حكم الشعب لنفسه هذا هو الأصل لكلمة ديمقراطية، وهي منظومة من القيم تهدف من ضمن ما تهدف إليه إلى التداول السلمي على السلطة، والمشاركة بدل المغالبة، وليست مختزلة البتة في صناديق الاقتراع أيا كانت نتيجتها، فالنظام القادم عن طريق صندوق الاقتراع،
وبطريقة شرعية، قد يفقد شرعيته تلك بمجرد التنكر لتلك القيم، أو يتحول من خدمة شعبه إلى خدمة نفسه كما هي الحال عندنا اليوم في موريتانيا.
لست بصدد التشكيك مطلقا في أن النظام الحالي منتخب وبصفة شرعيه ونزيهة، وبنسبة تجاوزت اثنان وخمسون في المائة، ولكن ما أريد أن أبينه هو أن هذا النظام ومن اليوم الأول بدأ يفقد نفسه للشرعية شيئا فشيئا من خلال نمطه السلوكي المتغطرس (العسكري) الذي لا يمكنه التخلي عنه تحت أي ظرف، ومن خلال تصرفاته، التي سأحاول إجمال بعض منها دون تفصيل في مجموعة من النقاط منها على سبيل المثال لا الحصر:
انه في ظل نظامنا هذا تم الاستهتار بالقوانين والقضاء من خلا التدخل السافر من قبل السلطة التنفيذية في سير القضاء حيث تم بقرار من رئيس الجمهورية عزل النائب العام السيد ولد ألغيلاني قبل إنهاء مأموريته، وتعيين نائب جديد لا شرعية له، وليس أدل من ذالك خروج أعلى شخص في هذا النظام يسوف بإعدام الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيد في حكم مسبق عليه قبل إصدار القضاء مذكرة باعتقاله وقبل توجيه أي تهمة له، وفي استهتار فاضح آخر يزج بالبعض في السجون المعزولة والبعيدة، لا لجرم ارتكبوه فعلا، بل هو حكم على النوايا، في حين يتم إطلاق سراح إرهابي مسلح أطلق النار على المواطنين، وروع الآمنين، لأنه ابن هرم هذا النظام، ولأنه كذالك فهو فوق القانون والمساءلة !
كما أن هذا النظام عمد إلى تكريس السلطة في خدمته الذاتية إذ انه صفى ثاراته مع خصومه القدامى، والجدد من رجال أعمال ومما دون ذالك، مستخدما في ذالك مؤسسات الدولة غير عابئ بمصالح شعبه، وعابثا بمقدرات الدولة .
وتنكر لجميع الاتفاقات مع معارضيه كاتفاق داكار، مكرسا بذالك مبدأ المغالبة عوض المشاركة، مما أدى إلى الانسداد السياسي الذي تعاني منه البلاد منذ فترة ولم يكلف النظام نفسه عناء البحث عن حل سلمي لهذا الانسداد.
ينضاف لما سبق القمع، والتنكيل المنقطع النظير الذي واجه به النظام خصومه ومناوئيه الذين رفعوا في وجهه شعار الرحيل.
والأدهى و الأمر أن الشعار الذي ما فتئ يتشدق به وعلى أساسه انتخبه الكثيرون ومن بينهم للأسف كاتب المقال وهو محاربة الفساد والمفسدين ما إن تم له ما أراد وتم تنصيبه رئيسا للبلاد حتى تنكر لهذا الشعار و أحاط نفسه بزمرة من أعتا عتاة المفسدين، مدشنا بذالك محطة جديدة من محطات الفساد التي يبدو أن قدر هذه البلاد أن تظل رهينة لها.
ولا شك أن تراكم هذه الأخطاء لهذا النظام واستهتاره بالمبادئ السامية للديمقراطية، ورفضه لجميع المبادرات الرامية لحل الأزمة التي يقر هو بوجودها، واستهزائه بشعبه، وعبثه بمقدرات شعبه....، لهي أمور من ضمن كثير من المسائل أدت إلى فقده لشرعيته، وتستوجب من الجميع تضافر الجهود لحمله على الانصياع لإرادة شعبه والتي لا اعتقد أنها يجب أن تكون اقل من الرحيل..الرحيل.
6316872