هذه الحلقة هي الأخيرة من سلسلة الصوفي المسلم، والتي وعدت فيها بأن أضع النقاط علي الحروف.
وهذه الفكرة ( التي هي وضع النقاط علي الحروف استنتجتها من عدة عوامل تشمل الإنسان كله ).
فمعروف أن الإنسان قبل أن يأتي إلي الدنيا لا حيلة له دون المجيء إليها، وفي نفس الوقت عند ما ينظر إلي الإنسان بجنبه أو جاء للدنيا بعده يجدهما متساويين تماما.
فكل ما هو أمامهما متساويان فيه: نوع الميلاد والشكل والنمو إلي آخره، وبعد ذلك يستمر هذا التشابه حتى يصلا إلي القبر قال تعالي: {{من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره}}.
هذه الدنيا لا يلتفت فيها إلي من قال لأخيه: أنا عندي خاصة عنك اكتسبتها من وجودي في الدنيا، فالموت واحد ولا يدري أحد منا متي يأتيه ولا في أي مكان.
هذه هي الخطوة الثانية في التشابه وبقيت خطوة واحدة وهي ما بعد الموت، وهي الثالثة، فالجميع يتفق علي مسألتين: الأولي : أن الأحد المختص في التصرف فيها هو الله جل جلاله، والثاني أن هذا التصرف رتبه جل جلاله علي امتثال ما جاءت به رسله من البينات المتعلقة بجميع حياة البشر.
فماذا بقي من وصف التشابه أو الاختلاف في المصير بعد الموت الذي وصلته البشرية وهي متحدة فيه؟
فمن المعلوم عند الإنسان بعد أن جعل الله له سمعا وبصرا وأفئدة وفتح الله له باب العمل بمقتضاه أن الله اختار رجالا بدون أي إذن أي واحد جعلهم هم رسله إلي البشرية بالتفصيل المعروف في القرآن كيف يرسل الله وحيه ومع من وماذا فيه.
وما في هذا الوحي لا مراجعة في نوعه ولا المؤاخذة علي امتثاله، الجميع جمعه الله عنده ومنه إحصاء عمل كل إنسان خيرا أو شرا.
ثانيا: مجابهة به كل إنسان ساعة وقوفهم بإحصاء دقيق يقول تعالي:{{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}} إلي قوله تعالي {{وكفي بنا حاسبين}}.
وفيما يلي علينا أن نتنبه علي الحقائق التالية:
أولا: أن القرآن بالنسبة لنا نحن المسلمين نزل بلسان عربي مبين بمعني ذلك أن صرف معانيه غير المتبادر من لغته مغالطة في الدنيا.
فمثلا إذا سمعنا الله يقول لفظة : "كل" في أي مكان من القرآن لا تعني إلا الجميع إذا لم يستثني الله من الكلية فلا استثناء البتة مثل قوله تعالي: {{كل نفس بما كسبت رهينة}} إلي آخر الآية، وقوله تعالي: {{يوم تأتي كل تجادل عن نفسها}} تساوي بالضبط {{كل نفس ذائقة الموت}} إلي آخره.
وعلي كل مسلم أن يقيس جميع كلام الله العربي في القرآن بمعناه ودلالته المفهومة للناطقين بها، فمثلا إذا قال الله تعالي: {{لا يبدل القول لدي }} وقوله تعالي: {{أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا}} إلي آخر الآيات.
فأكبر مغالطة أن ينص القرآن علي معني فيأتي الإنسان ويحرفه عن موضعه فقوله تعالي:{{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}} فعندما يقول الإنسان هذا صحيح ولكن هذا الغيب قد يعلمه الله لبعض عباده، فهذا وحي من الشيطان لأن من علمه الله علم الغيب لا بد أن يكون أحد أمرين: إما شخص معروف مثل الأنبياء أو أحد أراد الله إخباره بالغيب سواء كان امرأة مثل أم موسي أو نحلة أو شخصية "الخضر إذا كان هو صاحب موسي" ولكن لا يصح إطلاق قاعدة أٌقفلها الله إلا عن نفسه أو من فتحها الله عليه بإذنه، فمن قال أنه بعد الموت مباشرة سيعطي كتابه بيمينه أو بشماله، بسبب أي عمل في الدنيا، فهو عند الله من الكاذبين طبقا لقوله تعالي :{{هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلي الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون}}.
أي كلام للإنسان وهو حي يتنبأ هبه عن ما بعد الموت فهو افتراء علي الله إلا إذا كان رسولا وتكلم بوحي من ربه عن مصير أي إنسان.
وفي هذا التحليل يتضح أن الإنسان أي جميع ولد آدم لا يتجاوز مصيرين في الآخرة، ففي الدنيا متحد المصير وفي الآخرة فريق في الجنة وفريق في السعير.
بمعني أن فرعون عنده سجل في عنقه وكله شر، وأن موسي له كتاب وكله خير فيه أعمال أولوا العزم من الرسل ، وكل نبي وكل عبد صالح أو طالح له سجل في عنقه حسب عمله: {إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها}} إلي آخر الحديث {{فلا تغرنكم الحياة الدنيا}} وما يقوله أهلها وهم أحياء {{ولا يغرنكم بالله الغرور}}.
ومن هنا أصل إلي عمل صاحب الغرور وهو الشيطان، فمن المعلوم أن الله أذن للشيطان أن يجلب علي الإنسان بخيله ورجله ليبعد الناس عن طريق الرسل فما هو المطلوب منهم؟
وهناك طريقان كما نعلم جميعا لمجاوزة ما أمر الله به عباده : الأولي ترك الأوامر المنزلة في القرآن، والثانية مجاوزة الأوامر المقررة في كتب الأنبياء ونعني هنا بالنسبة لنا القرآن وما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم.
وكل هذه الطرق هي المنحرفة عن الطريق المستقيم التي أوصانا الله بطلب الهداية إليها كل يوم عدة مرات، فالانحراف إلي رفض الأوامر واضح :{{قالوا ما أنزل الله علي بشر من شيء}}.
أما الانحراف داخل أوامر الله فهناك الخطر لقوله تعالي: {{ويحسبون أنهم مهتدون}}، {{ويحسبون أنهم يحسنون صنعا}}،{{وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحستبون}}، {{زينا لكل أمة عملهم}} إلي آخر ما في القرآن في الموضوع.
ومن الغريب أن المسلم مأمور بأن ينكر ما ينكره الشرع ولذا وصفهم الله بـأنهم : {{الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله}} ومع ذلك من أنكر مثل هذا يسمي بالمنكر في عرف بعض الناس.
وعليه فإننا نبين ما علي المسلم أن ينكره :
أولا: علي المسلم أن ينكر علمه بما سيفعله الله به بعد موته، فمثلا يقول الله تعالي: {{ثم إنكم بعد ذلك لميتون}} فهذه الموت يمثل كل إنسان فيها بعد موته أمام الله فلا يدري ما ذا يصدر في شأنه يقول تعالي: {{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون}}.
ثانيا: أن يعتقد المسلم أنه لا ينفعه بعد لحظة الموت إلا ربه وحده فلا تدخل للغير مهما كانت عبادته لله، {{وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}} لها دلالتها في العربية يجب صرفها إليها، وإلا فهو رجم بالغيب، وهنا يمكن تجربة أن تستغيث بأي مخلوق مظنة أنه ينفع وهو حي في المصائب فسوف لا يجيبك ولا يعلم بما وقع لك.
ثالثا: نحن جميعا متفقون إلي أن عملنا الإيماني تابع للرسول صلي الله عليه وسلم بمعني مضاف إليه هو صلي الله عليه وسلم كما علم لنا وتركنا علي سنته.
فهل هذه السنة بمعني العبادة وهي : الإيمان والإسلام والإحسان محفوظة أو حرفت عن أصلها؟
فالذي نتيقنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قد بلغها إيمانا وإسلاما وإحسانا، وفسرها بعربيته الفصيحة طبقا لتربيته وفطرته التي فطره الله عليها.
ومن المستحيل أن تتكرر أوامر مختلفة أو ناقصة أو مقصرة عن ما أنزل الله إليه:{{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}}
وأخيرا فإني أنصح كل مسلم بأن يراجع أوامر القرآن {{من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير}}، {{فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمر إلي الله إن الله بصير بالعباد}}.
