شكلت المحظرة الشينقيطية تاريخيا صرحا معرفيا لتكوين الأجيال المتعاقبة في ظروف إستثنائية ذاع صيتها أنذاك و انتشر عطاءها العلمي و المعرفي في المشرق و المغربي و أمتد الي إفريقيا .
ساهمت في نقل هذه المعارف و العلوم بين الأجيال حيث أن الفوارق الإجتماعية كانت ذائبة تماما داخل محيط المحظرة.
فمن بين الأدوار التي اضطلعت بها المحظرة الشينقيطية تأريخيا هي الحفاظ علي هوية البلاد ( الدينية ،الثقاية ، الحضارية ) .وتحصين المجتمع ضد أي وافد فكري لا ينطلق من المعتقدات الإسلامية.
بالإضافة الي المساهمة في نشر الإسلام وعلومه في ربوع الصحراء الكبري و غرب إفريقيا و مناطق حوض النهر وقطع الطريق أمام تربصات البعثات التبشيرية قبيل وصولها و توغلها داخل مناطق وسط إفريقيا حينها.
كما لعبت ايضا دورا إجتماعيا تمثل في لجوء عامة الناس الي إمام المحظرة بإعتباره قبلة أو وجهة قضاء ذات طابع عرفي في توثيق العقود و حل النزاعات و إصدار الفتاوي تارة أخري
وكأنه مرجعية دينية و قضائية .
ممارسات مازالت تداعياتها قائمة و سائدة حتي الآن داخل المجتمع و في المدن الكبري و خارجها رغم ترسيم الحكومة و تقنينها لدور الموثق المدني في هكذا حالات و تعاطي القضاء معه قانونيا.
في حين أعترف أحد الفرنسيين الذين حكموا موريتانيا إبان الفترة الإستعمارية بنجاح المحظرة الشنقيطية في تأدية رسالتها الحضارية مؤكدا أن المحاظر انذاك قدتمكنت علي العموم من الصمود في وجه المستعمر و غزوه الفكري والثقافي و رفضها لمشروعه التوسعي شكلا ومضمونا ، مما جعل الثقة بين القائمين علي هذه المحاظر و المستعمر معدومة.
لتشكل لاحقا محطات تاريخية محورية في دعم المقاومة الوطنية فكريا و معنويا و مواكبة قيام الدولة المركزية ،الأمر الذي كان مدعاة فخر و اعتزاز .
جسده شعار و مهمة هذه المدارس المتنقلة علي ظهور الإبل ،والتي بين و وثق ملامح دورها التاريخي شعريا العلامة المختار ولد بونه في البيتين التالين .
و نحن ركب من الأشراف معتكف أجل ذا العصر قدرا دون ادنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة بها نبين دين الله تبيانا
فعلي الرغم من الإنتشار السريع و الواسع للعولمة و ما أحدثته من ثورة عارمة في المفاهيم و قفزة مذهلة في مجال الإتصال و المواصلات بالإضافة الي ما شكلته من تحديات كبري و خروجا علي الثوابت و القيم و الأخلاق من خلال إستباحة الخصوصيات و غزو البيوت بمحتويات غير مناسبة و دون إذن مسبق.
في ظل التحول الإقتصادي الرقمي و ما يشهده العالم من متاعب بسبب تداعيات الأزمات الإقتصادية و الصحية المتكررة و تأثيرات الحروب المتباينة .
و ما يشكله التعليم العام من توسع و تنافس غير متوازن مع المحظرة أمام قلة مواردها و قساوة ظروفها .
فإن المحظرة الموريتانية مازالت تقوم بمهمة نشر و نقل المعارف و العلوم في نقاط عديدة من داخل الوطن تستقطب و تستقبل من حين لآخر طلابا موريتانيين و آخرين من دول الجوار و بعض الوافدين من دول عربية.
حيث أصبح من الضروري الإنصياع لمتطلبات المرحلة و محاولة خلق توافق و مواءمة بين مقررات المحظرة و حاجات السوق بغية توفير مزيد من فرص العمل لخريجي هذه المحاظر و الحد من أعباء البطالة مما سيمكنها من القيام بالدور المنوط بها لتكون في المستقبل أداة من أدوات نشر ونقل المعرفة و التنمية و وسيلة من وسائل توازن المجتمع في ظل المحافظة علي القيم الإسلامية السمحة و ما تجسده من تآزر و إعتدال و وسطية.
إستجابة لهذا المسعي أرتأت رابطة الأئمة إنشاء محظرة نموذجية لاحقا تتفق مع النسق القديم في المقاصد وتختلف شيئا ما في المضامن المنهجية مسايرة للعصر و الحداثة .
هدفها الوصول إلي تخريج علماء و فقهاء شباب بثقافة عصرية تلبي حاجات البلد وتسد أي عجز قد يحصل علي مستوي عدد الفقهاء او مدرسي العلوم الشرعية اواللغة العربية.......الخ.
تجربة ستساهم في تكريس التكامل و الترابط في المنهج بين التعليم المحظري والمدرسي
لتجسير الفجوة بين مخرجات التعليمين ،مما سيعزز ويقوي مستقبلا من إستمرار عمليات الإندماج و تكافؤ الفرص.
طابت أوقاتكم .