لقد أجمعت الطبقة السياسية في موريتانيا على رفض مشاركة قواتنا المسلحة في حرب فرنسا التي خاضتها ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي، وكان لذلك الإجماع حججه السياسية والأمنية والأخلاقية التي لا يمكن التقليل أو التشكيك في أي واحدة منها.
ولكن هل لا زالت تلك الحجج قائمة بعد إعلان فرنسا عن نيتها في الانسحاب ابتداءً من شهر ابريل المقبل لتتولى قوات أممية مهمة حفظ السلام في الشمالي المالي؟
حسب اعتقادي الشخصي فإن إجماع الطبقة السياسية على رفض مشاركة جيشنا في حرب فرنسا يجب أن يعقبه إجماعا آخر، إذا ما تعلق الأمر بمشاركة قواتنا المسلحة في قوة أممية تتولى حفظ السلام في الشمال المالي، وذلك بعد أن صرح"سعيد جنيت" الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بأن الأمم المتحدة ستناقش حدود ومهام تلك القوات التي ستتشكل تحت البند السابع لتعزيز السلم والأمن، وذلك لدعم مالي من أجل تنفيذ خارطة طريق تفتح حوارا شاملا بين كافة الأطراف يعزز الانسجام الوطني، ويضع حلولا دائمة.
وفي اعتقادي الشخصي فإن المطالبة ـ في مثل هذا الوقت ـ بضرورة أن تشارك موريتانيا في قوة أممية، يعد مطلبا وجيها، لا يقل وجاهة عن المطالبة بضرورة عدم مشاركة موريتانيا في الحرب التي تفردت فرنسا بإعلانها وبخوضها داخل الأراضي المالية.
وهناك أسباب عديدة تدعم وجاهة هذا المطلب، ولعل من أهم تلك الأسباب:
1 ـ إن كل الأطراف في مالي رحبت بتدخل قوات أممية، لذلك فإن من واجب موريتانيا أن تدعم وتشارك في هذا التدخل الذي يشكل إجماعا في مالي، هذا إذا ما استثنينا موقف الجماعات المسلحة، وهو الموقف المعروف برفضه أصلا لأي حل مهما كانت وجاهته.
2 ـ إن من مصلحة موريتانيا المشاركة في أي حل يسعى للحد من الانفراد الفرنسي بالشأن المالي، لأن استمرار ذلك الانفراد سيضر بمالي وبموريتانيا وبكل دول المنطقة إن عاجلا أو آجلا.
3 ـ إن من مصلحة موريتانيا، ومن مصلحة المنطقة بكاملها أن لا يظل التدخل في مالي مقتصرا على الجيوش القادمة من دول القارة السمراء لأن مثل ذلك قد يغذي من شكوك الطرفين : فالمالي الأسود سيشعر بشيء من المرارة لأن "الأفارقة البيض" قد تخلوا عنه في محنته، والأزوادي ستزداد شكوكه أيضا في الطبيعة العنصرية للتدخل إذا ما ظل ذلك التدخل مقتصرا على الأفارقة السود.
4 ـ يمكن للوجود الموريتاني في الشمال المالي أن يساعد في التقليل من عمليات الانتقامات والتصفيات ذات الطابع العرقي التي يمكن أن تتعرض لها بعض الأعراق في الشمال المالي.
5 ـ إن من مصلحة موريتانيا أن تشارك في أي جهد يمكن أن يساعد في تقليص رقعة الحرب مع القاعدة، وفي تضييق تلك الرقعة وحصرها في أمكنة محدودة من الشمال المالي، حتى وإن أدى ذلك إلى سقوط جنود موريتانيين في معارك تجري على أرض غير موريتانية. وسيظل ذلك أقل كلفة بالنسبة لموريتانيا لأنه في حالة عزوف دول المنطقة عن المشاركة في قوات أممية فإن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة انتشار الجماعات المسلحة داخل الأراضي المالية، وإلى اقترابها من الحدود الموريتانية مما قد يعرض بلادنا لخسائر، ستكون أكبر بكثير من تلك الخسائر التي يمكن أن تتسبب فيها مشاركتنا في قوات أممية.
6 ـ قد يحتج البعض بعدم مشاركة الجزائر في القوات الأممية، وهنا قد يكون من الضروري أن نذكر بأن المصالح الموريتانية والجزائرية قد لا تكون متطابقة في هذه الجزئية. فليس من مصلحة الجزائر أن تتم مطاردة القاعدة في اتجاه الحدود الجزائرية، لأن ذلك قد يجعل بعض عناصر تلك الجماعات يعود من حيث أتى، أي إلى الأراضي الجزائرية. وهذا الاختلاف في المصالح هو الذي يفسر ذلك الموقف الغريب الذي اتخذته الجزائر، والمساند إلى حد ما، للجماعات المسلحة، خلال المعارك التي دارت بين الجيش الموريتاني والجماعات المسلحة داخل الأراضي المالية، خاصة معركة "حاس سيدي" التي أظهرت فيها الجزائر انحيازا واضحا للجماعات المسلحة. فالجزائر كانت ـ و لا تزال ـ تتمنى أن تجد القاعدة مستقرا لها في الأراضي المالية يكون غير قريب من الحدود المالية الجزائرية.
7 ـ لقد أصبح من الواضح بأن الإستراتيجية الموريتانية في محاربة الجماعات المسلحة، والتي تقوم على مطاردة تلك الجماعات خارج الحدود، هي أكثر نجاعة من الإستراتيجية الجزائرية التي ترفض المشاركة في أي معارك خارج حدودها. وبالتأكيد فهي أفضل كذلك من الإستراتيجية المالية التي ظلت تهادن تلك الجماعات، وتسمح لها بالانتشار داخل أراضيها حتى حدث ما حدث.
8 ـ لا يجوز بأي حال من الأحوال أن لا تشارك موريتانيا في أي تدخل أممي بمالي، وذلك لأن موريتانيا هي الدولة التي ستكون أكثر تأثرا على الصعيد الأمني والسياسي مما يجري في مالي، وبالتالي فإن من واجبها أن تكون الدولة الأكثر حضورا في أي تدخل أممي يسعى لإيجاد حل دائم للأزمة المالية.
حفظ الله موريتانيا.