المرأة في العهد النبوي : وقفة مع التحرر والعدالة والمساواة ...!! (2) / تربة بنت عمار

إن الكتابة عن دور سيدات عهد النبوة تستدعي الاعتماد على مراجع للسيرة النبوية الشريفة الصحيحة ،لكي يتسنى للكاتب تقديم مادة علمية ذات قيمة....

وذلك ما نسعى له هنا في هذه السلسلة التي  نقوم من خلالها بحفريات من اجل إزاحة الستار عن  قيمة المرأة الإنسانية ،ومساهمتها في عملية البناء والتأسيس ، تلك القيمة التي اختفت إبان التحول الذي شهده التاريخ الإسلامي بعد الفتنة الكبرى ، وسيطرة الذهنية الذكورية على التدوين والتشريع ...

وانطلاقا من هذا فإن محاولة الغوص في عمق إشكال كهذا تقتضي الرجوع للمصادر الأساسية المتمثلة في القرآن والحديث ، ومؤ للفات بعض العلماء والمفكرين المعاصرين الذين  حاولوا استدراك وتوضيح بعض الأخطاء التي شابت التعامل مع المادة التاريخية التي اعتمد عليها فكر الإقصاء والتهميش، وتلك النظرة الدونية التي  قلصت الدور الإنساني للمرأة ....!!

وبهذا فإن ضرورة تقديم مادة علمية تستطيع الصمود أمام موجة التشكيك التي تعترض طريق إبراز قدرات المرأة لكي لا  تجتاز عتبة الحريم- كما أراد لها المجتمع الذكوري الذي أحكم قبضته على زمام التدوين منذ نهاية العهد النبوي والراشدي ، ودخول النظام الإسلامي للتوريث واستبداد السلاطين ، لتأخذ المرأة وظيفتها في المطبخ وداخل أسوار الحريم ، فتتحول من فاعلة ومشاركة في عهد النبوة ،إلى ضحية خانعة مستكينة في العصور الموالية - أمر في غاية الضرورة والصعوبة معا ...!!

وبما أن تلك التغيرات الجوهرية  جاءت نتيجة للتحولات التي عرفها التاريخ الإسلامي فإننا سوف نحاول عرض نماذج من تلك التحولات .

فنحن مادمنا في شهر مارس العيد الدولي للمرأة فإن الظرف يقتضي جولة في تاريخنا الخاص لكي يتسنى للقارء الكريم لإلمام بجذورنا الحضارية ومميزاتنا الذاتية ، الشيء الذي يستدعي طرح فكرة المساواة كمبدإ أساسي رسخه الإسلام بنصوص القرآن الكريم ، وفي هذا السياق ذهب المفكر الإسلام المعاصر  د.محمد عمارة بعدما أكد أن قضية المرأة في جوهرها قد ذهبت بين التطرف والجمود ، وإن الإسلام في تعاليمه كان سباقا للعدل والمساواة حيث قال : " العدل هو الذي ينطلق من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم في تحرير المرأة وإنصافها والمساواة بين النساء والرجال الذين سوى الله سبحانه وتعالى  بينهم عندما خلقهم جميعا من نفس واحدة ، وسوى بينهم جميعا في حمل أمانة استعمار الأرض وعمرانها عندما استخلفهم جميعا في حمل هذه الأمانة . كما سوى بينهم في الكرامة عندما كرم كل بني آدم ، وفي الأهلية والتكاليف والحساب والجزاء مع الحفاظ على فطرة التمايز بين  الأنوثة و الذكورة لتستمر نعمة السعادة الإنسانية ...".

 فهذه المرجعية التي  قدمها محمد عمارة- وكان حريصا على استعمال كلمة جميعا - هي الركن الأساسي الذي أسس عليه الإسلام مبادئه في المساواة، لكن التأويلات والتفسيرات بعد ذلك هجمت على هذه المبادء بشراسة لتجعل أصل الخلق من النفس الواحدة فيه تفاوت وتميز، من اجل أن يكون نصيب المرأة من الخلق الضلع الأعوج ، ومن هنا بدأ القضاء  على مبدأ التساوي ...!!

فكانت النتيجة حرمان المرأة من أخذ العلوم والمعارف والاستفادة من التجارب وتولي المناصب السياسية والقيادية، وفي هذا السياق تقول د. فاطمة المرنيسي : " يتوفر الإسلام على صفاء شفاف فيما يتعلق بالمبادء ، وإذا قلنا الفكرة المسبقة التي تقول بأن النساء لا يتوفرن فعليا على أية سلطة ، وبالتالي لا يمكن تسليمهن مهاما دينية بطريقة مباشرة ، خاصة منها مؤسسة أساسية كالخلافة فإن ذلك لا يدع مجالا للشك بشأن هذا الإلغاء للنساء من السياسة ".

إن تحوير مبدأ المساواة الذي جاء نتيجة لاجتهادات بشرية ، أرتكز أساسا على توظيف الفوارق بين المرأة والرجل، لتتجسد وضعية المرأة التي استمرت منذ نهاية العهد النبوي وهذا ما ذهبت إليه د. فريال مهنا، عندما استعرضت ارتكاز العمل بمدإ المساواة الذي عامل به الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة في عهده ، وما شهده ذلك المبدأ من تحريفات انطلقت من منطق فكر الإقصاء ، وذلك ما تعرضت له في كتابها : " إسلام ... أم ملك يمين ؟" حين ما قالت : " لقد انطلق إقصاء المرأة لاستخدامه لإرساء أنساق فكرية وثقافية متكاملة تكرس التفوق الذكوري في كل ما يتعلق بالحياة الإسلامية الخاصة والعامة ".

ويحدد تاريخ الانتكاسة للمرأة بالعصر الأموي والعباسي وانتشار ثقافة الجواري ...

يتواصل...

 

17. مارس 2013 - 16:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا