ثقافة الإنقلابات / الحاج ولد المصطفي

 الثقافة "الإنقلابية" متأصلة في حياة الحل والترحال والخيام المطوية المحمولة علي ظهور العيس والإرتجالية التي طبعت مسيرة بناء الدولة الموريتانية الحديثة ونمط التفكير القائم علي مرجعية القوة والقدرة علي الفعل دون تحكم واضح للقيم والمعتقدات. وقد أنتجت تلك الأوضاع دولة تعاني من عدم الإستقرار السياسي

 والتذبذب الإقتصادي والتخلف المدني. فهل يتحدد مفهوم الإنقلاب في الثقافة السياسية المحلية من التراث الثقافي والإجتماعي أم أن مفهوم الإنقلاب نابع من القاموس العسكري ومفردات القوة والعصبية والنفوذ ؟

الثقافة العربية لمجتمع البيظان بصفة خاصة زاخرة بالمعطيات التراثية الدالة علي النمط الإنقلابي في التفكير والسلوك والحياة العامة ويمكن إعادة ذلك إلي العوامل التالية:

1-   البيئة الطبيعية وظروف الحياة البدوية:

مجتمع  "أرض البيظان" عرف عدة تسميات مثل "صحراء الملثمين " و"بلاد شنقيط  " و"بلاد التكرور" لكن أكثرها دلالة علي مفهوم الإنقلاب  هو: الأرض السائبة  أو بلاد السيبة حيث يحمل هذا الإسم دلالات واضحة تلخص أسباب غياب القانون وضعف وازع القيم والدين .ومن أبرز المميزات الجغرافية المؤثرة أن 95% من الأراضي صحراء شاسعة تتميز بندرة كبيرة في الأمطار حيث تصل 50مم في السنة  وارتفاع ملحوظ لدرجات الحرارة التي تزيد في فصل الصيف أحيانا عن 50درجة  ويعتمد السكان في حياتهم الإقتصادية علي الماشية من إبل وأبقار ومعز بالإضافة إلي النشاط التجاري والزراعي بدرجة أقل وكل تلك المعطيات جعلت حياة السكان تميل إلي عدم الإستقرار وانتجاع المراعي والبحث المستمر عن نقاط المياه ومقاومة موجات القحط والشدة والفقر وقد نالت تلك الظروف من قيم الرجال ودفعت الكثيرين إلي حياة الصعلكة وممارسة الظلم الإجتماعي ، فنشأت الفئيات الإجتماعية المقهورة والمضطهدة  وانتشرت قيم القوة و نزعة الغلبة والقهر ومورست أفعال شنيعة في حق بعض الموالي والمستضعفين من الرجال والنساء.

2-   الصراع التاريخي بين قيم الشريعة وقوة السلاح

عرف تاريخ مجتمع البيظان أنواعا من الصراع المحتدم علي مراحل طويلة بين فيئات أساسية في النسيج الإجتماعي المحلي سواء منه ما تعلق بنشر الدين الإسلامي أو تمكينه من السيطرة علي المجتمع أو ما مثلته ردة الفعل القوية ضد التوظيف السياسي للدعوة الإسلامية ونشر الدين كما هو الحال في حروب "شر بب " ومن بعدها صراعات لعرب وازواي وتحديات الفئات المسحوقة من وقت لآخر كل ذلك خلق أجواء عدم الإطمئنان  والإنسجام داخل المجتمع المتخاصم  .

3-   دخل المستعمر الفرنسي البلاد في وقت كانت النزاعات منتشرة والعداوات كبيرة بين شرائح المجتمع وفئاته ، فبادر الإستعمار إلي استغلالها وتوظيفها لخدمة أهدافه وتأجيجها من وقت لآخر وتعميقها أحيانا من خلال تمكين طرف علي آخر .

4-   النشأة الإرتجالية للدولة

جاء إعلان الإستقلال مفاجئا وترتبت عليه مغامرة كبيرة قادها زعيم وطني مخلص لكنه يعترف هو نفسه أن ظروف النشأة كانت شبه مستحيلة نظرا لغياب مقومات الدولة واستفحال الصراعات المجتمعية وتحدث المختار ولد داداه في مذكراته قائلا: ما مضمونه أن كل فئة كانت لا تريد للفئة الأخري أن تحصل علي مكانة في الدولة الحديثة وأنهم كانوا يفضلون الحاكم الفرنسي علي "العربي" بالنسبة "للزوايا" وعلي "الزاوي" بالنسبة "للعرب". وربما كان من دوافع أول انقلاب شهدته البلاد شيء من ذلك الصراع الخفي.

 

هكذا تسللت ثقافة التخلف المجتمعي إلي عمق مؤسسات الدولة الحديثة واختلطت مفاهيم الماضي بروح العصر ونسجت قيادات جيشنا الباسل من ذلك كله ممارسة عنيفة للإستحواذ علي السلطة وتكريس هيمنة القوة وتعميق المفاهيم السلطوية وتجذيرها من خلال مرتنتها وربطها بالموروث الثقافي المتخلف جدا .

17. مارس 2013 - 16:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا