يحتاج المجتمع في كل مرحلة من مراحل تحولاته التي تفرضها طبيعة الحياة و التطور التكنلوجي و الصناعي و البشري إلى مواكبة إعلامية متخصصة توجه المجتمع وتكون له بمثابة المعين والمؤطر في وجه الصدمات الاجتماعية الناتجة عن التحول القسري الذي يطرأ على العادات والتقاليد ونمط الحياة والروابط الاجتماعية.
ولا يخفى على أحد ما عاشة مجتمعنا خلال العقدين الأخيرين من أحداث لم تكن تخطر على بال أو على الأقل لم يعرفها المجتمع بهذه الحدة والكثافة ، حيث تفاقمت الجريمة المنظمة بجميع أشكالها وأنواعها وبين جميع فئات المجتمع وطبقاته وأعماره ، صحيح أن الجريمة ظاهرة مدنية لكن مستوى الانتشار وطبيعة الجريمة نفسها يحيلنا إلى مصدر الخلل و منطلق الأزمة الاجتماعية المرتبطة بها ، حيث أن الجريمة ليست بداية مسار من الانحراف بل هي نهاية خط انتاج اجتماعي يبدأ في الغالب حين تنصرم الروابط الأسرية التي لم تكن متينة في الأصل ويغيب الرقيب الأسري و تخرج المدرسة من دائرة التأثير والتوجيه التربوي في وقت مبكر ، و تدخل المخدرات و المُسكرات كأولوية في اهتمامات طفل تائه تتقاذفه أمواج واقع شديد السخونة ، حتى أنه في رحلة التيه هذه لا يجذ ملاذا في فضاءات عامة مخصصة لشغل وقته و ممارسة طفولته ومراهقته ومواهبه الكامنة . وهي أزمة تصور بالأساس فالأطفال لهم أسرهم الضيقة وحيزهم الاجتماعي المحدد فعلا ، لكنهم أيضا أبناء وطن يحتاجهم ويحتاجونه ليتكامل المستقبل بصورته الأمثل . وكان من اللازم حين تغيب الأسرة أن يجد الطفل أو المراهق الدولة أمامه تحتضنه بالتوجيه والتأطير وتوفير البنية الثقافية والرياضية و الترفيهية حتى يهدأ المارد الممسك بتلابيب شخصيته وسط أمواج اجتماعية لا اتجاه لها .
إن واقعا كهذا يحتاج اعلاما متخصصا يسبر أغوار المجتمع برؤية واستراتيجية محددة الملامح واضحة الأهداف . وتقديم برامج توعوية في قالب فني متميز وغير نمطي في تناوله حيوي في طبيعته .
تنتظر الأسرة الموريتانية إعلاما يوضح لها خطورة التفكك الأسري والطلاق وما ينرتب عليهما من ويلات ومخاطر تحدق بفلذات أكبادهم ويقدم برامج للأطفال تنمي مواهبهم ومدركاتهم ويصحح توجهاتهم وينير دروبهم ليمتلكوا القدرة على الاختيار والتمييز مستقبلا .
ينتظر المجتمع إعلاما ييقدم الصورة بدون رتوش في موضوع المخدرات والتسرب المدرسي وجنوح القصر و يتناول هموم المرأة وماتعيشه من ظروف وما تستحقه من تمكين وتطوير لقدراتها .
في المحصلة المعالجة الاعلامية الرصينة هي التي تشكل الوعي التراكمي بمختلف الاشكاليات وتفرض الحلول و تفتح مختلف السياقات للتقدم نحو واقع اجتماعي أفضل في ظل جنون السياسة والتعلق بها و التصوف في محرابها على حساب قضايا المجتمع .
فهل يحمل الأفق الإعلامي إصافة نوعية بهذه الملامح ؟