ولد عبد العزيز بين الجبن والشجاعة ...؟! / محمد فال ولد حرمه

altلم نعني بطرح هذا السؤال البحث في سيكولوجية الرجل، كما لم يكن اختيارنا في ترتيب الكلمتين المشكلتين للسؤال الفرضي عبثيا ، أو محاولة لاستجلاء بعض الجوانب الغامضة في حياة الرجل الرئيس ، إذ ليس من الصعب وجود ما يفسر ذلك في فعاله اليومية وعلاقته بالآخرين من حوله،

 ولأن الجبن والشجاعة قد يتشابهان في بعض مظاهرهما الشكلية، خصوصا في ما يتعلق بردات الفعل اللاإرادي، رغم وجود فوارق جوهرية تحدد الميزة الشخصية للشخص محل ردة الفعل، جبان هو أم شجاع ...

فالجبان مثلا عندما يتعرض للتهديد أو يشعر بالمضايقة يكون أكثر سرعة في ردة فعله وأقل روية ، ولا يهمه حساب ما ينتج عن ردة فعله، التي قد تأتي مبالغا فيها بعض الأحيان؟ فهو مثلا عندما تعضه بعوضة يبدأ بضرب مكان العضة بشدة، ما قد ينتج عنه بعض الكدمات والتورم غير المبرر دون أن يعطي لنفسه فسحة لتبين مصدر العضة ولا حجم الضرر الذي تخلفه ، وهو بذلك يكون أكثر حساسية من الشجاع، إذ أن خوفه المرافق يجعله شديد الحرص على الاستجابة الفورية لحواسه المستنفرة طيلة الوقت ، فعندما يسقط في حفرة مهما كانت بسيطة يصير همه الأوحد الخروج منها ولو بقفزة قد تكون مميتة .

والشجاع لا يختلف كثيرا عن الجبان في سرعة ردة الفعل وإن بشئ من الروية والتبصر فعندما يتعرض لقرصة عقرب لا يستعجل أن يعرف مصدر القرصة وحجم الضرر الناتج عنها وكيفية علاجها بشكل يضمن له السلامة، ولا يجره إلي ترك أعراض جانبية قد تكون أكبر ضررا في المدى البعيد من القرصة نفسها ، وهو بذلك يكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمة لأن حواسه أقل قابلية للاستفزاز من غيره .

قد يطول البحث في المقارنة والمقاربة بين الصفتين وهذا ما لا نريده إذ أن هدفنا هو تشخيص حالة فردية وذاتية لشخص بعينه ...

 هل الرئيس ولد عبد العزيز جبان أم شجاع ؟ إن الجواب على هذا السؤال يعيدنا إلي العام 2003 وما سنعرفه لاحقا من تطورات متسارعة في حياة العقيد الانقلابي والجنرال الانقلابي والرئيس الانقلابي...

في العام هذا ظهرت أول بوادر ضعف النظام الحاكم وهشاشة بنيته العسكرية والأمنية أمام أول امتحان فعلي - وإن سبقته بعض محاولات التسلل إلي السلطة بطرق كانت أقل تأثيرا وأكثر ارتجالية من أن تعطي النتائج المطلوبة-، إذ كان الرائد المشاكس وسائق سيارة الأجرة والقومي الإسلامي صالح ولد حننا المفصول حديثا عن المؤسسة العسكرية قد قرر مع بعض رفاقه وضع حد لهذا النظام – ما تحقق لا حقا على يد العقيد ولد عبد العزيز ورفاقه – وإن اختلفت الظروف والمواقع .

لقد كانت محاولة انقلاب 48 ساعة فرصة للعقيد ولد عبد العزيز للحصول على مزيد من ثقة محروسه وصهره ولد الطايع ، الذي أسند إليه كل المهام الأمنية وأعطاه من الامتيازات المعنوية ما لم يكن ليحلم به، ثقة تقاسمها معه خلٌه الوفي قائد كتيبة المدرعات ولد قزواني  الخارج لتوه من هزيمة الدبابات المدمرة ، هزيمة وضعة الرجلين أمام خيارين لا ثالث لهما الانقلاب على ولد الطايع وخيانة ثقته وبالتالي ضمان بقائهم واستمرارهم .

