لقد سكتوا جميعا، في وقت يجدر بهم أن يقولوا كلمتهم، لقد سكتوا وأعينهم ترمق حركات وسكنات الجنرال في انتظار شارة الضوء الأخضر...، آه كم أشفقت عليكم يا أصحاب الفتاوى تحت الطلب! لأن الجنرال هذه المرة لن يعطيكم الإشارة ، لأن الشنقيطي ببساطة ليس بيرام، ولأنه أيضا ليس خصما لفخامة الركن المهيب، وبذا ستتقزمون مرة، ومرات في أعين من تبقى من محبيكم.
أين انتم يا من ملأتم الدنيا صراخا وعويلا ؟ أين الذين كفروا بيرام ؟ أين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حينما احرق بيرام كتب الفقه المالكي؟ أين الجنرال؟ أين حامي حمى الدين؟ مالنا لا نسمع لكم حسيسا؟ أم أنه لم يصل إلى مسامعكم ما خرج به محمد بن المختار الشنقيطيعن إجماع امة المسلمين؟حيث قال: انه لا رجم في الإسلام، ولا عقوبة للزنا إلا ما نص عليه محكم الكتاب من جلد للزانيين، أو الإقامة الجبرية للمرأة الزانية، والأذى للرجل الزاني.
وما قاله الشنقيطي لا يعدوا تكرار لما قاله به الخوارج الازارقة، وبعض المعتزلة، وهو ما كفرهم به الكثير من السلف الصالح، ولا ادل على هذا من قول عبد الله ابن عباس: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب, إذ قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 15] فَكان الرجم من ضمن ما اخفو....
لقد تريثت كثيرا علني أجد لبعضكم العذر، فتسمرت الليالي الطوال أمام التلفيزيون الوطني الذي يعز علي مشاهدته لخمس دقائق متتالية، فلم أشهاد الفقهاء، الذين شاهدتم في ردة الفعل على ما فعل بيرام ولد اعبيدي في محرقة الكتب الشهيرة، كما لم أشهاد المظاهرات، ولا الرئيس ، ولم تصم آذان هذه المرة عبارات التكفير، والشتم، والتنديد.
وانتظرت مجددا لأسمع خطيبة الجمعة في المسجد المجاور، وكنت اعتقد انه سيرد ردا شافيا على الشنقيطي، لأنه في المرة السابقة أبدا غيرة مشهودة على الإسلام إذ كان شديد اللهجة ضد قيادات حركة إيرا واثأر حماسنا نحن العوام بتلك الخطبة العصماء، التي اكتشفت لاحقا أنها عممت على جميع مساجد الموالاة، ولكني تفاجأت من الخطبة اليوم التي جاءت ممجوجة ومملة حتى أن الطفل الذي كان بجانبي كان يردد مفرداتها من فرط ما لاكها لسان الإمام .
فعرفت ساعتها أن الصمت عن الشنقيطي مرده أن الجنرال لا يهمه الشنقيطي في شيء، فهو لم يطمح لما بين يديه، ولذا فالجنرال لم يأمر فقها بلاطه والطامحون لمرتبتهم بالرد عليه.
فخرجت من هذا كله باستنتاج هو أن قطاع الفقه والإفتاء نخره الفساد كقطاع الصحة، والأمن ، والتعليم... وان فقها الواجهة (بنافه) استنفذ الجنرال ما بقي من ماء أوجههم ، وأصبحوا لا يساووا شيئا في ميزان القيم والمبادئ .
وفي الأخير أود أن أترحم على من تجرأ على قول الحق يوما الشيخ بداه ولد البصيري، واسل الله لشيخنا الفاضل محمد ولد سيدي يحي دوام الصحة والعافية وان يبارك لنا في عمره.
36316872