على أبواب الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية تتصاعد روح المصلحية الضيقة من خلال ما نقرأه ونراه من "الطموح القاصر" و"الوعي الموبوء" لدى غالبية شباب موريتانيا من مختلف الأعمار، والفئات والجهات والطوائف، والأخطر في مسار لعبة الفشل هذه، والتي بلا شك تؤدي بالنتيجة الحتمية إلى ضياع وشرذمة هذا الوطن،
الأخطر في الأمر، أن جموح الفئات الشبابية ذكورا وإناثا، إلى التكاثر المرضي للعناوين والتكتلات والمبادرات المصلحية، باسم السياسة والاستحقاقات،
جاءت وليدة الجهود الفاسدة التي أنتجتها الانتهازية السياسية وأطرها يوم افسدوا الواقع الحزبي الديمقراطي السليم، وافسدوا الحركات السياسية ونظرياتها ومبادئها بكل أنواعها الوطني والقومي، والأممي المادي والإسلاموي، كل النظريات والمنطلقات الفكرية السياسية خربتها العقول الانتهازية، حين ركبتها لتحقيق مصالحها في موريتانيا وفي وطننا العربي عموما، والشعوب الإسلامية ايضا !
خطر الانتهازية السياسية، والذي يأتي ضياع وتشتيت الجهود الشبابية من أكبر نتائجه الوخيمة، ينسحب أيضا على كل المفاهيم المحصنة للوطن والأمة، والمنطلقات النظرية الدينية والاجتماعية والفكرية السليمة، لتعزيز الوطنية وتلاحم الدول والمجتمعات،
فقد خلقت الانتهازية السياسية وتبريراتها النفعية والجبانة؛ منذ عقود جوا من عدم الثقة بين الشعب والشباب والنخبة والدول،
فأصبحنا نعيش جائحة كبرى تفتك بمجتمعنا ووطننا دون أن ندرك الحرب الحقيقية التي أوقعتنا فيها نخبتنا السياسية وداعميها الأجانب.
من اخطر أنواع الانتهازية، هو جعل المفاهيم الأممية، دينيا أو ماديا، أرسخ من عقيدة الإيمان بقيم الدين القيم والوطن والأمة!
إفرازات آراء من تشبعوا بأفكار الأممية الدينية أو الملائكية، والماديات، أظهرت استسلامهم بكل سهولة، وربما بقناعة، لخدمة أي كيان أممي؛ لا يعرف الحدود الوطنية، أو أي بوتقة أثنية آو شرائحية أو لونية،
وصعوبة عليهم الالتزام الوطني والقومي السليم، رغم انه بكل المقاييس والمعطيات الواقعية والدينية، يظل الوطن أهم، ووحدة الشعب في وطنه أكثر طريق سالك نحو الديمقراطية والتنمية والاستقرار.
من مظاهر الخداع، أن أطر الانتهازية السياسية، بقوة إعلام موجه، وتعاضد مع قوى الخراب الأجنبية العاملة على إضعاف الشعوب واستعمار أوطانها، يجعلون من الفساد عنوانا يحاربونه..
لكنهم يستغفلون الشعب ونخبه الحية والدولة، من خلال اختزال الفساد في ظواهر مادية عارضة أو أحداث، في حين أن الفساد البنيوية والسياسي الأخطر هو ما يعملون على تكريسه من انتهازية وأممية أفسدت الشباب والدين وتماسك المجتمع والدولة..
إن تعاطي الدولة والمجتمع وقواه الحية، مع إفرازات الانتهازية السياسية، والتكتلات والمبادرات المصلحية الانشطارية المتكاثرة، والإجهاز على هياكل الأحزاب السياسية العريقة والتي تحمل مشاريع دولة رغم اختلاف منابعها، هو الفشل الكبير، والذي لا يفسد الواقع اليوم فحسب، وإنما يمهد لإفساد المستقبل أيضا، ويمنح لأعداء الوطن والأمة بكل عناوينهم الفرصة السانحة لتحقيق مبتغاهم!
لذلك فإنه من المفيد التأكيد؛ على أن مفهوم الفساد السياسي أكثر خطرا وأجدر بالمحاربة، من مفهوم الفساد المالي، لان الأخير، هو سرقة واضحة بالأرقام المالية يمكن إرجاعها بالقضاء، والأول إفساد عميق للمجتمع والدولة والأمة، ينسف كل قيم الدين والأصالة، ويقتل الفكر الحصيف وينشر الخلافات الجذرية بين الأجيال، ويغضي بشكل فاجع على أسس الهوية والمواطنة.
لذلك على الدولة والشعب، الاحتكام إلى الأسس الصلبة لقيم الوطن وقواه الأصيلة، وكبح جماح الانتهازية السياسية وكل إفرازاتها، فالوحدة الوطنية والهوية، وتعزيز التلاحم وتنوير الفكر والتمسك بالأصالة والدين، أولى وأجدر من التشرذم من أجل مصالح ضيقة لمبادرات وتكتلات الانتهازيين.
وفق الله الجميع