السياسة وغياب الأخلاق.. / يسلم ولد محمدو عبدي

إن مستوى الجهل لدى الإنسان بعلم السياسة ينبع من تصوره اللاعلمي لها، يبني تصوره بالعشوائية، لأنها هي المفسر الوحيد لفشل وغياب فاعلية المؤسسات السياسة في الوطن العربي، لأن السياسة هنا تورث رابطتها للفرد بالقرابة وليس  بالعلم والتخصص، هذا مع الجهل بطبيعة السياسة بإعتبارها علما، لأن " إنشاء علم للسياسة من أكثر المهام الفكرية إلحاحا في وقتنا الحالي" 

تعتبر السياسة نشاط فكري يتم من خلاله العمل بطريقة عقلانية على  تسيير القضايا السياسية والقانونية والاجتماعية مع تحقيق المصالح الذاتية المتمثلة في مصالح الدولة والمجتمع  .
هذا وأن السمة الأساسية للسياسة تتمثل في طريقة التفكيرالعميق الذي ينبغي أن يكون طابعا لكل سياسي يبحث عن ماهية صنع القرار الذي من خلاله يستطيع بطريقة علمية أن يخدم المجتمع بصورة أساسية هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أن السياسة إذا لم تهيئ  لها الأرضية المناسبة فمآلها الفشل لا محالة.

إن السياسة في الوطن العربي تشهد الكثير من الفوضوية التي يعيشها المجتمع مع غياب شبه تام لمفهوم السياسة كعلم لأنها في المجتمع العربي هي الزيف التي يغلف بعسل الكلام، هي الوعود الكاذبة وأحيانا تتعدى الواقع الذي تخرج منه،  وتتنافى مع الواقع الاجتماعي لتصل إلى عالم الارهاصات.
كل طريق يراها السياسي ملاذا لاشباغ رغبات ذاتية يتخذها جوهرا ماديا تغيب فيه الأخلاق وتنعدم، ويبدأ الضمير الإنساني لديه بالتقلّص، مع غياب شبه تام للمواطنة، وتختفي روح الإنسان في البحث عن المادة إلا من رحم ربك.
يقول لويس بورال " إذا كان العلم بدون ضمير خراب الروح.. فإن السياسة بلا أخلاق هي خراب الإنسانية "  هذا أن السياسة صارت في مفترق طرق مع الأخلاق كأنهما أصبحا نقيضين، لأن العمل السياسي في المجتمع العربي كثيرا ما يتسم باللاأخلاق، لذلك يمكن القول بأنه لاتوجد أخلاق في السياسة والعكس صحيح،  لأن الواقع السياسي لايبشر بأن هنالك قيمة إنسانية تتمثل في الأخلاق.
هذه الفوضوية التي يعيشها العالم السياسي هي في غاية البشاعة.
وفي هذا الصدد " لقد سادت أطروحات ميكافيلي في معظمها حول سيادة المصلحة ومحاولة تحقيقها بأية وسيلة بغض النظر عن مدى أخلاقياتها "  لأنه يرى بأن السياسة ينبغي أن تخلو من أي ذرة أخلاقية.

إن الأخلاق السياسية صورة لابد من أن تتجسد في عقيدة السياسيين لأنها هي القيمة التي تعبر عن الإنسان وعن المجتمع الذي يتمثل في الفرد، كذلك الرادع للسياسي من الإنحراف عن المنظومة السياسية الاجتماعية مع التقيد بالمنظومات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
حين تكون الأخلاق حاضرة يصبح الحاكم يصارع المستقبل بقواعد أخلاقية ضابطة لسلوكه، وتصرفاته، ولصيقة بأوامره بإعتبارها تخضع لمعايير أخلاقية في اللاوعي.

لايوجد نبض حياة للسياسة ولاداعي لاستمرارها في الوطن الوطني، ما لم تهيئ لها الأرضية المناسبة، لأن السياسيين لا يسعون في ذلك سبيلا، وذلك يتمثل في نظرة المجتمع السلبية لمن يزاولها، ونظرة الفرد نفسه لها، كأنها أصبحت فقط مجالا لتضييع الوقت لا أكثر.
ومن هنا فقد المجتمع الثقة  في السياسيين وبالتالي ضاع مفهوم السياسة، وما أحوجنا إليها.
حين تفقد السياسة قيمتها تصبح ضربا من الكلام الفارغ الذي لايعبر إلا عن تأملات في الواقع القريب أو البعيد الأمر الذي يجهض تفكير المجتمع مع انتظار نتيجة هذه التأملات التي يستغل فيها السياسي المجتمع إلى أن يصل إلى مكانة أعلى من هرم السلطة.

