شرع الله سبحانه وتعالى الزواج وجعل له أركان لا يتم إلا بها كالولي والمهر، قال تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [البقرة 82] والصيغة والشهود، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق :2] كما أن له سننا ومناديب يجب مراعاتها حتى يفصل بينه وبين السفاح، ولأن الزواج ينجم عنه المصاهرة، والمصاهرة موجبة للألفة والمودة كان على المرء أن يحسن اختيار شريكه ولا يدع الهوى يغلب على اختياره، فالزواح أمر اجتماعي في المقام الأول قبل أن يكون خيارا فرديا؛ فزوج البنت محرم لأمها وختن لأبيها، وصهر للإخوة والأقارب يتوجب تقديره واحترامه، لذلك جعلت الشريعة أمر ولاية البنت لأبيها أو من يوكله، لأن الرجال أقدر على لجم العواطف من النساء وأبعد نظرا.
ثم جعلت لذلك ضوابط وحدود حتى لا تضيع حقوق المرأة وتصير سلعة عند الرجال، فجاء الأمر باستئذانها قبل الزواج حتى لا تكره على الزواج ممن لا تحب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُت» [فتح الباري 9/ 98] كما رغب في تزويج المتدين الخلوق الذي يراعي حق المرأة ويؤديه، فقد روى الترمذي (1084) ، وابن ماجة (1967) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) وورد النهي عن رد الأكفاء لما في ذلك من عضل للمرأة، فحقوق المرأة صانتها الشريعة الإسلامية من الجانبين، فهي لا تكرهها على الزواج ممن لا تحب لما يترتب على ذلك من الفساد قد يؤدي للخلع، ولا تعضلها عن الزواج من الكفء لما في ذلك من ضرر على دينها وعفتها، ولأن الكفاءة مسألة خلافية وجب علينا احترام آراء وخيارات المخالفين، ثم كان من آكد السنن إشهار الزواج وصنع وليمة للأهل والأصدقاء.
ولأن الزواج إذا أريد له النجاح والإستمرارية لابد من مراعاة عدة أمور، منها: حسن اختيار الشريك واختبار معدنه ومدى انسجامه مع المجتمع الذي نشأت وترعرعت فيه، ناهيك عن قدرته على أداء الحقوق الشرعية من نفقة وسكن وقدرة على الباءة، فإذا استوفيت كل تلك الشروط الآنفة وجب تيسير الزواج وعدم المغالاة في الشروط، فالزواج يستر بعض عورات المرأة ويصون الرجل عن الحرام.
الحداثيين
لا يلقون بالا للمحظورات الشرعية وتختلط عليهم المفاهيم، فهم يرون في وكالة الرجل وصاية على المرأة ومصادر لحريتها الشخصية، وللمرأة عندهم أن ترتبط بمن تشاء وتتخذ الأخدان على الطريقة الغربية، هذا الخدن يجوز له أن يتزوج الفتاة متى أراد وغصبا عن أبويها إذا اعترضا، فعهد وصاية الأب عندهم تخلف قد ولى وبدأ عصر الحرية، وهم في تناقص عجيب مع ذواتهم، فالواحد منهم حين تريد منه تطبيق ما يدعو إليه يرفض ويمتنع، فهم يرفضون تطبيق أفكارهم في أنفسهم، ويمارسون البلطجية على الغير ويدعون لها، لذلك سيكون مصيرهم مشابها لمصير الزبد، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} [الرعد]
الحب والغرام
يجب أن تكون معاييرهما سليمة، فمن أحبك للشيء أبغضك لزواله، والزواج يجب أن تكون أرضيته صلبة وأساسه قوي، فالحب وهم كما قال مصطفى محمود: (لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب)، ومن أسس بنيانه على الوهم سقط في أول مواجهة مع الحقيقة، ونعود للدكتور مصطفى محمود ليعطينا وصفة ثانية عن الحب فيقول: الحب و الهوى و الغرام خداع ألوان ، ما نراه في المحبوبة مثلما نراه في قوس قزح ، جمال ألوان قوس قزح ليس من قوس قزح نفسه و لكنه من فعل نور الشمس على رذاذ المطر المعلق في الهواء .. فإذا غابت الشمس و جف المطر اختفت الألوان و ذهب الجمال .
و هكذا محبوبتك جمالها فيما يتجلى عليها من خالقها .. فإذا انقطع عنها التجلي شاخت و مرضت و ذبلت و عادت قبحا لا جاذبية فيه .. إن ما كانت تملكه من جمال لم يكن ملكا لها بالأصالة ، بل كان قرضا و سلفة.
حتى السجايا الحلوة و النفوس العذبة و الخلال الكريمة هي بعض ما يتجلى فينا من أسماء خالقنا الكريم الحليم الودود الرءوف الغفور الرحيم.
ومما ينصح به العشاق أن لا يزوروا عشيقاتهم وقت مرضهن حتى لا يرونهن في حالة مزرية فيرغبون عنهن، وجاء في "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى ، وإذا قوي أثَّر فى البدن ، فصار مرضا فى الجسم : إما من أمراض الدماغ ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي ، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك "