الأمن حاجة أساسية للأفراد كما هو ضرورة من ضرورات بناء المجتمع، ومرتكز أساسي من مرتكزات تشييد الحضارة، فلا أمن بلا استقرار ولا حضارة بلا أمن، ولا يتحقق الأمن إلا في الحالة التي يكون فيها العقل الفردي والحس الجماعي خالياً من أي شعور بالتهديد للسلامة والاستقرار،
إذاً لا بد من وجود نظرة مستقبلية لتفعيل الجهود من قبل المؤسسات الأمنية لتقديم دورها الاجتماعي، وإظهاره بين أفراد المجتمع حتى يقدمون دعمهم للأجهزة الأمنية لتحقيق مفهوم الأمن العام، وبما أن أفراد المجتمع ومؤسساته تقع عليه مسئولية المشاركة مع المؤسسات الأمنية فإن من الواجب عليهم دعم أمن المجتمع بصورة مباشرة وغير مباشرة كما يعتبر واجباً حتمياً عليهم أقره ديننا الإسلامي وكافة النظم والأعراف الدولية.
لكن لابد في المقابل أن تخرج المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي والانخراط مع المجتمع وتقديم خدمات اجتماعية له حتى يكتسب الجهاز الأمني حب وتقدير كافة أفراد المجتمع، والأهم المشرفين المباشرين على مؤسساته حتى يقوم في هذه المؤسسات الاجتماعية على توعية وحث أفرادهم في دعمهم للأجهزة الأمنية ومشاركتهم في أمن المجتمع ولهذا؛ فإن أهم الواجبات الوظيفية هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع، ولكي تؤدي المؤسسات الأمنية هذه الواجبات لا بد أن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تستطيع أن تطلب مساعدته، وهنا يكمن أهمية دور العلاقات العامة في الشرطة وهي تلطيف الأجواء بين المواطن والشرطة بالإضافة الى إيصال الصورة الصحيحة والسليمة عن الشرطة والقيام بالعديد من المهام التي قد تخرج عن نطاق عمل العلاقات العامة خاصة في حكومتنا الشرعية والإسلامية ، ربما أن بعض أفراد المجتمع أخذ فكرة خاطئة عن بعض المؤسسات الأمنية وخاصة الشرطة على أنها أداة قمع وإرهاب للمجتمع، وأصبحت هذه الفكرة تتوارثها الأجيال، فتسببت بإبعاد المساحة بين أفراد المجتمع والمؤسسات الأمنية، الأمر الذي يجعل فجوة بينهما.
إن رجال الأمن هم أحوج الناس إلى اكتساب محبة الجماهير وكسب ثقتهم، ولا يكون ذلك إلا إذا ارتاحت هذه الجماهير لتصرفاتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم ودورهم المميز عند تعاملهم مع الجمهور وممارستهم فن الاتصال والتواصل مع جميع فئات المجتمع المختلفة في المكان والزمان المناسب.
إذاً فالمؤسسات الأمنية لم تعد تستطيع أن تعيش بمعزل عن المجتمع ومؤسساته، وأن أفرادها يجب عليهم أن ينخرطوا مع جميع فئات المجتمع حتى يتمكنوا من الاستفادة منهم بالمشاركة الأمنية والمساعدة عند الطوارئ.
إذا كان المجتمع يهاب الفيروسات ويخشى الأمراض الخطيرة والمعدية، ويهب مسرعا لوقاية نفسه وتحصين ذاته بالتلقيحات والمضادات الحيوية كي لا يسري إليه المرض فيفتك به أو يصيبه بالعجز أو يقضي عليه، فلماذا لا يستخدم الحصانة ذاتها في حماية نفسه من تفاقم الأمراض والمشاكل الاجتماعية ويسعى جاهدا لحلها واجتثاثها من الجذور؟ فيحفظ نفسه ويحمي كيانه من الانهيار والضعف؟؟
إن رجال الشرطة الأبطال هم المرآة الزجاجية اللامعة الساطعة التي تعكس صورة الحكومة الشرعية وان المواطن يشاهد هذه المرآة صباح مساء ونحن نرى رجل المرور وهو يتألق بحركاته وبهندامه المتميز وبآدابه وأخلاقه العالية وهو يقوم بعمله تحت التعليمات ووفق السياسة العامة والتوجه بإرساء مفهوم ان الشرطي هو خادم للمواطن ويحرص على مصلحته فلا يقوم بعمل مخالفة للمواطن ان لم يرتكب مخالفة ولا يتجنى على أحد ويقوم بعمله تحت شعار ومبدأ أن المواطن هو أغلى ما نملك وأن الشرطي اختاره الله في هذا المكان حتى يكون أمينا على أبناء شعبه وعلى أماناتهم ومقدراتهم.
ليس المهم أن يكون المواطن يمتلك المال والملبس والمشرب وكل ما يتمنى بين يديه ولكن ينقصه الشعور بالأمن وينتابه الخوف من قطاع الطرق والمجرمين الذين يجعلون أصحاب رؤوس المال جبناء لا يستطيعون ان يتقدموا بمشاريعهم أو يبدعوا بتطوير مصالحهم التجارية ليستتب الأمن في أرجاء وطننا الحبيب موريتانيا ويرسى الآمن والاستقرار والسكينة التي تتوقف عليها سعادتهم ورواج تجارتهم ورخاءها وذلك المفهوم يذكرنا بقول رسولنا الكريم عنه انه قال ( من بات آمناً في سربه يمتلك قوت يومه حيزت له الدنيا وما فيها).
لا يخفى على أحد ما تواجهه الأسرة من تحديات تمثل أحد أهم المشكلات الاجتماعية والنفسية والثقافية التي تؤثر على بنية المجتمع الأساسية، وأهمها ظاهرة العنف الأسري التي أخذت تزداد يوما بعد آخر مما تشكل خطورة على الاستقرار الأسري والاجتماعي، حيث أن ما تتعرض له المرأة من عنف وإيذاء نفسي وجسدي يجعل منها ضحية وأسيرة للمعاناة والضياع والمرض والحرمان.
ونظرا لعدم تطبيق معظم القوانين التي تحمي المرأة وانعدام الآليات الكفيلة بذلك، فهي تلجأ في كثير من الأحيان إلى أساليب وسبل خارجة عن تعاليم الدين وأعراف المجتمع معتقدة أن ذلك يضع نهاية لحل مشكلاتها، هذا بالإضافة إلى ما يتعرض له الأطفال من تشغيل واعتداء فحقوقهم مضاعة وسط الأسرة ومنتهكة من قبل المجتمع، والأسرة عادة هي التي تمنح أو تمنع من قبل الأب ولكن كيفما شاء ومتى شاء فمزاج الأب وثقافته وتنوره أو بالمقابل جهله وتخلفه وبيئته الموروثة هي التي تحكم مستقبل أطفاله، فلا يوجد قانون أسري يحمي هؤلاء الأطفال في حال تعرضهم للعنف الذي يمارس عليهم ويحرمهم من حقوقهم الأساسية التي أقرها ديننا الحنيف وأقرها الميثاق الدولي لحقوق الطـفـل وحـقـوق الإنـسـان، فـالأطـفـال معرضين للإساءة من الأسرة نفسها أو من المجتمع وقد يصل بهم العنف النفسي والجسدي لحد الموت أو الإعاقة وما يتتبع ذلك من انحرافات سـلـوكيـة وغـيرهـا.
أمام هذه المشاكل الكبيرة والخطيرة على المجتمع والمتفاقمة بشكل متزايد، ينبغي علينا كمواطنين، ومسؤولين، ومصلحين، ومثقفين إذا كنا حريصين بالفعل ومهتمين أن نتحرك ونعمل جادين حيال إيقاف مثل هذه الظواهر التي تعيشها الكثير من الأسر الموريتانية ، فالحاجة ماسة وملحة تدعونا للإسراع والأخذ بزمام المبادرة لإيجاد مناخات علاجية صحيحة يمكن على أثرها تقويم المجتمع وتوعيته بالأخطار الناجمة عن هذه المشاكل وسبل معالجتها، والعمل على إيجاد خطط طويلة المدى للتصدي لها ومنع تكرارها.
أخيرا أتساءل قليلا لماذا غيبت الشرطة الوطنية عن دورها الشريف ألا وهو أمن البلاد و العباد؟ لماذا غيبت منذ أكثر من سنتين حتـــــــــــــــــــــــــــــــى اليوم؟ لماذا لم يتم تسريح جميع عناصر الشرطة إن كانوا غير صالحين لحفظ الأمن؟ أم أن دور الشرطة قمع الشعب المطالب بحقوقه المشروعة التي يكفلها له الدستور؟
لماذا إذن أعيد الأمن الى الشرطة بعد الإخفاقات و الانفلاتات الأمنية الخطيرة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية؟.