أصبحت السياسة في الوطن العربي حصان لكل عاطل عن العمل، أو شخص فشل في تعليمه، أو في إيجاد وظيفة ما، أو لأسباب قبلية أو جهوية..
السياسة ليست بالوراثة حتى نورثها لأبنائنا، أو أبناء قبيلتنا إنها فكر والفكر لا يورث، وإنما يعتمد على طريقة تفكير الفرد الذي يرى في السياسة ممارسة ينقذ بها مجتمعه من ضباب الفوضوية التي يعيشها من أجل رؤية عصرية لمجتمع مدني.

إن إشكالية السياسيين اليوم هي أنهم يروا أن السياسة ليست بالفكر وإنما بالتقليد والتقيد، مع أن العكس صحيح " وقد أصبحت أمية الحاكم في كثير من مناطق الدول العربية ظاهرة لا يمكن إخفاؤها، ويصاحبها التعالي عن مشورة المفكرين والاستعانة بدلا منهم بالمحاسبين والتجار الدبلوماسيين " 
إن التفكير السياسي ليس وليد الفراغ بل هو نتاج لتراكمات عديدة من التجارب، وهذا التخبط الذي نعيشه هو مايفسر إقبال غير المتخصصين في السياسة إلى ميدان السياسة لأنهم لايعتبرونها مبنية على معطيات علمية وموضوعية  مع أن العكس صحيح.
وبما أن السياسة مصدرها العقل فهي مبنية على التفكير السليم الذي يخدم المجتمع بصورة أساسية، لذا تحتاج إلى الذكاء أكثر من أي وقت مضى، إلى إتخاذ القرارات الصحيحة التي تخدم الوطن والمواطن.

السياسة هي إنتاج الأفكار التي من خلالها يمكن النهوض بالمجتمعات نحو التقدم والازدهار، هي النهوض من عبثات الماضي ومخلفاته  و " القدرة على تعبئة موارد المجتمع لبلوغ الأهداف التي يتم من خلالها القيام بتعهد علني عام " وهو ما يتمثل في الخطابات السياسية أثناء الانتخابات وإن اختلفت تلك الانتخابات لكن تبقى الصورة واحدة وهي  في الدور الذي يلعبه السياسي في تحقيق أهداف المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

يقترح فيبر ولاسويل " أن النجاح السياسي لفرد ما يكون على حساب فرد آخر معارض له"
لكن ماذا إذا كان نجاح السياسي على حساب المجتمع ؟
لا يمكن للسياسة أن تكون عدوا للمجتمع بقدر ماهي تلبية لحاجياته لأن السياسة تستهدف المجتمع ولا تعارضه في الغالب.
إن الصراع السياسي دائما ما يكون فيه مصلحة المجتمع بحيث يحصد ثمرته، لأن كل الأحزاب السياسية عندما تسعى إلى توسيع نطاق حدودها في المجتمع والدولة عن طريق رسم سياسات إصلاحية تساهم في عملية تسيير البلد بطريقة عادلة يتساوى فيها المجتمع بصورة عامة، بهذا تكون السياسة قصدية وذلك بالتفكير العميق نحو التطور والازدهار.

يختلف مفهوم السياسة من مجتمع لمجتمع ففي المجتمع العربي إذا كنت تتقن فن الكلام فقد أتقنت السياسة وصرت مثالا يحتذى به، بل ونموذجا يريد كل فرد من المجتمع يطمح للمراتب السياسية أن يكون على قدرك وأن يصل إلى مكانتك التي لايمكن الإقلال من قيمتها لأنهم يتعاملون مع السياسة بالهرطقة فقط .
لايتعاملون معها كآلية للفكر العميق تنير أفكار المجتمع وتبحث بكل السبل عن وسيلة بها تطبق العدالة الاجتماعية أو تسعى إلى تحقيقها عن طريق نشر ثقافة الوعي وزرع بذور المواطنة في المجتمع.

ومن هنا فسد مفهوم السياسة وأصبحت لعبة يساء إستخدامها لأهداف غير مشروعة سياسيا ولا أخلاقيا طابعها الأساسي هو الشخصنة الذي يحاول الفرد من خلالها أن يحصل على مكاسب مادية.
والمشكلة هي أن الضحية الكبرى هي المجتمع الذي يوهمه السياسي بتطويره فيستغله في نهاية المطاف بأبشع الطرق الأمر الذي جعل المجتمع يفقد الثقة في السياسة ورجالها. 

4. أكتوبر 2022 - 13:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا