انواكشوط بين زمنين / أباي ولد أداعة

كثيرا ما أستوقفني و أثار إعجابي عبر الفضاء الأزرق أهتمام القائمين علي صفحة تاريخ انواكشوط بشأن مراحل نشاة العاصمة وإبراز ملامحه من خلال التعاطي المثير و المستمر والسرد الشيق والدقيق في إطار تسلسلي كرونولوجي لخفايا أحداث و مشاهد معالم وظروف شكلت تأريخيا جزءا من الهوية الوطنية و لوحة فنية رسمت ملامح حياة مشتركة لجيل من الزمن الجميل تميز ببعده الفكري والثقافي و الوطني في إرساء دولة مؤسسات كما ساهم و واكب نشأة انواكشوط صيروريا ومن اللاشئ قبيل وبعيد الثلاثة عقود الأولي من قيام الدولة المركزية .
حيث أن الباحث اليوم عن مواطن و مظاهر هذه المعالم التي شكلت مقومات و ملامح حياة و  ذكريات تاريخية لعاصمة حاضنة لثلث ساكنة البلد تقاطعت أجيال وطنية في جزئياتها و تفاصلها كالتائه داخل المدينة الفاضلة.
فلم يعد ثمة أي أثر يذكر لمشاهد أو معالم أو نشيد وطني يلازم رفع علم الإستقلال بلونيه الأخضر و الأصفر إلا في أذهان و نفوس أبناء الحارة حينها ليس إلا ...!
فمعظم الملامح القديمة داخل وسط العاصمةأختفت و تلاشت تماما عن قصد او غير قصد أو لحاجة في نفس يعقوب الأكيد أنها ليست بأسباب و تأثيرات عوامل التعرية و أن مدينة انواكشوط الفتية حديثة النشأة لم تتجاوز بعد سن التقاعد المعهود.
كتغيير ملكية و واجهة و وضعية بعض مباني الدولة ( ابلوكات ) و أوائل المدارس و المساحات العمومية و الثكنات العسكرية و الأمنية وغيرها خلال العشرية الأخيرة .
في حين شهدت انواكشوط أيضا جملة من المتغيرات بدوافع موضوعية و أسباب طبيعية كان لها الأثر الكبير في إختفاء مظاهر و نمط حياة قديمة و صياغة و إعادة تشكيل ملامح جديدة للمدينة.كإختفاء وسائل نقل قديمة  R4 و R5 و R12 و R16 و 404 كاميونيت و 404 برلين    504 بكل أشكالها وغيرها بسبب تجاوز الزمن لها و متطلبات المرحلة بالإضافة الي دير السينما المنتشرة في أطراف المدينة أنذاك و ما شكلته من ترفيه وتسلية و توعية مدنية و أنفتاح.....
و كذلك إغلاق وتقليص دورمراكز ثقافية لبعض سفارات الدول الشقيقة و الصديقة تعتبر بمثابة معالم ثقافية و مرجعية علمية و أدبية نادرة كانت قبلة أجيال وطنية طلبا للعلم والمعرفة ربما لم تعد الحاجة ماسة إليها الآن في ظل عولمة عارمة غزت البيوت و أختزلت المسافات بين العالم  عبر فضاء أزرق و سوشيال ميديا بلا حدود.
بينما ساهم تغيير العقلية وعمليات النزوح الواسعة من الأرياف نحو العاصمة بحثا عن حياة أفضل في توسع دائرة أحياء الصفيح مماتسبب في خلق ظروف صعبة ومتاعب إقتصادية متباينة للساكنة في ظل غياب مخطط شامل و إصلاح عمراني يستوعب هكذا حالات.
بالمقابل و في ظل إكراهات العولمة و تلاشي المنظومة الأخلاقية و التخلي عن مبادئ وقيم الجمهورية نلاحظ تغييرات سلبية في سلوك ومسلكيات الفرد و المجتمع نتيجة لعوامل عدة :-
1 ‐ تدني مستوي التعليم و ضعف المنظومة.
2 - تراجع صداء دور الإعلام المسموع و المقروء و عجز المرئي عن ملأ الفراغ.
3 - غياب دور الأحزاب السياسية و النخب الوطنية في خلق وعي وطني داخل المجتمع.
4 ‐ طغيان المادة و الجشع علي أكل المال العام ( الفساد في كل تجلياته ) .
5 - غياب الوازع الديني و الوطني .
علي الرغم من الطفرة النوعية و سهولة الحصول و إتاحة وسائل تمكن من الولوج و الوصول الي مقاصد الحياة المختلفة بأريحية مقارنة بالماضي و لأسباب موضوعية متباينة.
فإن ثمة أمور و عوامل من بين أخري ساهمت من قريب أو بعيد في السقوط الحر وفي رسم مشهد علي نسق المخطط الحالي لمدينة انواكشوط و واقعه المعاش .
طابت أوقاتكم .

 

 

26. سبتمبر 2022 - 7:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا