يوم"22-03-2013" يوم محفور في ذاكرة تاريخ المقاوم..منقوش بالدم والنار على أديم الأرض المجاهدة..مضرج بدماء الشهداء"الذين صادقوا ما عاهدوا الله عليه"..معلوم لدى ساكنة المعمورة البسيطة..تفوح منه رائحة البطولات الخالدة، وعبق الانتصارات الشاهدة.
مع إشراقة صبحه الجميل تشاهد شعاع شمس الحرية الساطعة يلوح في أفق الكون..تتنسم عبير الأرض الحرة المقدسة..تكون وكأنك تقبل جدار الأقصى والقدس وتمسك بمفاتيحهما بكلتا يديك..الآلاف يتراكضون إلى القدس ليؤدون صلاة"عيد النصر"برحابه الطاهرة..
إنه يوم لا كسائر الأيام..يوم قدمت فيه الأمة الإسلامية فذة من فلذات كبدها..قدمت شيخا من خيرة شيوخها وأبطالها الأشاوس الذي لا يخافون المنون لأنهم وهبوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم وأنفسهم أولا وأخيرا لله تعالى..
إنه يوم الذكرى التاسعة لاستشهاد شيخنا وقائدنا الشيخ أحمد ياسين..مجد الانتصارات ورجل التاريخ المقاوم..الشيخ القائد الذي اغتالته أيادي الغدر بعد صلاة الفجر"ولكنها لم تستطع أن تغتال أفكاره ودعوته التي ستظل حية تنبض بها القلوب وتتوهج بها الأرواح والنفوس".
وقد أكد الشيخ ذالك يوم قال:"حماس موجودة و باقية، لم تعد تنظيماً ولا فكرة..حماس حقيقة وواقع وتيار شعبي كبير وضخم ، يقوده الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية ، تيار شعبي له عمقه. حماس تتسع كل يوم ، وتؤمن أن مستقبلها هو مستقبل التمكين والنصر بمشيئة الله تعالى"
فارس لا يترجل
لم تكن دويلة إسرائيل ونظيراتها من الدويلات الكافرة الظالمة تعلم أن أحمد ياسين يوم حملته أمه في بطنها جاءها طارق وأمرها بأن تسميه"أحمد"ليصبح قائد الركب المقاوم..ولعلها لم تكن تعلم كذلك يوم خرج الشيخ من رحم أمه إلى رحم المعاناة الفلسطينية أنه سيخوض بالرجال غمار الحرب وأنه سيظل يؤرق بني صهيون في مضاجعهم..لم تكن تعلم شيئا من ذلك البتة، لكن"العدو خبر جلاده يوم الروع"حقيقة، وظل يحاول جاهدا أن يغتال فكره ويغيبه عن أعين أحرار العالم، وقد نجح في اغتياله لكنه لم ولن ينجح في اقتلاع حبه من حشاشات الضمائر الحرة النابضة بالحياة المزدهرة بأشواق الحرية.
خرج أحمد ياسين إلى الوجود ليشاهد الواقع التي تعيشه أرضه الطاهرة..فلسطين بأم عينه..شاهده لكنه لم يتردد لحظة في وجوب تغييره، فانتفض انتفاضة الأسد الجسور وقام يخطب في الناس"أن حي على الجهاد"، إلا أنه وفي بداية عمره المفعم بالإباء والشموخ تعرض لحادث سير أدى إلى شلله، لكن الرجل لم يترجل عن صهوة مجده بل ظل يقارع الضيم ويمتطي جواد المجد ويسرج الصافنات من الجياد.."لا يسلم المفتاح ولا يترك القدسا..ويظل يبذل لها الأموال والنفسا".
ظل الشيخ القائد يؤمن بعزيمته وعزيمة"شعب الجبابرة"فكان يرى:"أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين أنفسهم عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الغير سواء أكان هذا الغير الدول العربية المجاورة أم المجتمع الدولي".
ورغم أنه شيخ مقعد فلم يكن يعبأ بالحديد والنار وقصف الدبابات..ظل يسير في طريقه المفروش بالأشواك..المحفوف بالنيران المشتعلة الحارقة..حدد خط مقاومته في كلمات واضحة:"إذا أعطينا الاحتلال وقف إطلاق للنار فذلك يعني أننا أعطينا الاحتلال شرعية وجوده، وكذلك أمنه وأمانه..لن نعطي هدنة إلا إذا خرج من الأراضي الفلسطينية كلها، وأطلق سراح المعتقلين جميعا، وأوقف عدوانه".
لكن الشيخ القائد في الوقت نفسه لم يكن يتجاهل شعبه المقاوم بل كان حريصا على معرفة مواقفه فكان يقول:"تأكدوا يا أبناء شعبنا أننا نسير لتحقيق المصلحة الوطنية لكم، فإذا كانت المصلحة في إعطاء هدنة فسنعطي هدنة، وإذا كانت المصلحة في الاستمرار في طريق المقاومة فسنكمل مشوارنا".
"طلاب الشهادة"
"-1إننا طلاب شهادة..لسنا نحرص على هذه الحياة..هذه الحياة تافهة رخيصة..نحن نسعى إلى الحياة الأبدية".
"-2العدو الإسرائيلي لا يترك للشعب الفلسطيني خيارات سوى خيار واحد، هو المقاومة والجهاد والاستشهاد".
..هذه مقتطفات قليلة من كلمات وتصريحات الشيخ أحمد ياسين التي كان يرعد بها دائما وأبدا في كل لحظة من لحظات الحرب الضارية بين إسرائيل وفلسطين عندما يظن العدو الإسرائيلي بل العالم أجمع أن شعب فلسطين أصابه الوهن والضعف..
في كل لحظة من تلك اللحظات تأتي كلمات الشيخ القائد أحمد ياسين موجة للجماهير المنتفضة رادعة للعدو الغاصب..تأتي تحمل في نبراتها صوت البندقية والمدفعية تحدوها عزيمة البطل الجسور..تأتي وفي طياتها معاني كثيرة لم يفهما العدو بعد حق فهمها.
إنها كلمات تطل من خلف تلال العزيمة والشموخ والكبرياء والثقة بأن"المستقبل لهذا الدين"وأن النصر حليف أتباعه...ولا غرو فهي كلمات المقعد الشيخ أحمد ياسين.
عزيمة لا تهزم
لدى الشيخ القائد أحمد ياسين عزيمة لا تنثني وعقيدة لا تهزم وهمة لا تبارى، فهو المؤسس الأول لحركة المقاومة الإسلامية"حماس"وحماس كما يقول الشاعر الجزائري محمد براح:
هي من حكى ورد الربيع نضالها وسقى الندى ليل الشتاء القاسي
هي من تأجج في البرية صبحها لا صبح أجمل من صباح حماس
منذ ذاك التاريخ والشيخ القائد يقارع ضيم اليهود وظلمهم بهمة البطل الجسور.."بجبهة لا تنحني وعزيمته لا تهزم"..ظل يسير في طريق المقاومة يخطب الشهادة في سبيل الله، وينافح بصدق عن قضيته المقدسة..عن أرض الإسراء المعراج..أرض النبوات..هتف بصوته ورفض قيام دويلة إسرائيل المزعومة والتي كانت نواتها الحقيقية"الوعد المزعوم"وعد بلفور1917م.
وقد كان قدر"شعب الجبابرة"أن ينتفض في وجه الآلة القمعية ويهتف بهتافاته الرافضة لقيام كيان صهيوني على أرض فلسطين، فانطلق بحجارته المتواضعة مسربلا باللهيب والنار مقيدا بالحديد وبالحصار ورغم كل ذلك أشعل فتيل النار..
لم يكن الشيخ القائد أحمد ياسين يعبر عن صوت الشعب الفلسطيني وحسب، بل كان يمثل الأحرار من شعوب"العالم الحر"فكان يقول:"لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نعترف بإسرائيل وهي تغتصب أرضنا وحقوقنا ووطننا وتاريخنا". هكذا كانت همة الشيخ القائد وعزيمته ونظرته الثاقبة..
كان الشيخ القائد إماما في كل ميادين الحياة..شهد بذلك الأولون من المجاهدين واليوم شهد بها اللاحقون ومنهم القائد إسماعيل هنية في خطبة الجمعة اليوم"22-03-2013"..قال:"لقد كان إماما لنا في الصلاة والجهاد والتواضع والأخلاق، اغتياله كان محاولة لاغتيالا القضية التي كان يقودها..إلخ".
***************
رحل الشيخ القائد الرمز، وغاب عن العيون ودنيا الناس ذاك الوجه الباسم الذي يوزع النور والرحمة بين القلوب المؤمنة المجاهدة الصابرة، ويزرع روح الجهاد والتضحية في النفوس. لكن طيفه وجهاده وتضحيته وصبره..إلخ هي أمور ستبقى مخلدة مسطرة في جبين الدهر..ستحفظها ذاكرة التاريخ لترويها لأجيال الزمن القادم حماة القدس الحبيب..
سيظل رمز الجهاد والتضحية في موته كما كان في حياته..سيظل رجل التاريخ ومجد الانتصارات والبطولات بلا منازع..سيظل شيخا وقائدا ومحمدا ومحمودا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
وكانت في حياتك لي عظات...وأنت اليوم أوعظ منك حيا
رحمه الله شيخنا وقائدنا: الشيخ أحمد ياسين