الطلاب الموريتانيون..بين آمال المنحة وآلام المحنة / شيخن ولد البان

شيخن ولد البانيخرج التلميذ الموريتاني من المرحلة الثانوية تحثه خطاه سريعا نحو المرحلة الجامعية، وتحمله آماله الكبيرة على جناح السرعة إلى بناء مشروع دراسي حافل بالعطاءات مكلل بالنجاحات، يرسم من خلاله مستقبله لبناء شخصيته ووطنه..وما أنبله من وهدف وأحلاه من أمنية..ولكن:

ما كل ما تمنى المرء يدركه          تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فما ذا بود الطالب أن يفعل حين توضع في وجه العوائق الكثيرة وتوصد أمامه كل السبل المؤدية إلى صناعة مستقبله على الطريقة التي تحلو له..؟.

بعد المرحلة الثانوية يدخل الطالب الموريتاني جامعته اليتيمة بنواكشوط في يوم من أيام حياته المفعمة بالأفراح..يعيش"حالة يتم غريبة"في جامعة يتيمة ولا غرو..هنا فقط بين جدران جامعتنا اليتيمة تكاد أحلام الطالب وآماله الكبرى وحتى الصغرى تختفي تحت ركام المأساة التي تعانق الجدران والعوائق والعقبات الكثيرة التي تحتضنها دهاليز الإدارة، كل ذلك بسبب انعدام أرضية صالحة لتحقيق أمل واحد من تلك الآمال الكبيرة والطموحات النبيلة التي كان يتحسسها الطالب بين الفينة والأخرى داخل الجامعة وخارجها..والوقوف في سبيل ذلك وحرمانه ذنب لا يغتفر أيها السادة..!!.

 

 

آمال المنحة

في المرحلة الثانوية يظن التلميذ أنه ما زال في مرحلة لا يستحق العناية فضلا عن  التكريم، ويظل ينتظر المرحلة الجامعية بفارغ الصبر ليدلف من بوابة الجامعة إلى بحبوحتها-ولو درى حقيقتها لما دخلها أصلا-من أجل أن يعيشه حياته كطالب جامعي يستحق التكريم والاحترام من الجميع وخصوصا النخبة المشرفة على البرنامج التعليمي إن كانت تتحقق فيها تلك الصفات والمضامين والمفاهيم السامية التي ينشدها الطالب النخبوي الناضج.. من بين تلك الآمال التي تقفز إلى ذهن الطالب في اللحظات الفاصلة من حياته العلمية هي تلك الدرهمات القليلة التي يستحقها كل طالب بمجرد تسجيله في الجامعة..هي دريهمات قليلة لا تغني من جوع لكنها تخفف-ولو مؤقتا-من وطأة كابوس المعاناة على الطالب وشبح الفقر المخيم على كيان الكثير من طلابنا"الفقراء حقا"إلى إدارة مسؤولة تعنى بالتعليم وتعي دوره في النهوض بالمجتمعات وصناعة القرار. هذه"المنحة"أو إن شئت سميها"المحنة"-إذ لا فرق بينهما في واقع مؤسساتنا-يستعين بها الطالب على السير في طريق التحصيل الدراسي العلمي المحفوف بالمخاطر والصعاب وعدم التشجيع...إلخ. ذاك هو أمل الطالب"القديم الحديث"الممنوع المسحيل دائما وأبدا، أما ما فوق ذلك فهو ضرب من الخيال والجنون في فلسفة مدرائنا الكبار..للأسف!. طلابنا في الداخل والخارج يعيشون مأساة التعليم بكل تفاصيلها، أما أحلامهم القديمة الحديثة النبيلة فلا تزال"معذبة"هي الأخرى تتناوشها قرارات الإدارة والوزارة الإرتجالية ومخططاتها الفاشلة في كل الأحايين.

 

