كيف نفهم الإسلام (35) الصوفي المسلم (12) / محمدو بن البار

هذا الرقم تابع للمقالات المتعلقة بالصوفية خاصة، فقد وعدت سابقا بأن أنتقل عنها إلى مواضع أخرى راحة ولكن ليست استراحة محارب، بل استراحة مسالم يتيقن أن الله سيجازي هذه الإنسانية طبقا لما قالت وفعلت طبقا لآياته البينات بدون أى رجعة للإصلاح يقول تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} إلى آخر الآية، {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} إلى آخر الآية.

 

وهذه المجازاة المذكورة في القرآن هي قطعا، إما بالرحمة أو العذاب، إلا أن رحمتها لا يصفها حقيقة إلا الله وأنعم بها، وعذابها كذلك لا يصفه إلا الله وقانا الله وإياكم جميعا منه.

 

وهنا نصل إلى موضوع هذا المقال فى الصوفية قبل الأخير بإذن الله.. ونرجو من أي مسلم له علم بمعرفة أصل عبادة الصوفية أن يبين لنا مدارك ذلك من القرآن دون عموميات الألفاظ التي لا يفهمها من له عقل تفكير من ألفاظ القرآن إلا أن يفسرها له الصوفي: مثل قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} إلى آخر الآية، وقوله: {واتبع سبيل من أناب إلي} إلى آخر الآية، وقوله تعالى: {ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا}.

 

كل هذه الآيات وأمثالها عرفها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ولم يؤولوها إلا بما جاء في الحديث من سبب نزولها وهو الذي فسروها به أهل القرآن في زمنهم بدلالته الواضحة، إلى أن جاء ماطرا فى القرن الثاني، وإلى اليوم من فهم للدين عقيدة وفقها وعبادة. هذه الطوارئ المسندة فى نظر أهلها إلى أن أصلها في القرآن والتي أصبح لها عنوان مشائخ تقف نسبتها لهم عندهم فهم من أطلقوها أو ما رسوها أو إنشاؤها سمها ما شئت ولكن ذلك غير واضح للجميع قطعا، والقرآن مرسل لكافة البشر. ومعلوم أن العقائد زادها المتكلمون المعروفة مذاهبهم وأسماؤهم، البعض منهم رجع عن تفكيره الأول مثل الأشعري الذي كان اعتزاليا ولكن ترك من ذلك شيئا في عقيدته لا يفهم من القرآن، وكذلك الصوفية وسط القرن الثاني بدأ تكوين عبادة نسبت إليهم هي وأذكارها إلى آخر أولئك المشائخ المعروفين هم وأذكارهم ولا داعي لفردها بالذكر فهي معروفة.

 

وأغرب شيء فيها هو تسميتها بالباطن أو الحقيقة إلى آخر ما لم يوجد في القرآن من هذه المسميات مثل نوع معرفة الله المستنتج من وقوعه في الدنيا وقوعا خاصا يسمى سيرة وسلوكا خاصا إلى الله فيسلك إليه تحت إشراف إنسان آخر خاص إلى ما لم يستطع أي كاتب أن يكتبه جميعا ليقارنه بكل ما أنزل الله في القرآن من عند ميلاد الإنسان إلى يوم لقائه لربه. مثل قوله تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه أحدا}

 

فكل ذلك جاء من عند الله مذكورا بالانفراد بين الله وعبده تارة بالضمير الخاص بكل فرد: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى} وذكر "من" هنا يكفي لتطبيقها في كل ورودها في القرآن لدلالته على المفرد دلالة لا تقبل تأويلا مثل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} إلى آخر ما في القرآن.

 

ومثل "كل" هذه الكلية لا تفرقة بين دلالتها على معناها بمعنى: {كل نفس ذائقة الموت} لفظها ومعناها: {كل نفس بما كسبت رهينة} إلى آخر لفظ أمثالها.

 

ومثل انفراد الله بمعاملة الإنسان من عند ميلاده إلي يوم القيامة هو مثل انفراد معاملته للإنسان من يوم موته إلي يوم انتهاء حسابه وتوجيهه إلى مصيره الأخير.

 

وكل من تكلم عن ذلك بتغيير ما جاء فى القران وأورد فيه حكايات إلى آخره فيقول له المولى عز وجل {ما يبدل القول لدي}.

 

هذه الصورة هي من أكثر ما يؤكد القرآن على وقوعها من غير تدخل أي إنسان آخر، وإذا تكرم الله على إنسان أو ملك بالشفاعة في أي أحد فلا يستجيب إليه فيها إلا إذا رضي هو عن المشفوع له، وقد أظهر الله ذلك فى قصة إبراهيم مع أبيه ونوح مع ابنه ومع محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه وأصحابه الذين نافقوا فى نهيه عن الاستغفار لهم فلا استجاب له فيهم. وذلك يعني أن أي موضع ذكر الله فيه أنه حقت كلمته على مجازاة ذلك الشخص بما يستحقه عنده، فلا تنفعه شفاعة الشافعين زيادة على أن كل شافع لا يقف أولا أمام الله إلا وهو خائف على نفسه هو من عذاب الله.

 

يقول الله عن الملائكة إنهم {يخافون ربهم من فوقهم} ويقول عن الذين يخشون ربهم بالغيب منا نحن في الدنيا أنهم كانوا مشفقين من عذاب الله لهم يوم القيامة.

 

ولذا ورد في القرآن آية تسخر منا نحن حين ندعو من نظنه صالحا لإجابتنا وهو يدعو ربه راجيا فقط إجابته له يقول تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه}.

 

وهذا مقال موجز عن الموضوع يفهم به من هو موجه إليهم ليتفضلوا بتفسيره تفسيرا يرده إلى القرآن ردا لا يتحمل غيره مثل قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة}.

 

وهذا النص لوضوحه يشبه النصوص الواردة في القرآن بين معاملة الله لعباده بلا أي واسطة إلا إيصال بلاغ من الله يأتي به رسوله إلى عباده لا يحتاج إلى تفسير ولا سيما إذا كان في يوم القيامة التي لا إصلاح فيها للعمل السابق ولا عمل لاحق إلا ما ذكره الله عن أهل الجنة والنار من ذكر شكر الله عند الأولين في قوله تعالى إنهم يقولون: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} إلى آخره، وقول الآخرين أنهم سمعوا وأبصروا ويسألونه الرجوع للإقلاع عن حياتهم السابقة: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا}.

 

وبما أن الله بين كثيرا في هذه المعجزة القرآنية قضايا لا تحتمل التغيير بعد الوصول إليه وهي:

 أولا: هو المخاطب جل جلاله وحده لكل إنسان بما عمل من غير محاماة أي أحد عنه أمام الله.

 

ثانيا: لا رجوع للإصلاح

 

ثالثا: لا تحمل لأي شخص لمثقال ذرة من مخالفة آخر سواء بأي صلة بينهما.

 

رابعا: لا معاملة مع شخص إلا بما كسبت يد نفسه من فهمهما للدين حقيقة لا فهمه له بالتخمين أو الظن أو العادات أو التقاليد، فالدين لا ميراث بين أهله، لا فرضا ولا تعصيبا يقول تعالى عن هذا كله: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}، {وبدا لهم سيئات ما كسبوا}، ويقول: {وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلي ظنا وما نحن بمستيقنين}، فلو ذهبنا بحكم الله هذا علي بطلان ما كان يبدوا للناس أنه دين – لوجدنا القرآن أجاب على مثله في الأمم قبلنا يقول تعالي:  {وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون} فتارة بين أن هذا إجابة لقولهم من عند أنفسهم {لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} ونفس الاعتراض عليهم في قولهم: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}.

 

وهذه الأخيرة أتبعها بقوله: {أتخذتم عند الله عهدا} وهو قال لهم مخاطبا: {أوفوا بعهدي أوف بعهدكم} بمعني: من ليس له برهان من الكتب السماوية على أي فعل من عبادة الله فهو مغرور به دنيويا.

 

فعبادة الصوفية أكثر تميزا اعتقادا وعبادة عن العمل بما جاء فى القران تطبيقا لما في القرآن من غير التفات إلى عقيدة أو عبادة لا يفهمها كل أحد بعد أن فهم عقيدة قرآنية يعمل بمقتضاها بيقين لا ظن فيه ولا رجوع فيه ولا اتكال على أحد في حياته ولا بعد مماته.

 

ونظرا إلى أن كتابتي في الموضوع يعلم ربي أنها مجرد استنطاق لما في قلبي من فهم الإسلام القرآني دون استهداف أي أحد في اعتقاده ولكن معرفتي أني أنا وهو مخاطبان خطابا واحدا ومصيرنا واحد فأنا أرجو ممن يستطيع أن يجعلنا بفهمه للقرآن على الطريق التي تجمعنا متحدي الاعتقاد أمام ربنا، أن يفعل.. ولذا سوف نكتب بإذن الله مقالا آخر ننهي به المقالات الموجهة للصوفية، ويكون في الأخير أكثر وضوحا بإذن الله ومنها وضع النقاط على الحروف في عبادة الصوفيين لعل أن يكون في ذلك إثراء لمعرفة ما يطلبه الله من كل فرد على حد سواء يقول تعالى: {قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله}.

8. نوفمبر 2022 - 20:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا