تتأثر العملية الانتخابية بشكل كبير بطبيعة الإدارة الانتخابية، ممثلة في اللجنة أو الجهاز المخول قانونا بهذه العملية، من حيث الإشراف والتسيير والتخطيط والتنظيم والمتابعة.
وتأخذ الإدارة الانتخابية في الدول أشكالا مختلفة، فقد تكون إدارة حكومية، أو إدارة مستقلة، أو إدارة مختلطة.
وقد اعتمد المشرع الموريتاني نموذج الإدارة المستقلة االممثلة في لجنة حكماء مختارة من طرف الطيف السياسي أغلبية ومعارضة، مدعومة بإدارة حكومية مكلفة بدعم المسار الانتخابي تابعة لوزارة الداخلية.
ولهذا أنشأ المشرع الموريتاني سلطة عمومية هي اللجنة المستقلة للانتخابات، بموجب القانون القانون النظامي رقم 2012-027 الصادر بتاريخ 12 أبريل 2012 ، ومتعها بالاستقلال الإداري والمالي، ومنحها صلاحيات تحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية والإشراف عليها بدء بمرحلة التصديق على الملف الانتخابي ولغاية الإعلان المؤقت عن النتائج وإحالتها إلى المجلس الدستوري بقصد الإعلان النهائي، فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والاستفتاء، وكذا الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخرى.
واللجنة مسؤولة عن حسن سير الإقتراع وشفافيته ونزاهته، ولهذا فهي المعنية بالملف الانتخابي، والترشحات، قبول المترشحين، الشعارات، العلامات والرموز الانتخابية، المعدات، مكاتب التصويت، عمليات التصويت، الفرزوصياغة المحاضر، مركزة وإعلان النتائج المؤقتة وإحالتها
وعموما منح المشرع الموريتاني سلطة تحضير وتسيير العملية الانتخابية للجنة المستقلة للانتخابات بالتعاون مع مديرية دعم المسار الانتخابي، وتنسق اللجنة مع مديرية دعم المسار الانتخابي مراقبة تحضير ومراجعة وتسيير الملف الانتخابي والإحصاء الانتخابي، وتعتمد العمليات المناسبة لذلك، بالإضافة إلى إعداد دفتر التكاليف الذي يتم التعهد في طلبيات المعدات الانتخابية على أساسه، واستلام المعدات الانتخابية وتدقيق مطابقتها.
لقد أسند المشرع الموريتاني لهذه اللجنة مهمة مفصلية في تاريخ الأمة الموريتانية ممثلة في إدارة وتسيير وتحضير العملية الانتخابية، بيد أن الانتخابات محطة أساسية في المسار الديمقراطي لأي دولة، فهي محطة حاسمة في إنتاج طبقة سياسية مستقبلية تحمل هموم المواطن وتحقق انتظارات المجتمع، طبقة تتحمل المسؤولية، وتتحلى بالكفاءة، وتحمل تصورا جادا لحل إشكالات التنمية والانسجام المجتمعي، ولن يكون الاستحقاق الانتخابي مفضية لتحقيق الرهانات السابقة دون وجود لجنة انتخابية قوية تتميز بالكفاءة والنزاهة والحياد، ودون ذلك سنبقى في حلقة مهزلة الانتخابات الشكلية التي تعقد الوضع السياسي، وتسبب الاحتقان، الانتخابات التي تفرق ولا تجمع، الانتخابات الهزيلة التي تفرز نخبا ضعيفة وغير مسؤولة، ولا تحمل أي رؤية وطنية.
يمكن للجنة المستقلة للانتخابات أن تحقق رهانات وطنية كبرى، إذا تم الاختيار على أساس الكفاءة والنزاهة والحياد، وكانت لجنة تحمل تصورا وطنيا وفهما عميقا لأهمية المسار الانتخابي الشفاف والنزيه المفضي إلى تحول الحياة السياسية نحو الأفضل، ومن هذه الرهانات:
• رهان الاستقرار السياسي: إن استطاعت اللجنة أن تسير الانتخابات وفق مبادئ الشفافية والنزاهة بجميع أبعادها السياسية والمالية والإدارية، كان ذلك سببا في رضى الأطراف السياسية وقبولها بالعملية ومخرجاتها، وهذا لعمري أهم مقوم من مقومات الاستقرار السياسي
• رهان الانسجام الوطني: تستطيع اللجنة الانتخابية من خلال دورها التوعي أن تسهم في تعميق روح المواطنة، وإعلاء قيمة الوطن، والاستثمار الايجابي للتنافس، بعيدا عن النزعات المفرقة والخطابات العنصرية
• رهان التنمية: يمكن للجنة الانتخابية أن تلعب دورا أساسيا في التنمية من خلال تهيئة المناخ لاختيار الأكفأ الحامل للهم الوطني، ومن خلال محاربة المال السياسي، ومواجهة الرشوة الانتخابية وشراء الذمم.
• رهان جذب الاستثمارات: إن نجحت اللجنة الوطنية للانتخابات في تسيير انتخابات شفافة ونزيهة، فإن ذلك سينعكس إيجابا على سمعة البلاد، مما سيكون له الأثر الإيجابي على جذب الاستثمار وتعبئة الموارد وثقة الشركاء.
لقد منح المشرع الموريتاني اللجنة الانتخابية الاستقلال الإداري والمالي، وهذه مزية حاسمة في عمل اللجنة إذا قبلت الحكومة بذلك، وأحجمت عن التحكم والإملاء، وكانت اللجنة على مستوى التحدي متمسكة باستقلالها وعدم تبعيتها لأي جهة، ويعتبر الاستقلال الإداري غاية في الأهمية، لكن يبقى الاستقلال المالي من الرهانات الحاسمة في أداء اللجنة وجودة عملها، ويقتضي إقرار اللجنة لمواردها المالية وجاجياتها اللوجستية، وتسليمها الحكومة تلك الموارد دون أن تكون لها عليها سلطان، ويبقى تحكم الحكومة في تلك الموارد خرقا للقانون، وتحكما في عمل اللجنة يقوض اختيار المشرع وتوجهاته.
وضع المشرع عدة ضمانات لاستقلال اللجنة الإداري والمالي، منها:
• طريقة التعيين: يتم تعيين أعضاء اللجنة عن طريق لجنة من المعارضة والأغلبية تتكون من ثمانية أعضاء برئاسة مشتركة، تستعرض لائحة من 22 شخصا، يتم اختيار 11 شخصا من بينهم وإحالتها إلى رئيس الجمهورية للتعيين، وفي حالة عدم الاتفاق تحال 22 شخصا للرئيس لاختيار 11 عضوا من بين أعضائها لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات" لجنة الحكماء".
• عدم قابلية أعضائها للعزل: لا يمكن عزل أعضاء اللجنة قبل انتهاء مأموريتهم، ولا يمكن إنهاء وظائهم إلا في الحالات النالية:
بطلب من المعني؛
بعجز بدني أو عقلي يقره طبيب تعينه هيئة الأطباء بناء على طلب من لجنة التسيير؛
انحياز واضح أو إخلال جسيم و ثابت بأحد الالتزامات المترتبة على وظيفته؛
تغيب غير مبرر عن ثلاث (3) اجتماعات رسمية متتالية.
الحصانة ضد المتابعة: لا يمكن ملاحقة رئيس وأعضاء اللجنة الانتخابية أو البحث عنهم أو القبض عليهم أو حجزهم أو محاكمتهم لآراء عبروا عنها أو لأعمال قاموا بها أثناء تأدية وظائفهم، إلا في حالة التلبس، ويمكن للجنة الانتخابية رفع هذه الحصانة بقرار يتخذ بأغلبية ثلثي أعضائها (2/3).
تواجه اللجنة المستقلة للانتخات تحديات كبيرة، يمكن أن تؤثر على أدائها، بل تقوض عملها منها:
حسن اختيار لجنة تسيير اللجنة : ويعتبر هذا من أخطر التحديات، فعندما يتم اختيار أعضاء اللجنة على أساس الكفاءة والنزاهة تكون النخب السياسية قد أحسنت الاختيار، وتجاوزت عقبة كأداء مؤثرة بشكل حاسم في أداء اللجنة وقيامها بمهمتها.
الاستقلال الإداري والمالي: فكلما تكرس هذا الاستقلال وتجسد، كلما تمكنت اللجنة من حسن الأداء، ومن جودة التحضير والتسيير.
اختيار الطواقم المركزية واللجان الولائية والمقاطعية: عندما توضع معايير موضوعية وواضحة، يتم على أساسها اختيار طواقم اللجنة المركزية أو المحلية، تكون اللجنة قد قطعت شوطا في حسن تنظيم وتسيير الانتخابات، وكلما كانت الطواقم ضعيفة الكفاءة ومختارة على أساس الزبونية واستغلال النفود كان ذلك مقوضا لعمل اللجنة وسيئا.
التنظيم الجيد للاحصاء الانتخابي، ومحاربة ظاهرة ترحيل الناخبين: وهذه من التحديات الكبرى التي على اللجنة التعامل معها بصرامة وجدية
تدخل الإدارة والجيش في العملية الانتخابية: يجب أن تحرص اللجنة على وقوف الإدارة والجيش على نفس المسافة من المتنافسين، وأن تعمل على تفعيل قانون التعارض
مواجهة المال السياسي والرشوة الانتخابية: من منغصات العملية الانتخابية انتشارالمال السياسي، ورشوة الناخبين، وهو ما يتطلب صرامة وقوة ويقظة، وتطيق القانون في هذا الإطار
حسن اختيار مكاتب التصويت، وأعضاء هذه المكاتب: من التحدبات الكبرى أمام اللجنة مراعاة التطبيق الصارم للقانون في التقطيع الجغرافي لمكاتب التصويت، ومنها اختيار رؤساء ومكاتب التصويت على أساس الكفاءة والحياد، وفي هذا الإطار يتعين عليها تجنب مكاتب العائلات والأقراد.
معالجة التظلمات بكفاءة في الوقت المناسب.
تبقى اللجنة المستقلة للانتخابات أهم ضمانة لشفافية ونزاهة الانتخابات إن توفرت الإرادة السياسية الجادة وحسن الاختيار، وتكرست مقتضيات الاستقلال الاإداري والمالي، وتبقى الانتخابات الشفافة والنزيهة رهانا وطنيا يؤسس لبناء وطن متجانس، ومستقر ويتطلع لمستقبل واعد، تتجسد فيه دولة القانون وتتحقق التنمية، وتتكرس المواطنة، وتصان حقوق الإنسان.
الدكتور سيداب عالي