آلام المحنة

على طول المدى وخلال مراحل الدراسة من البداية إلى النهاية، تتعدد مآسي خيرة الطلاب الموريتانيين"بالداخل والخارج"على السواء بتعدد الليالي والأيام الحبلى باللامسوؤلية واللامبالاة، وتتنوع بتنوع"الفساد"الذي ينخر جسم مؤسسات الدولة عامة والخزينة العامة خصوصا ليل نهار..كل ذلك على مرأى ومسمع ممن رفع شعار"الفساد حقيقة"وأتى بما لم يأتي به الأوائل من أجداده ومعلميه إدارة"الفساد والحرمان". طلابنا البررة أيها السادة يعيشون مأساة حقيقة بالداخل والخارج، بسبب إهمال الدولة لحقوقهم المستحقة أصلا وتجاهلها لواقعهم المرير، وعلى أنغام ذلك الواقع المزري ترقص الدولة رقصات فنية لا غبار عليها، وفيما ورائياته وكواليسه فتعكف الدولة على إحداث طريقة جديدة لم تألف بعد لدى الكثيرين من أجل التلاعب بأموال شعب بكامله وليس الطلاب وحسب..فهل ذالك هو قدر ساكنة هذا المنكب البرزخي يا ترى..؟. قد تقول الدولة إنها كانت في السنوات الماضية تقوم بصرف المنحة للطالب بالداخل والخارج وتتكؤ على ذلك الماضي"السخيف"، ولكن الحقيقة المرة والواقع المعاش"اليوم"هو الآخر هو أن الدولة لم تعطي ولم تتقن جدا إلا صناعة المآسي والمشكلات التي لا تزال عالقة بؤسسات التعليم وتخنق الطالب بين الفينة والأخرى وترسم له طريق الجهل لتأخذ بيده نحو الهاوية. لقد زفت الدولة إلى الدكاترة العلميين والطلاب الخيرين والتلاميذ المجدين عروس المآسيه والمحن تلو المحن..وحتى رواد الروضة"الأطفال"-الذي لم يفرقوا بعد بين معنى المحنة والمنحة- لم تصنفهم الدولة فقد نالوا حظهم موفورا من"المحن"، وفتحت للكل مسلسل معاناة"التعليم"بكل أصنافه..ولا غرو"فمن"جهل"شيئا عاداه" هكذا تقول الحكمة التاريخية. واقع مرير يعشه الطلاب وتعيه الدولة"كثيرا"لكنها تتجاهله"أكثر"بشكل واضح..واقع مزر..طلابنا في وطنهم يسيرون إلى مؤسسات تعليمهم داخل عاصمة الدولة تحدوهم"عزيمة"الطالب المثابر الجاد في تحصيله، يئسوا من الحصول على"باصات"انتهت صلاحيتها قبل أن تصل هنا إلى موريتاينا..يجلسون على مقاعد متكسرة من"عهد الفراعنة"..وهلم جراااا. وأما في الخارج فلا يملكون سوى"العزيمة"أيضا..منحتهم إياك همتهم العالية وعقيدتهم القوية وبصيرتهم الثاقبة وبطحاؤهم الطاهرة وقناعتهم المتأصلة..طلابنا رغم ما يعانونه من الغربة والكد وصعوبة الظروف القاسية التي ينوء بحملها الجليد سيواصلون السير..رغم كل شيء سيحثون الخطى ويركبون موجة الآمال لتغيير الواقع وصناعة وطن خال من"دعاة التجهيل". ..إذا هي معطيات عديدة دقيقة لمعاناة جسيمة لا تزال قائمة اليوم..ولكن:        لقد أسمعت لو ناديت حيا       ولكن لا حياة لمن تنادي.

  الإحساس المفقود

تفتقد سلطاتنا الحاكمة وإداراتنا القائمة إلى أمور كثيرة ليس أقلها أهمية الإحساس بالمسؤولية والشعور بواقع الآخرين على الأقل..!..واقع طلابنا اليوم واقع يندى له الجبين ويأنفه الكريم..واقع يفرض على من يمتلك قدر ذرة من"مسؤولية أو إحساس"أن يتحرك لحلحلته ويعمل لتحسين وضعية أصحابه. طلابنا بالداخل والخارج ممنوعون من المنحة التي يستحقونها بنص القانونا في دولة تتشدق قيادتها بالديمقراطية والمسؤولية والحاكمية وتصف حكمها"بالرشيد"..دولة انتهت حكومتها بالأمس من تشييد قصر للعدالة"المزعومة"..ولعله قصر"تغيب العدالة" واقتلاع أصولها من خارطة الوجود.. رغم صعوبة الواقع المعاش وجسامة المأساة لم تتحرك الدولة المسؤولة عن حقوق هؤلاء الطلبة"ساكنا"ولا اللجنة المشرفة على المنح هي الأخرى، وإنما كان التصامم والتجاهل هو العامل المشترك الذي جمع بينهما وسيماهم في عملهم الخجول الغير قانوني. ولكن ذلك لن يستمر على تلك الحال..فوراء الطلبة"البررة"وحقوقهم المشروعة أبطال أشاوس يعلمون-كما تعلم الجماهير والوزارة والإدارة-كي يناضلون عن حقوقهم، ويعلمون علم اليقين أن"الحقوق لا توهب وإنما تنتزع انتزاعا"..وسينتزعونها رغم أنف الدولة واللجنة والوزارة والجامعة..وإن غدا لناظره قريب...فقر عينا أيها الطالب ولا تيأس.

 

مفارقة

بالأمس قالت الدولة إنها تعتزم تصدير الكهرباء إلى الخارج واليوم يشهد تيار الكهرباء انقطاعات متعددة، وبالأمس القريب في منتديات التعليم أقرت بفشلها في مجال التعليم وأكدت أنها ستعمل على تطويره وهو ما لم يحدث بعد..واليوم يقول لسان الحال والمقال إن من لم يستطع أن يوفر"منحة قليلة"لطلبة قلة بالخارج لن يستطيع أن يصدر الكهرباء لمقاطعات نواكشوط"القريبة"أحرى دول الخارج، ولن يسلك الطريق الصحيح لتطوير التعليم والرفع من مستوى الطلاب..فكل تلك الأحاديث كانت مجرد شجون لا أكثر أيها السادة..!!

20. مارس 2013 - 14:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا