الإسلام دين الوحدة / الشيخ / محمد الأمين مزيد

 د. محمد الأمين بن الشيخ بن مزيدالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وعلى خلفائه الراشدين، وعلى الصحابة أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فلا يوجد دين و لا نظام استطاع في الماضي ويستطيع في المستقبل أن يؤلف ويوحد بين الأعراق كدين الإسلام العظيم، ولا يوجد دين ولا نظام أقدر على توحيد صفوف الأمم من هذا الدين العظيم. في هذا الدين العظيم حكمة التنوع العرقي والقبلي هي التعارف، ومعيار التفاضل هو التقوى قال الله عز وجل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). واختلاف الألسن والألوان في هذا الدين العظيم آيات دالة على قدرة الله، مثل خلق السماوات والأرض لا سبب من أسباب التمايز {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}. وقد أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة صريحة "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" رواه أحمد في مسنده ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد. ودعواتُ التفريق في المجتمع المسلم تُعْتبر في هذا الدين العظيم دعواتٍ جاهليةً ولو جاءت تحت أسماء إسلامية ناصعة، لذلك لما قال واحد من المهاجرين يا لَلمهاجرين وقال واحد من الأنصار يا لَلأنصار في الحادثة المشهورة أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ما بال دعوى الجاهلية" ثم قال: "دعوها فإنها منتنة" رواه البخاري. قال النووي في شرح مسلم وهو يبين سبب تسميتها دعوى جاهلية: "كانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه" في هذا الدين العظيم "من بطــَّــــأ به عملُه لم يسرع به نسبه" كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم" رواه مسلم. وقد استطاع الإسلام أن يهدم معايير الجاهلية الاجتماعية في مجال الكفاءة في الزواج وهو من أكثر الموضوعات حساسية، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية أن تتزوج أسامة بن زيد وكانت قد استشارته في معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم اللذين خطباها، وزوَّج أبو حُذيفة بنُ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي سالما المولى بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليد بن عتبة. وقد تزوج زيدُ بن حارثة زينبَ بنتَ جحش الأسدية وهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمُّها أميمة بنت عبد المطلب. وتزوج بلال بن رباح هالةَ بنت عوف الزهرية أخت عبد الرحمن بن عوف الزهري. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هند الحجام مولى بني بياضة "يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه" رواه أبوداود وصححه ابن حبان. في هذا الدين العظيم العلاقة بين المسلمين في المجتمع المسلم علاقة أخوة إيمانية (إنما المؤمنون إخوة) وقد ألَّــــــفت هذه الأخوة الإيمانية بين المهاجرين والأنصار فعندما قدم المهاجرون على الأنصار في المدينة تنافس فيهم الأنصار، حتى اقترعوا عليهم فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة لقد حدثت أزمة فريدة في التاريخ سببها قلة المهاجرين، ورغبة كل بيت من الأنصار في استضافة المهاجرين، فحُلت المشكلة عن طريق القرعة. وقد ألَّفَتْ هذه الأخوة الإيمانية بين الأوس والخزرج، وكان الأوسُ والخزرجُ في غاية التباعُد والتنافر، وجرت بينهم حروب استمرت مائة وعشرين سنة، فجاء الإسلام وألَّـــــف اللهُ بين قلوبهم وصاروا إخوةً متحابــِّين تجمعهم نصرة الدين، والتنافس في الأعمال الصالحة، وقد قال الله عز وجل (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين, وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم). وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بعد أن أعطى المؤلفة قلوبهم من الغنائم في حنين ووكل الأنصار إلى إيمانهم فقال لهم وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلَّالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ومتفرقين فجمعكم الله بي». رواه البخاري ومسلم. فوفَّــر هذا الدين العظيم للأوس والخزرج الهدى والغنى والوحدة بعد الضلال والفقر والتفرق. وحل الإسلام مشكلة الأوس والخزرج وأخرجهم من حرب المائة سنة. وقد بدأ الشرع الحكيم، الذي أنزله العزيز الحكيم، وبلغه الرسول الرحيم بدأ بإصلاح القلوب وتطهيرها من الأدواء التي تنعكس اختلافاتٍ وتفرقاً وتمزقاً وفتناً يضرب فيها بعض المسلمين رقاب بعض. ومن هذه الأدواء الحسدُ والحقدُ والبغضُ والكبرُ والعجبُ وحبُّ المال وحبُّ الجاه والغفلةُ والشحُّ والظلمُ، وحلَّى هذه القلوب الطاهرة بالصدق والإخلاص والعدل والحب والإيثار والتواضع والزهد. ودعا الإسلامُ العظيمُ إلى إقامة العدل في المجتمع، وتطبيق قانون الشرع بلا محاباة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحد، وأيمِ الله لو أن فاطمةَ بنتَ محمد سرقت لقطعتُ يدها) رواه البخاري ومسلم. ودعا إلى أداء الأمانات إلى أهلها وإلى الحكم بالعدل وإلى الحكم بالحق وإلى إعطاء كل ذي حق حقه قال عز وجل {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } وقال عز وجل {ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسُوا يوم الحساب}. فالتقى صلاحُ القلوب من الداخل والعدلُ في المجتمع من الخارج. وتكفلت تعاليم الإسلام المتعلقة بحقوق الأخوة الإيمانية وحراستِها وصيانتِها بحماية المجتمع من أسباب التمزق والتفرق والاقتتال. وبهذه المبادئ نستطيع أن نحل المشكلات التي ينسبها الناس للتنوع العرقي في مجتمعات المسلمين ومن لم تصلحهم هذه المبادئ العظيمة فلا أصلحهم الله.

10. مارس 2013 - 9:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا