إذا كان مجتمعنا هذا مجتمع البيظان الذي يشرفنا الأنتماء إليه لم يمكنه وعيه للواقع والظروف المحلية والدولية ما يجعله يدرك حقائق الأمور ويعلم استحالة استمرار التعامل بعقلية الماضي البدوي، العبودي ، التراتبي الذي يضع الناس في مستويات ومواقع ومراتب حددتها الطبيعة لايمكن تغيرها ولايمكن تجاوزها، نبلاء يورثون نبلهم ووضيعون يورثون وضاعتهم بغض النظر عن التميز في العلم والأدب أو في إتقان الفنون والحرف أو في التقى والفجور أو في الصدق والأمانة والكذب والخيانة ،فعقول المجتمع المتخلفة تعترف بذلك الفارق الأزلي الذي لا يتأثر بالعوامل ، وتطبعه بشرعية القبول في مجتمعنا المسلم الذي يفترض فيه أن لايقبل إلا ما ينسجم مع الإسلام وتعاليمه السمحة..
إن من أغرب الظواهر سكوت علماء الإسلام عندنا عن واقع مجتمعنا غير الطبيعي فقد شكل هذا السكوت الذي لا أعلم سببا وجيها يبرره أسلمة هذا الواقع وقبوله والتمسك به من طرف العامة ومن طرف ما يعرف بأهل الحل والعقد ومن السلطة في الأزمنة المختلفة ، وإننا نعلم أن العلماء في كل الأزمنة يدركون لا إسلامية كل تمييز وكل استهانة بكرامة الإنسان وأهليته لنيل مواهب الرحمن غير مرتبط بلون أو عنصر أو نسب ، فالإسلام هو دين المساواة والعدالة ونصوصه صريحة من الكتاب والسنة وهذا الشكل من السلوك ومن العقلية لا سند له من دين ولا من منطق لكنه ترسخ واستمر بسبب السكوت عنه وقبوله عمليا ممن ينتظر منهم الرأي والفتوى !!
إننا اليوم سجناء عقلية وسلوك تم التعود عليهما وقبولهما بحيث صار المجنون هو من لايقبلهما وينسجم مع مقتضياتهما الأمر الذي صار فيه مجتمع البيظان لايتفق على شيء كاتفاقه على استمرار التراتبية والتمييز ثابتان مترسختان مع ما في ذلك من مخاطر وجودية جدية وصريحة نتيجة استمرار تلك العقلية والسلوك، فالسلطة والمعارضة متفقتان في هذه المسألة رغم اختلافهم في كل شيء آخر، و العلماء والمثقفون والأدباء والكتاب ، جميعهم يعيشون براحة بال و اطمئنان، يفكرون في كل شيء إلا التفكير في علاج هذه المسألة وتصحيح العلاقات الداخلية للمجتمع، فترى قادة مجتمع البيظان بليغين وفصحاء إلا في إظهار أهمية الوعي بإلحاح علاج العقليات المترفعة والسلوكيات التراتبية اللتين لم يبقى الوقت يسمح باستمرارهما!!!
إن التخلف الذي نرزح تحت تأثير ناره في كل مناح حياتنا سببه نظامنا الأجتماعي الذي حرمنا من الوحدة الحقيقية والتعاون البناء للتطور والتقدم ،فامتناع جزء من الشعب عن العمل وترفعهم عنه سببه هذه السلوكيات، وبذلك تم تعطيل جزء كبير من المجتمع عن المشاركة في النشاط المفيد، وإن سوء التسيير واختلاس المال العام سببه عقلية التميز التي هي عقلية الكثير ممن يعتبرون ما تصله أياديهم حقا لهم وامتيازا ولا غضاضة في العمل به ما يضمن راحتهم وأسرهم وأهلهم، فتراهم يملؤون المصالح التي يتولون المسؤولية عنها من قربائهم ،ويستولون على مالها لبناء دورهم وشراء قطع مواشيهم والتمتع بها بكل صنوفه؛ إن سبب الفساد عقلية فاسدة لاتحدد مالها وماعليها وما على الجميع لمجتمعهم ،وكيف تكون الحياة ولا سبيل لكل ذلك إلا بوعي حقيقي وإدراك تام لحقائق الأمور وكل ذلك بعيد كل البعد عن من يغطون في نوم عميق ؟!!