معه الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية هو خطر العسكريين الانقلابيين وأثبتت التجربة ذالك وأكدت التاريخ والجغرافيا على المستوي الجيوبوليتيكي فظاعة ماقد يلحق بأي دولة إزاء تصرف عسكري لا يضع نصب عينيه الأمن ويحترم قسمه وذاته وشعبه,وليست دولة مالي ببعيدة,فماذا تبقى ؟ إلا أن تضع كل هذه القوى أيديها في أيدي بعضها ويعلنوها يوم قيامة على الانقلابيين ,أترون معي انه طرح رومانسي بعيد من الواقعية واقرب إلى المثالية ؟ الأسف إن الذات الحيوانية أعطيت العناية أكثر من الذات البشرية والذات البشرية المفترض إن تكون تحت وصاية الذات المثالية سيطرت على الأخيرة وتركتنا أمام صراع الذوات الثلاثة ردحا من الزمن .
وبما أننا مجتمع عاطفي أكثر من عقلاني فإننا طالما عظمنا الصغير وأكبرناه وصغرنا العظيم من الأخطاء حتى صارت أسسنا الأخلاقية مبنية على المجاملات ولو في القضايا المصيرية.و بدون استفزاز نحن مجتمع نصف منافق والنفاق لا يبني بقدر ما هو هدام , وهذ النفاق سنجده متمظهر في الرضوخ في الدخول في مفاوضات مع الجنرالات المغتصبين ,وقد اكتشف الجنرالات ذالك النفاق واستطاعوا تشتيت كل العوائق وسحقها من على قارعة الطريق وترك سياسيينا يتسكعون على الهوامش بعد أن قيدوا أنفسهم بالقانون مع من لو كان في قاموسه مفردة القانون لما أقدم على باب حارس متعاقد أحرى برئيس منتخب . إذا نحن نحتاج إلى ساسة ناضجين أكثر من سياسيين مفاوضين نحن نحتاج سياسيين يستطيعون حماية مكتسبات الشعب عندما تريد الأفعى خلع جلدها وتبديله بجلد آخر جديد له نفس السمك والمظهر . نحن نحتاج تناسخا في القيادات لان النمط القيادي القديم منتهي الصلاحية ,بالطبع سيشفع لهم جهلهم وبراءتهم من أن يكتبوا في تاريخنا المدني كمقصرين أو كسائقين يملكون رخص قيادة مع قلة كفاءة,وتجدر الإشارة أننا لازلنا نبحث عن الرباط المقدس بالمفهوم العلمي الرباط الذي يجمع تحت ظله الكل وينصهر فيه الكلي مع الجزئي في بوتقة الهدف الواحد والمصير الواحد وتختفي مشتقات الانتماء البدائي ومسلسل العنف المعنوي وشطب تام للتركيبة النفسية الأنانية ,فمنذ ما يرب على العام والنصف تسعى المعارضة للإطاحة بنظام غير موجود أصلا .أقامت الدنيا ولم تقعدها ولكنها لم تقدم شهيدا واحدا أوليس هذ دليل كافي على عدم الجدية في المطلب , أم أن نظام الجنرال نظام رحمة لا قمع بالطبع الرأي الأخير مستحيل لأن قمع طلاب المعهد العالي والجامعة والمنظمات الحقوقية يكذب هذ الإفتراض أما الثاني فهو مسرحية سيئة الإخراج ,لأن الرئيس صاحب الفخامة سقط بنيران حميمة ودخل غيبوبة .ولكن ليس وحده فقد دخلت كل المعارضة في غيبوبة والموالاة دخلوا دوخة .حزانى وكأن كل موريتانيا لاتساوي شعرة من عزيز.ولأن الرئيس في خطر فموريتانيا كما يقولون في خطر.ولكن ملائكتنا عجلوا إنقاذ خليفة المسلمين على إنقاذ الأمة, من باب سد الذريعة ربما.
إن الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة, والاجتهاد في السياسة لعنتين إن اخطأ صاحبه ولعنة واحدة إن أصاب , إذا فالسياسة هي وكر اللعنات ,وبما أن أمد الحياة عندنا هو خمسة وستون عاما فمن يسبح في نهر اللعنات هذ منذ نصف عمره عليه الاغتسال من أدرانه قبل الرحيل ,هناك حكمة سياسية من عالم إنجليزي إن من آمن بفكرة سياسية وركب رأسه عشرون عاما ولم يتغير عنها فليعلم أنه أصبح بلا رأس ,إن الجهد الجماهير يخبأ طاقة إن وجدت سياسيا مقنعا يمكنها أن تجرف كل أعداء الديمقراطية ولكن أين الثقة وأين الذين سيحافظون على النصر ويتجاوزون الماضي بكل ملحقاته السلبية .وهل سيكون أولئك الذين اعتبروا الوقوف في وجه العسكر يوما تهديد للأمن وان انتزاع سلطة مدنية بحماقة عسكرية مجرد أمر عابر وعادي بل جد عادي .
إن ابلغ أضرار الأحكام هو فقدان التعاقب المتواصل الذي يشكل في النظامين صلة لا تنقطع ,وبما أن هذه الصلة منقطعة إن لم تكن لم توجد قط, فعلى الأجيال الحالية إن تضع نفسها أمام الأمر الواقع وهو أن الكل فشل في بناء الدولة المرتجاة سيجعل الطريق الطويل يطول أكثر فأكثر ’فالذين حاولوا بناء الدول الاثنية فشلوا
فقد فشل البيظان في بناء تلك الدولة .وكان سيفشل الزنوج فشلا ذريعا إن كانت نجحت المحاولة ,وسيفشل الحراطين في بناء الدولة وحدهم أيضا .هذ الكلام بالطبع سيؤلم الكثيرين من الحالمين أو المتوهمين على الأصح ولكن الأكثر ألما أن يعلم كل هذا ويواصل فشلنا السير منتعلا أكبادنا مع العسكر وكأننا نقول لهم هل من مزيد.