 أما الخيار الثاني فهو تكثيف الجهود من أجل حماية هذا الرئيس ونظامه ، ولأن الخيانة هي البنت البكر للجبن فقد قرر الاثنين معا التخلص من الرجل مصدر الإزعاج ، دون أن يكون لديهما هدف محدد ولا مشروع دولة وهو ما سيظهر لاحقا ، ولأن مخاوف الرجلين أو الرجل، ظلت مرافقة لم يدم صبره طويلا على أبن عمه الذي دفعه للرئاسة دفعا، ليس حبا فيه وإنما جبنا ، وعدم قدرة على تحطيم السلم التراتبية في الجيش وجعله درعا واقيا من ردات فعل بعض القادة الكبار في المؤسسة العسكرية ممن لا يخفون ولائهم للرئيس المخلوع .

ولأنه كان أكثر قربا من القصر فقد كان لديه من العلاقات ما يسمح له القيام بخطوته التالية والتي تمثلت في استجلاب الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي كان وقتها يرتب لخوض حملة الشيوخ كشيخ عن مقاطعة ألاكً ، ورغم محاولات الرئيس السابق بالوكالة أعل ولد محمد فال كسب بعض الوقت وترتيب البيت الرئاسي من الداخل من خلال دعوته للتصويت بالبطاقة البيضاء إلا أن الرجل دفع بالأمور باتجاه آخر، الهدف منه على ما يبدو هو التخلص من الرجلين معا فأجبر أبن عمه على التراجع عن قراره والاستجابة للنتائج الانتخابات المحسومة سلفا .

وكان دائما حاضرا في ذهنه الاستيلاء على السلطة ربما بهدف التغلب على مخاوفه وتأمين مصالحه التي بدأت تتوسع مع كل لحظة تمر في دهاليز السلطة ، فقرر هذه المرة فرض ترقيته إلي جنرال ، أمر لم يجد صعوبة في تمريره بالنسبة لشخص الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي يقدر له دعمه ومساندته بغض النظر عن ما وراء ذلك من أغراض شخصية، فطيبة الرجل تجعله حريصا على حفظ الود ولو لمن جاهره العداء وناصبه الضغينة " لا تثرب عليكم " قال الرجل وهو يودع السلطة بعد أن تم الانقلاب عليه من عقيد الأمس وجنرال اليوم، انقلاب وصفه الجنرال وقتها بأنه ردت فعل في أول ظهور إعلاميي له على قناة الجزيرة .

ولأن الرجل جبان لدرجة أنه لا يثق في صديق كما لا يفرق بينه وبين عدو، فقد قرر أن ينصب نفسه كرئيس في انتخابات 6.6 الصورية والتي أسقطت آخر أوراق التوت التي كان يتستر بها ، فلم يصبر الموريتانيون عليها – وما أكثر صبرهم – فأعلنوا المقاطعة لكن بديهة الرجل في الانقلاب كانت حاضرة فوافق على اتفاق دكار وهو الذي يعلم في نفسه أنه لن يسلم من سوس الانقلابات، المنفذ الوحيد للخروج من المخاوف ...

ولأنه جبان فقد انقلب على العملية الديمقراطية برمتها فعطل كل المؤسسات الدستورية والتشريعية ولم تسلم المجالس البلدية من عملية الوأد هذه ، فالرجل لا يثق في النتائج المفترضة لأي انتخابات محتملة ولا يضمن إن كانت ستكون في صالحه لذا استسهل القفز عليها، وجعل البلد في دوامة لا متناهية من اللاشرعية...

يتواصل

10. مارس 2013 - 18:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا