حسمت المحكمة الدستورية في أنجولا الجدل الدائر حول الانتخابات العامة الأخيرة، وذلك برفضها لجميع الطعون المقدمة من طرف أحزاب المعارضة، وأكدت المحكمة اعتماد النتائج النهائية المعلنة من قبل اللجنة الوطنية للانتخابات (CNE)..
وكانت اللجنة أعلنت - قبل أيام - فوز مرشح الحزب الحاكم جواو لورينسو بنسبة 51.17% في مقابل 43.95% لصالح مرشح المعارضة أدالبيرتو غوشتا جونيور، وهو فارق محدود في بلد إفريقي تكون الدولة ونفوذها وتدخلها غالبا في ميزان الرئيس الحاكم.
بالنسبة للبرلمان، فقد حصل حزب الحركة الشعبية الأنجولية (MPLA) على 124 نائبا، مقابل 90 نائبا لصالح حزب الاتحاد الوطني للثوار (UNITA)، في حين كانت نتائج بقية الأحزاب هامشية لم تتجاوز في مجموعها 6 مقاعد من أصل 220.
أما في موريتانيا فتتجه الأنظار - حاليا- إلى الانتخابات البرلمانية والمحلية 2023 ومن ثم الانتخابات الرئاسية 2024، وهي مناسبة لقراءة في بعض أوجه التشابه والاختلاف بين المشهدين السياسي والديمقراطي في البلدين، وكذلك بين واقع وظروف الرئيسين غزواني ولورينسو:
- كلا الرجلين قادم من وزارة الدفاع ومن المؤسسة العسكرية، وجاء بتزكية من سلفه المنتهية ولايته، كلاهما شهدت علاقته بسلفه بعض التوتر على خلفية ملفات تتعلق بالفساد، وهو ما تطور في الحالة الموريتانية إلى خلاف حاد انتهى بالقطيعة والسجن والمحاكمة، بينما حصلت محاولات للتقارب في الحالة الأنجولية قبيل وفاة الرئيس السابق جوزيه إدواردو، الذي حكم البلاد لفترة طويلة (38 سنة) وانجرت البلاد في عهده إلى حرب أهلية وحشية لم تتوقف إلا في العام 2002.
- كلاهما جاء خلفا لرئيس قوي حظيت البلاد في عهده بفوائض مالية كبيرة، وشهدت - رغم الفساد والاستقطاب - العديد من الإنجازات والمشاريع الهامة خاصة في مجال البنية التحتية والإنشاءات.
- كلا الرجلين صادف خلال مأموريته الأولى أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة، بسبب جائحة كورونا وما خلفته من آثار سلبية هزت العالم وخاصة دول العالم الثالث، ما انعكس إجمالا على ضعف الأداء الخدمي وغياب المشاريع الكبيرة، وولد سخطا شعبيا متناميا، تضاعف ذلك - في موريتانيا - مع آثار الحرب الروسية الأوكرانية وما تسببت فيه من استمرار الارتفاع في أسعار المحروقات والمواد الأساسية.
تتقاطع القوانين الانتخابية في البلدين في العديد من النقاط ويتميز كل بلد ببعض الخصوصيات نشير هنا لأبرز نقاط الاتفاق والتباين:
- تتميز أنجولا بالجمع بين الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني في اقتراع واحد، وهو ما يوفر الكثير من الجهد والوقت ويحفظ موارد مالية هائلة، كما أنه يجعل الاختيار بين أحزاب تقدم برامجها ومرشحيها بشكل متكامل للرئاسة والبرلمان.
- تتميز موريتانيا بتحديد المأموريات الرئاسية في مأموريتين فقط، ما يتيح فرصا كبيرة للتغيير.. فالتداول على السلطة يعتبر من أهم المكاسب الوطنية، وله دور كبير في تكريس الديمقراطية، وتعزيز حق وحرية الاختيار..
وحتى لو حاولت منظومات مدنية أو عسكرية أن تجعل الأمر دُولة بين أفرادها، فإن لحظات التبادل تلك تعتبر فترات مهمة لاختراق تلك المنظومات، بل وتفكيكها، عندما تتضارب المصالح ويتعذر الاتفاق وتنعدم الثقة، وقد أثبتت التجارب أن تلك الروابط ليست قوية ودائمة وقَدَرية كما نتخيل، بل هي مجرد عقود مصالح وامتيازات، ومواضعات أمان وحماية ضد خطر أو مخاطر خارجية مشتركة (وواقع الصراع والتنافر داخل الحزبين الحاكمين يؤكد ذلك)
- يشترك البلدان في وجود لجنة مستقلة للانتخابات.. وتستحق التجربة الأنجولية الدراسة، ويمكن الاستفادة منها خاصة في آلية تشكيل اللجنة الانتخابية وتحديد عضويتها، بعيدا عن المحاصصة الحزبية.
- ويشتركان أيضا في تحديد عتبة التمثيل للأحزاب السياسية، حيث يشترط القانون الموريتاني الحصول على نسبة 1% خلال اقتراعين متتالين، والشيء نفسه في أنجولا، مع اشتراط مقعد في البرلمان بدل النسبة.
أما بالنسبة للمشهد الحزبي فيشهد تباينا واضحا، ففي مقابل الاستقرار والثنائية الحزبية العريقة في أنجولا (حزب MPLA الحاكم، وحزب UNITA المعارض) الحزبان الأقوى والأبرز في المشهد الأنجولي، حيث يتصارعان على السلطة منذ استقلال البلاد عن البرتغال في العام 1975.
في مقابل ذلك، عرفت الساحة الحزبية الوطنية تقلبات كبيرة وكثيرة، فقد اختفت أحزاب مهمة، وتحجمت أخرى تاريخية مؤثرة، وظهرت كتل ومبادرات جديدة.. وتتغير عناوين ومسميات الأحزاب في الموالاة والمعارضة باستمرار، ما يحرمها الاستفادة من الرصيد النضالي التراكمي، ما ولد حالة من الحيرة والإرباك عند الكثير من النخب المثقفة، فضلا عن الناخب البسيط ، الذي يجب أن يغير خطه السياسي، أو ولاءه وانتماءه الحزبي في كل حين..
كما أن تعدد مراكز القوة في المعارضة - وإن كان عامل استقطاب وحشد أحيانا - إلا أنه يفقدها الزخم والقوة اللازمة لإقناع الكثير من المحبطين السلبيين بجدوى المنافسة وإمكانية التغيير.
من المهم أخيرا، التوقف عند توزع النتائج حسب الولايات.. ففي العاصمة لواندا (ثلث الكتلة الانتخابية) فاز حزب UNITA المعارض بحصوله على أكثر من 62% (في حدود نصف الأصوات التي تحصل عليها الحزب)، في رسالة رفض قوية من سكان العاصمة للنظام الحالي.. ولكن في المقابل فاز الحزب الحاكم في 15 ولاية من أصل 18 ولاية، ولعلها نسب وأرقام لا تختلف كثيرا عن الواقع عندنا، ما يحتم على المعارضة - إن أرادت التغيير الجاد - أن تركز جهودها وتوجه طاقاتها للعمل في الداخل، حيث يتراجع الوعي، ويستحكم النفوذ، ويتعاظم التزوير.