المرأة في العهد النبوي: وقفة مع التحرر والعدالة والمساواة ...!! (3) / تربة بنت عمار

انطلاقا مما سبق في الحلقتين الماضيتين أصبح بإمكاننا أن نقدم نماذج من الانقلاب الذي أصاب مسيرة الإصلاح التي أبانت عن مشاركة فعالة للمرأة في العهد النبوي ، تلك المرأة التي هاجرت بدينها والتي شاركت الصحابة في مختلف مظاهر الحياة السياسية والعسكرية ....

وكان الرسول المعظم يؤطر تلك المسيرة ويباركها من أجل تأسيس قاعدة دينية مبدأها المساواة ، خالية من الظلم والحيف ، لكي لا تتعطل القدرات البشرية بدخولها في غياهب الأنوثة والذكورة والتفاوت على حساب الجنس وليس على حساب العمل ...!!.

لكن الشلل الذي أصاب الأمة كان نتيجة للانقلاب الذي تحايل على مبدإ التساوي بتعطيله لتلك الازدواجية التي كانت العلاقة فيها بين الرجل والمرأة علاقة تكامل، وليست علاقة ندية تنافسية فيها طرف رابح وآخر خاسر ، فتم نتيجة لذلك تكسير جوهر الإنسانية بفعل الضغط الذي اتخذ مناعته من الاجتهادات البشرية والتفسيرات الإسرائيلية ...!!

وفي هذا السياق ولكي نواكب ظرفية العيد الدولي للمرأة بإبراز قيمة الإسلام في جوهره وفي طور نقاء رعيله الأول ، يقتضي السياق توضيح الآلية التي تم بها التأسيس المنهجي الذي أسس الإقصاء النساء وإبعادهن من تلك الوظائف التي قمن بها في عهد النبوة ، وقد اتخذ الإبعاد منطق لا ديني ، لكنه كان قويا حتى لبس لبوس الدين عند مرحلة التدوين الأولى . فأصبحت المرأة بذلك دون الرجل وتابعة له ، بعدما كانت في عهد النبوة مشاركة حرة ومستقلة ، وذات حضور قوي ...!!

لقد أنطلق التأسيس للثقافة الإ قصائية مع مرحلة التدوين في القرنيين الهجريين الثالث والرابع ، لتترسخ دونية المرأة في بنية اللا معقول في الثقافة العامة عند المسلمين ....!!.

كنا في الحلقة الماضية قد تعرضنا لأصل التساوي أما الآن فإننا سوف نعالج قضية خروج البشرية من الجنة ، من أجل أن نلاحظ معا بشكل واضح عملية التحايل على المرأة وجعلها سبب شقاء البشرية ...!!.

فرغم أن القرآن الكريم كان واضحا في نقله لنا خبر خروج آدم وحواء من الجنة على مرحلتين: الأولى جاءت في سورة طه الآية 121 حينما خصص القرآن الكريم وقفة خاصة لآدم عليه السلام في تجاوزه الأوامر الله في منع الأكل من الشجرة المحرمة ، والمرحلة الثانية جاءت في سورة البقرة الآية 36 تخبرنا عن زلتهما التي بسببها خرجا من الجنة ، وتاب الله عليهما ، وهبطا إلى الدنيا .

هذا هو المبدأ الذي ثبت في القرآن الكريم وتوفي الرسول (ص) عن المسلمين على هذا لأساس في قصة خروجنا من الجنة إلى الدنيا ، لكن الثقافة التفسيرية ذات المنهج التحليلي قدمت لنا شيئا مختلفا ، حينما تجاوزت النص القرآني الواضح نحو سفر التكوين الجزء الأول من التوراة ، الذي أعتبره د/ محمد المهدي ولد محمد البشير:" أهم مصدر اعتمده المفسرون في مرجعيتهم الخرافية القصصية التي أدخلت على تفسير النص القرآني" عندما قدموا لنا مسرحية تراجيدية ذات الأبعاد الثلاثة ، تتقاسم الأدوار فيها أمنا حواء مع الشيطان والحية ، من أجل إقناع آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة المحرمة ، وعصيان أوامر الله تعالى ، وهنا نستوضح التحايل الذي وقع على المرأة ، وكان مرجعيتنا فيه أحبار اليهود الذين دخلوا الإسلام وحملوا معهم الأقوال والقصص الواردة في العهد القديم من كتبهم التي حرفوها ...!!.

( أنظر الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن " م ، 01 ،ص:526،ط مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 2000)

وهنا نقف عند إشكال كبير يتمثل في التحايل على مبدإ العدالة ، الذي أسس دعائمه القرآن الكريم وعمل الرسول العظيم ، لكن المفسرين الإسلاميين – رغم حرصهم على نقاء الإسلام – قد مالوا في قضية المرأة بالذات نحو التفسير الإسرائيلي ، ليعتمدوا قصصا غامضة ، تحمل حيفا للمرأة ، مثل هذا النموذج الذي تأسس عليه الكثير من بنود الظلم والإقصاء والتشاؤم ذهبت النساء ضحية له .

وانطلاقا من هذه الحملة التفسيرية التعليلية التي تتخذ من ثقافة الشعوب مادتها الأساسية ، أكثر مما تعتمد من المرجعية القرآنية ، التي سارت بخطوات مأثرة وعميقة ، اتخذت عبر التاريخ مناعتها ، لتصاحبها موجة أدبية مترعة بلأمثال والأشعار ، فتترك النساء الحلبة في وجه هذه الجيوش الثقافية القوية الممزوجة بالتراث اليهودي والروماني واليوناني ...

وتتغيب النساء عن المسجد المؤسسة الدينية الأهم لمشاركة المسلمين في تعمير الأرض والاستخلاف وحمل لأمانة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ....

19. مارس 2013 - 16:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا