قراءة في التاريخ / الحاج ولد المصطفي

جمهورية مالي الشقيقة انبثقت عن السودان الفرنسي وكانت حدودها تصل إلي منطقة الحوض حتى سنة 1944 م وهو واحد من الأخطاء الكثيرة في مجال التقسيم الإقليمي التي ارتكبها المستعمر الفرنسي، والتي لم يراع فيها غير مصالحه الآنية

 و الاستراتيجية والاقتصادية، لكن "موريتانيا الكبري" – بعبارة الأستاذ المختار ولد داداه- كانت أوسع من ذلك بكثير في طموح قادتها المؤسسين وأبنائها المخلصين. فكيف يتعلم القائمون علي الأمر في البلاد شيئا من التاريخ ؟

عمل الإستعمار الفرنسي علي تمزيق الأمة الإسلامية وطمس هويتها ووأد جذوة حضارتها وذلك من خلال مخططات تقسيم تشتت الأوصال وتقطع الروابط وتثير الحساسيات بين جميع مكونات الأمة ، وكان واضحا للقادة السياسيين الأفارقة (العظام) حجم تلك المخططات والدسائس والشراك المنصوبة هنا وهناك .ولم يقبلوا الوقوع في فخاخ المؤامرة الإستعمارية الهادفة إلي تحطيم الثقة بين شعوب المنطقة وجرها إلي التنازع والإقتتال ومن ثم إتاحة الفرص ثانية لتدخلات استعمارية تحت أغطية وذرائع معلومة سلفا .كان الأستاذ المختار ولد داداه واحد من ألئك القادة الذين تنبهوا جيدا لتلك الأوضاع وعمل علي معالجة ما يخص موريتانيا مع جيرانها بالحكمة والشجاعة والوعي .

تمثلت حكمته في رسم حدود موريتانيا الكبري منذ خطاب 1957بآطار (من آزواد إلي الصحراء الغربية)عندما ربطها بأتراب البيظان وأرض شنقيط التاريخية متخذا من الهوية الإسلامية والحضارة المرابطية وأمجاد الدولة الغانية والفوتية  نبراسا يحدد به المجال الجغرافي في التصور الوطني  النابع من الضمير الجمعي لأمة تعرضت لغزوة استعمارية مزقتها وأفقدتها القدرة علي التماسك والوحدة ورسخت في وعي بعضها مفاهيم الإنقسامات والتشرذم واستمر الأستاذ المختار ولد داداه علي نهج الشجاعة في المواجهة في أصعب الظروف عندما كانت البلاد صحراء قاحلة لا عاصمة ولا طرق ولا مطارات ولا موظفين ولا إدارات ولكن إرادة قوية وعزيمة لا تتزحح ، وكان الإستعمار لايزال قائما والأطماع تتكالب من كل حدب وصوب .

- كانت المملكة المغربية تبحث عن ضيعة جديدة توسع بها عرش الملك

- وكانت مالي لاتزال تمانع في الإعتراف بالحدود الجغرافية التي جعل بموجبها الإستعمار الحوض يتبع للجمهورية الإسلامية الموريتانية باعتبار أنه جزء لايتجزء من "آزواد" وامتداده "تيلمس" .وقد كتبت وقتها جريدة فرنسيةبمناسبة لقاء الرئيس المالي موديبو كيتا بالملك المغربي محمد الخامس قائلة: ("نحو اقتسام موريتانيا"[1]، وقالت في التعليق إنه يبدو أن مشروعا من هذا القبيل قد يكون أعد قبل أشهر، ويقضي بتقسيم موريتانيا ثلاثة أجزاء: الجزء الشرقي لمالي والجنوبي للسنغال والباقي للمغرب.

والأخطر من ذلك تقول مذكرات الأستاذ المختار ولد داداه(أنشأت مالي بالتواطؤ مع المغرب مجموعات انتحارية إرهابية أشاعت الرعب وعدم الاستقرار في المناطق الحدودية مع موريتانيا، وأقلقت المراكز الإدارية فيها. وقد جاء بعض هذه المجموعات من المغرب وبعضها تم اكتتابه محليا في مالي بتمويل من المغرب)

وكانت إسبانيا تحتل الصحراء الغربية أو الولاية 13 من موريتانيا

وكان المغرب شديد التشبث بالصحراء الغربية لدرجة مطالبته بضم موريتانيا إذا لم كانت ستقف في وجه ضمه للصحراء.ومع ذلك كثفت موريتانيا جهودها لتوحيد الجزء المتبقي تحت السيادة الإسبانية وقد جاء فى تصريح للجنرال فرانكوالإسبانيفى 20 إبريل 1971 أثناء لقائه فى مادريد مع وزير خارجية موريتانياالسيد حمديولد مكناسما نصه: "…إن الصحراويين بيضان مثلكم لا مراء فى ذلك…وإذا جاء ذلك اليوم الذى سينفصلون فيه عنا، ولو كان ذلك غير متوقع إطلاقًا، فإنهم لن يجدوا ملاذًا سواكم أيها الموريتانيون…فليس بينهم قاسم مشترك مع المغاربة الذين هم فى نظرهم غرباء تماما".

أما الوعي الذي تحلت به قيادة موريتانية التاريخية فتمثل في واقعيتها السياسية ولجوئها إلي أسلوب الدبلوماسية النشطة والإقناع بالأدلة التاريخية الناصعة والأطر القانونية الدولية  والمنابع الإعلامية رغم شح الوسائل وكثرة التحديات .

لقد استطاع المختار ولد داداه أن يهزم الأطماع المغربية وأن ينتزع شوكة التحدي من حلق الحكومة المالية ويسير بالدولتين في طريق يضمن لموريتانيا الكبري شيئا من مكانتها التاريخية ويحقق لشعبها احتراما في كل الدولة .

14. مارس 2013 - 21:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا