بشراك بالخير أيها المواطن فقد قرب أوان الإياب ولوّح موسم عناق النفاق بالشروق. ولا شيئ مستحيل بعد اليوم. فربما تعانق من عجزت على مر السنين عن مصافحته. وسيبتسم لك من كان يعبس بمقدمك، ويعطي التعليمات بحجبك عن مكتبه، وإبعادك عن واجهة قصره، وينظرك من هناك كأنك تتسوله ماله الذي ورثه عن أبيه.
أبشر بمقدم المحجوبين، أصحاب الضمير، أوفياء العهود. فقد حان أوان التفاتهم إليك والتفافهم حولك والتودد إليك، فلقد بان بيان اللجنة المستقلة قبل أيام معلنا عن قرب موسم النفاق. فلا تستغرب لو طرق بابك من وصد في وجهك بابه وأسدل حجابه ولم يكتبك في برنامج لقائه.
لا تستغرب لو جاءك جميع الساسة يفترشون الأرض لتواضعهم، وينفقون الوعود السخية، يجولون بين أحياء الضعفاء يرافقهم مصور بارع يلتقط صور إنسانيتهم ليضعها تحت شعار رنان يشد قلب الناخب الرقيق.
وأنت مواطن الداخل أبشر، فقد اقتربت ساعة عودة النائب لمقاطعته، ليقدم أعذارا عن طول مقاطعته، وكيف رن الهاتف ولم يسمع، وكيف أضاع رسائل مشاكل المدينة قبل أن ترفع، لقد كان لمدينته لا ينفع، وإن أكل مالها ولم يشبع، فهو وأقرانه لن يخذلهم الكلام، لأنهم أمراء الكلام في زمن الكلام وبيع الأوهام.
وبعد أن أيقنوا أنا نخدر بالتسويف، ويردعنا التخويف، ويخرسنا طمع التوظيف، استباحوا أرضنا ومالنا وأخلفوا ميعادنا وعادوا اليوم ليعيدوا فعلة الأمس القريب.
ربما نكون مللنا مقالات نقد الحكومة ونقد المعارضة والوطن، والنقد من أجل النقد، ولكن حري بنا اليوم أن نتطلع إلى تجنب أخطاء الأمس بإسناد الأمر لغير أهله، فالمؤمن لايلدغ مرتين ونحن لدغنا مرات ومرات.
علينا أن نعي أن مصلحة الوطن تأتي قبل العصبية والجهوية والقبلية، والكرامة أغلى من أن تهدر بخمسة آلاف تحت شمس المهرجانات، والتصويت بيعة وأمانة لا تباع بعشرة آلاف زائلة لتبقى الحسرة والهموم تلازمنا خمس سنوات أخرى. لقد مللنا عبارات النفاق التي أخرتنا كثيرا، وما فتئت تردد على مسامعنا "الإرادة السياسية الجديدة " و"الإصلاح الجذري " و"الرعاية الحكيمة " الخ... عبارات طال ما أطلقها من لسان حاله ينشد:
ما دمت في جنة النفاق فاعدل بساق ومل بساق
ولا تقارب ولا تباعد ودر مع الثور في السواقي
فكل شيئ ككل شيئ ما دمت في جنة النفــــــاق
إن بيعنا مستقبلا أفضل من أجل دراهم زائلة جريمة نكراء في حق أنفسنا وأبنائنا، وفي حق المرضى الذين يتجرعون الألم على أسرة المشافي دون أن تمتد لهم يد الرعاية، وجريمة نكراء بحق جائعينا الذين يمضغون الحسرة جراء ما ألم بهم من ضنك الحال وقسوة الفاقة في بلد يعج بالخيرات، وجريمة في حق المثقفين الذين يموتون على كراسي الإنتظار في طوابير تقدم أصحاب النفوذ فقط، وجريمة في حق براعم الأطفال الذين يعانون فساد التعليم الذي يدفعهم إلى أن تكلفوا دخول المدارس المرة.
لن تتقدم البلاد ونحن نختار السائس على أساس العصبية أو الطمع، وعلى الجميع أن يدرك أن الوطن بحاجة الى التكاتف والتضحية من أجل الإصلاح، وأن الوطنية لا تدرك بالتعصب لحزب أو تمجيد تاريخ شخص وتقديسه أو بالتلفيق ونشر الأحقاد على شريحة من المجتمع.
الوطنية هي انتمائنا لوطننا ومواطنيه، ننصر المظلوم ونعترض على الظالم، ونقول للمخطئ أخطأت ولو كنا رشحناه، ونقول للمصلح أحسنت ولو كنا عارضناه، فالوطن باق والأشخاص زائلون...