تفاجأت قبل سنوات خلال زيارة عمل لواحة "التقادة الواسعة "التابعة لمقاطعة كرو من حجم الضرر الذي تسببه يرقة حشرة للساكنة حيث بدت تلك الواحة منطقة منكوبة غير معلنة وبعد عودتي للمنطقة سنة 2017 كانت الحشرة قد انتشرت على مساحة أوسع فكتبت مقالا لإثارة الموضوع، ثم عاودت الكرة عام 2021 بعد تفاقم المشكلة لكن لا حياة لمن تنادي، بالرغم من ان الموضوع يدخل في دائرة اختصاص ثلاث وزارات هي: الصحة والتنمية الحيوانية والبيئة هذا فضلا عن وجود مشروع معني بالمشكلة وهو REDISSE يملك الموارد المالية والقدرة علي التنسيق بين القطاعات الثلاثة لكونها وصية عليه.
رصدت خلال خمس سنوات العديد من الشكاوى والمطالبات من السكان عبر قنوات عديدة، لكن لم الحظ اية ردة فعل من جهة معنية، باستثناء محاولة للاستجابة من وزارة الزراعة الجهة الغير معنية بشكل مباشر، لم تلبث ان اجهضت بعد تعديل وزاري مباغت.
اعود اليوم لإثارة الموضوع للمرة الثالثة بعد ان رصدت خلال موسم الخريف الحالي اتساعا غير مسبوق للحشرة وكثافة كبيرة لأعدادها، مما ينذر بكارثة، فالظروف ملائمة لانتشارها وقد تتحول الي جائحة يصعب التعامل معها، فهنالك ولايات مهددة بالخطر كالحوض الغربي ولبراكنة والترارزة.
آفة خطيرة
شهدت عدة ولايات من الوطن وخصوص شمال لعصابة في السنوات الاخيرة ظهور آفة ضارة الصحة العامة والمواشي تعرف شعبيا باسم الدويدة، تعيش في أشجار الطلح، وقد وقفت شخصيا على حجم أضرار تلك الآفة، والتي تمثلت أساسا بالتهابات للمجاري التنفسية والاغشية المخاطية وحكة جلدية واضرار نفسية ناجمة بسبب الخوف من تأثيرات الحشرة، اما بالنسبة للماشية فتمثلت الاضرار بإجهاضات متكررة ونفوق للماعز والإبل بشكل خاص وان كانت الأغنام تتأثر أيضا.
تنتشر الدويدة في فصل الشتاء وقد تتكاثر لتغطي معظم سطح الأرض ،لدرجة ان الساكنة تُصاب برهاب وقد يصل الأمر بهم أن يضطروا للتجمع طيلة اليوم علي ما تيسر من الأسرّة التقليدية (لخبط) فلا مجال للنزول إلا لحاجة ماسة مع أن الحشرة قادرة علي الصعود وللوصول الي اكثر الأماكن حميمية في الجسم مما يسب حكة وتهيجا للأنسجة بفعل تأثير اوبارها الدقيقة التي تنغرس في الجسم ،كما ان الديدان الميتة تنشر الاوبار في الجو، مما يُسبب تهيجا للمجاري التنفسية والاغشية المخاطية فتحمر العيون ويتهيج الأنف ،أما بالنسبة للماشية فتعد الإبل والماعز اكثر الحيوانات تأثرا فتصاب بالانتفاخ والتقيؤ وينتشر فيها الإجهاض وينفق الكثير منها واصبح تجار الماشية يتعرفون علي الإصابة ويمتنعون عن شراء الحيوانات المصابة ،وقد ساهمت الحشرة في افقار مئات الاسر بسبب فقدان قطعان ماشيتهم بشكل كامل.
وزارات عاجزة
بالرغم من حجم الاضرار المسجلة والشكاوى المقدمة على مر السنين لم تستطع الوزارات الثلاث المعنية أن تتعامل مع تلك المشكلة وآثرت اتباع سياسة التجاهل، الأمر الذي يُرجعه بعض كوادرها الي جهلها بطبيعة الآفة وكون هذا المعضلة نازلة جديدة لا تعرف كيف تتصرف معها وعلى العموم فلم تُسجل حسب علمي أي ردة فعل من الوزارة اتجاه هذه المشكلة، ولا تُعد وزارة الصحة أحسن حالا فمعاناة القرويين النفسية والصحية من الالتهابات التنفسية والجلدية لم تحظ هي الأخرى بأي عناية من تلك الوزارة. ، اما وزارة البيئة فلا امل فيها أصلا وهي الوزارة الناعمة التي تكتفي بنسختها الرقمية.
مساهمة في التصدي للآفة
بعد زيارة العديد من المناطق الموبوءة، والتعرف على حجم المشكلة ودراسة سلوك الحشرة والاطلاع على الأدبيات العلمية ذات الصلة، أقدم مساهمة متواضعة للمساعدة في حل هذه المشكلة وإنارة الرأي العام حولها، أملا في تحريك المياه الراكدة بما يخدم محتاجين منسيين لا يكترث أحد لنداءاتهم:
إن الدويدة هي عبارة عن طور يرقي حشري Chenilleلفراشة من رتبة حرشفية الأجنحة Lépidoptèreتظهر بعض فقس البيض علي شجرة الطلح Acaciaraddiana
وتتبع الحشرة لعائلة Lycaenidae ولجنس Deudorixولتحت الجنس Viracholaأما تحديد النوع فسيحتاج الي مختص في علم الحشرات Entomologiste
تكمن مشكلة الحشرة في امتلاك يرقتها لما يربو على نصف مليون وبرة poils urticants تنثرها في كل مكان، وتُلوث بها أوراق النبات والجو وهي قادرة على اختراق الجلد عند الملامسة، كما يتم استنشاقها لتسبب مضاعفات صحية ونتيجة للطبيعة الكيميائية لتلك الأوبار فلا يمكن هضمها من طرف الحيوانات، كما انها قادرة على إحداث التهيج للأنسجة نتيجة اختراقها للجلد؛
ينحصر وجود الحشرة في مناطق انتشار شجرة الطلح ويُعد قلف جذوعها ملاذا لاختباء اليرقات والحوريات؛
لم أستطع مشاهدة سوي عدو حيوي طبيعي واحد لليرقة فالطيور تعزف عن أكلها، لكن الجعالات من رتبة غمدية الاجنحة تتغذي عليها.
سبل المكافحة والوقاية من الأخطار
اجراء مزيد من الدراسات للتعرف على دورة حياة الآفة وتحديدها نوعها بدقة؛
رش قلف أشجار الطلح في الأماكن الموبوءة بمبيد حشري من مجموعة البيرثرنويدات الصنعيةPyréthroïdes de synthèse؛
توعية السكان وتكوينهم على الطرق الآمنة للقضاء على اليرقات وتحديد بؤر الاصابة؛
في حال التعرض للحشرة يتم الاستحمام بالماء والصابون وغسل الشعر دون فرك الجلد وعزل الالبسة الملوثة وحفظها في اكياس البلاستيك لحين غسلها بالماء الساخن؛
عدم لمس الحشرة وفي حالة الملامسة يجب الامتناع عن حكة الجلد المصاب واستخدام شريط لاصق لإزالة الاوبار؛
في حال ظهور مضاعفات تنفسية يرجي استشارة طبيب مع ذكر انتشار حشرة ذات أوبار poils urticants لمساعدته علي حُسن التشخيص.
يمكن بسهولة إن توفرت الارادة الصادقة تصميم برنامج مندمج لمكافحة تلك الآفة، بما يحمي السكان ومواشيهم وبيئتهم وبأقل الاثمان.
جهات ان تضافرت جهودها يمكنها حل المشكلة وتخفيف اثارها على السكان
• وزارة الصحة
• وزارة التنمية الحيوانية
• وزارة البيئة
• مشروع REDISSE
• مركز مكافحة الجراد
• مندوبية تآزر