تعرف الهوية الوطنية بأنها:"مشاعر الانتماء والولاء التي يحملها الأفراد اتجاه وطنهم ويترجمونها سلوكا وأفعالا على أرض الواقع".
والهوية الوطنية هي الركيزة الأساسية التي ينطلق منها المرء في انتمائه لدولة أو أمة ما، وهي المحرك الذي يحمل الإنسان على بذل الغالي والنفيس من أجل وطنه الذي ينتمي إليه، ومن هنا تتضح أهمية الهوية الوطنية في تقدم الدول وازدهارها وتحقيق أمنها واستقرارها، والحب والانتماء للوطن لا يكونان لمنفعة يفقدان بفقدها أو مصلحة خاصة ينتهيان بانتهائها، وليسا مجرد شعور يزيد وينقص بمستوى رخاء البلد، وإنما هو حب وإخلاص للوطن وأهله، ووفاء لأهدافها وتطلعاته بعيدا عن المصالح الخاصة، على أن الوطن من الأمور التي لا تقبل المساومة أو المقايضة وهذا ما يجب علينا أن نعيه جيدا ومن واجب الدولة ومثقفي البلد والمجتمع المدني ترسيخه في أبناء الوطن وأجياله سعيا لرفعة البلد واستقراره ونهضته والحرص على وحدته.
وفي العالم المعاصر وبفعل الانفتاح الذي أحدثته العولمة والثورة التكنولوجية في القرن الأخير أصبح التحدي الأبرز الذي يواجه مختلف الدول هو حفاظها على هويتها الوطنية بمقوماتها المختلفة دينا ولغة وعادات وتقاليد، خاصة مع تزايد شعورالكثيرين بالانتماء إلى الكوكب وليس فقط إلى بقعة جغرافية محددة، ومحاولة صنع العولمة لمجتمع عالمي وهو ما انعكس سلبا على الهوية الوطنية رغم عدم قدرته على إيجاد هوية بديلة للوطن الذي يحفظ كرامة الإنسان ويحقق له الفخر والاعتزاز بما يمثله ويملكه ويسعى للحفاظ عليه.
إلا أنه في بلادنا بالأخص إضافة إلى تحدي ترسيخ الهوية واجه الحفاظ على استقرار بلادنا تحديات أخرى من أبرزها التلاحم الاجتماعي وتعزيز الإيمان بالدولة المدنية والوطن الواحد في مجتمع لم يكن يعرف إلى وقت قريب أيا من ذلك.
ولأن المدرسة هي أول سبيل في بناء شخصية وفكر الإنسان فعليها يقع العبء الأكبر في غرس التمسك بالهوية الوطنية وتعزيز الإيمان بالمجتمع والوطن الواحد في نفوس الأطفال وأبناء هذا البلد بمختلف أعراقهم.
ولكون مجتمعنا الموريتاني يعيش تنوعا واختلافا عرقيا فإنه من الواجب السعي إلى محاولة التقريب بين مكوناته المختلفة من خلال الوسيلة الأمثل وأول موجه للسلوك بعد الأسرة وهي المدرسة خاصة في المراحل الأولى، وهو التوجه التي لوحظ في الفترة الأخيرة من خلال القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني الذي ينتظر أن يقدم الكثير في مجال ترسيخ الهوية الوطنية شرط أن يتم تطبيقه بالطريقة السليمة وفق الضوابط الصحيحة، وبمراعاة للأهمية الكبيرة لهذا الموضوع حيث لا يحتمل الارتجال والخطأ، وقد تم التركيز في القانون الأخير على أمور أساسية في هذا الإطار من أهمها:
- التركيز على اللغة العربية نظرا لكونها مشتركا أساسيا بين مجتمع مسلم كمجتمعنا حريص بمختلف مكوناته على تعلمها حبا في فهم القرآن الكريم وحفظه وتعلمه.
-دمج اللهجات الوطنية لتطوير وتعزيز تواصل أفراد المجتمع فيما بينهم.
وإضافة إلى هذا فقد أصبح أيضا من الضروري الحرص على تعديل المناهج التعليمية والمقررات الدراسية خاصة في المرحلة الابتدائية بما يساعد على غرس قيم المواطنة والوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع الموريتاني وترسيخ جمال هذا التنوع الرائع في ألوان ولهجات وعادات هذا المجتمع الطيب المسالم لدى أبناء الوطن الغالي حبا فيه وحرصا عليه ودعما لنهضته وتطوره وضمانا لوجوده.