معادلة الحمالة : من يحلها ؟ / الحاج ولد المصطفي

في موريتانيا الجديدة أشياء كثيرة تغيرت بدءا برئيسها وانتهاء بحمالتها ،فالرئيس هو رئيس الفقراء بشهادة جماهير وأطر ومثقفي ووسائل إعلام الأغلبية في ستين حزبا أو يزيد و أسعار المحروقات ترتفع(محليا) حين تنخفض(عالميا) وترتفع كذلك(محليا) حين ترتفع عالميا.

 وقادة جيشها لم يعودوا عقداء بل جنرالات وتعليمها فاشل باعتراف رئيس حكومتها ومستشفياتها يموت فيها الأطفال في حملات التلقيح الوطنية . والحمالة في ميناء انواكشوط يطالبون بزيادة 5 أواق للكيلو أغرام المحول علي أعناقهم والذي زاد سعره 20 مرة ولم يزد حمله مرة واحدة ؟

مفارقات كثيرة تبدأ بشعار "رئيس الفقراء" ولا تنتهي بالحمالة الذين يضربون عن العمل منذ يومين في ميناء الصداقة للمطالبة بزيادة 5أوقيات .

يمكن لكل مرشح للرآسيات في بلد نسبة الأمية فيه تزيد عن 40 %  أن يدعي لنفسه ما يشاء من الألقاب. واختيار شريحة الفقراء له مبرراته الدعائية الواضحة ، لكن الإدعاءات شيء والحقيقة شيء آخر.

 فإذا استعرضا واقع الفقر في موريتانيا الجديدة - كما يحلو لأنصار الحاكم تسميتها –  نجد أنه يزداد مع كل إرتفاع في الأسعار وتدني في الأوقية وهي أمور باتت مألوفة ، فالطبقة الوسطي من المجتمع تحولت سريعا إلي مستوي قريب من خط الفقر  وأصبحت الرواتب وزيادتها الوحيدة والضئيلة 10% لا يستطيع مجابهة ارتفاع هستيري في الأسعار وفوضي في الأسواق تراجع للدولة عن دعم المحروقات تحت ضغط البنك الدولي والصناديق الغربية الأخري ،فانحدرت مستويات معيشة شريحة المعلمين والأساتذة والممرضين والجنود وضباط الصف والضباط والموظفون الإداريون وعمال مؤسسات الدولة لدرجة انتشار  ظاهرة "عمالة الموظفين" تحت وطأة الأعباء المادية كسياقة التاكسي والدكاكين والورشات الصغيرة والدروس الخصوصية والصيدليات  والعيادات وغيرها من وسائل كسب إضافي أصبح كل موظف وعامل للدولة يحتاجها للتغلب علي متطلبات العيش الكريم ، وتحديات ارتفاع الأسعار.

وأما الفقراء في الأصل فهم فئات وطوائف -حتي لا نظلم أحدا- سكان "الكزرات" فرحوا بتخطيط أحيائهم العشوائية وحصل بعضهم علي غنائم كبيرة حين وزعوا أسرهم إلي عشرات الأشلاء فحصلت الأم والبنت والولد والأقارب (الأحياء منهم والأموات )لافرق المهم هو معرفة طرق التحايل والتعامل مع لجان التقسيم والحرس والحكام وتكونت عصابات نهب لأرقام الترحيل والقطع الثمينة علي جنبات الطرق المعبدة (بسرعة فائقة وجودة معدومة) وتمت صفقات بيع وتراض وتقاسم ارتشف من كأسها فقراء كثر في تلك الأحياء أما بقية المستضعفين من النساء والرجال والأسر الكبيرة فقد عانوا الكثير من الظلم بسبب نقلهم عن أماكن شيدوها وأرض أحيوها حين كانت غفارا ورمالا لا يجرؤ أحد علي المرور منها ثم وجدوا أنفسهم من جديد في أوحال رمال أعظم وأصعب وحياة لا طاقة لهم بها في حين منحت أرضهم لأفراد العصابات المتاجرة بأحياء الترحيل (الحكام ،الحرس ،لادي، ومافوق ذلك وما تحته).هؤلاء يتظاهرون باستمرار أمام قصر رئيس الفقراء ويكشفون بعض ملامح المفارقة.

أما المتعففون من الفقراء الذين لا ينتهجون في حياتهم نهج "الكزرة" وأخواتها فهم محرومون من قطعة أرضية في وطنهم الفسيح وعهده الجديد وتلك نقطة سوداء علي شعار "رئيس الفقراء".

نذهب غير بعيد عن الفقراء إلي العاطلين عن العمل الذين تكدست بهم طرقات العاصمة وهم يتظاهرون أملا في شعار طالما خدعهم ببريقه الإعلامي ودعايته السياسية  أو هم يتخرجون كل سنة من الجامعات الوطنية والدولية وليس أماهم سوي بحر من مصاعب البحث والتحري وإعداد الملفات ونسخها وتوزيعها.. وهلم جر ومن ورائهم حلم بتأسيس كيان في هذه الحياة مع الأهل وداخل الوطن.

ثم نأتي للعمال الفقراء الذين حملوا مشعل ثورات العالم الحديث وتعرضوا للتهميش والمعاناة وقامت من أجلهم الأحزاب ورفعت الشعارات وكان أقربها إلي قلوب العامة منهم شعار "رئيس الفقراء" .- ومن سواهم يحمل هم أسر الفقراء...!

كبر حلمهم  برفع الظلم وانتهاء المعاناة واتسعت دائرة اهتمامهم بدوائر الحكم وبرامج الإدارات وكلام الشخصيات الجديدة وطال صبرهم وهم ينتظرون رئيسهم وهو يحارب الفساد وينصف المظلومين ويرزق المحرومين ،لكن أحلامهم تبددت علي الصخرة نفسها التي تبدد عليها وهم محاربة الفساد، فالمفسدون (بكل المعايير ) هم الآن المتحكمون في جميع دوائر الدولة و دواليب الحكم ومؤسساته وسفاراته في الخارج .

حمالة ميناء انواكشوط في إضرابهم الحالي يكشفون آخر أوراق النظام الحاكم ويحلون لغز معادلته القائم علي الدعاية للشعارات والتنصل من المسؤوليات

كيف لا يكون لعامل فقير يحمل علي عنقه (بكل طاقة جسمه النحيل) كل ما يأكل الأغنياء والفقراء من خيرات قادمة من وراء المحيط ليضعوها في السيارات التي تنقلها إلي مخازن التجار وبيوت الناس  كيف لا يكون له الحق في المطالبة ب5أوقيات زيادة لراتبه ؟ ويكون للتاجر الحق في زيادة سعر البضاعة المحمولة متي شاء ؟ بل كيف يقبل المجتمع أن تهان كرامة الإنسان الموريتاني وهو يقوم بأعمال لم يعد مقبولا في العالم للحيوانات أن تقوم بها ثم لا يمنح أبسط الحقوق؟

لقد سقطت دعاية رئيس الفقراء وهاهي تنقلب إلي عكسها حين لا يجد الفقراء من سلطات بلدهم من يستمع لمشاكلهم أو يلفت قبل ذلك لمعاناتهم وهم يقولون لوسائل الإعلام إن سخطهم اليوم أصبح شديدا وإنهم العمال ..!

21. مارس 2013 - 19:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا