يطل علينا موسم سياسي تعرض فيه بضاعة السياسية بالمزاد، و تبدأ فيه الزيارات و اللقاءات و تجديد الولاءات، و المصالح الشخصية، و تتلون الوجوه السياسية بصبغة المجاملات لتكسب الرهان.
موسم يُصنع فيه وطن بمقاس السياسة، و السياسة فقط.
يجد المواطن البسيط نفسه محاطا بإكراهات كثيرة تجعله يذوب في الحالة العامة دون أن ينتبه، و يستخدم السياسيون كل أدوات التنويم المغناطيسي، لجعله لا يشعر بما يساق إليه.
ما بين المصالح الشخصية و الجهوية و الحزبية، يغيب وطن كبير في متاهات التوازنات و الولاءات الضيقة.
سننتخب نوابا و عمدا ، و بعد ذلك سنجد أنفسنا نصادق من خلالهم على تشريعات و خطط قد لا تروق للكثير منا، فهل إستحضرنا أهمية اللحظة؟
في نهاية المطاف، يسعى الحزب الحاكم لإثبات جدارته من خلال كسب الأغلبية الساحقة من النواب و العمد، و تسعى المعارضة لإثبات تموقعها كفاعل سياسي يحسب له ألف حساب، و وسيلتهم في ذلك هو ذلك الخطاب و تلك الأدوات الجهوية و المصالح البينية التي تستخدم لإقناع المواطن بطريقة ما، تجعله يدلي بصوته لصالحهم.
في النهاية لن تتغير الخريطة السياسية كثيرا، و المحصلة كما كانت و ستكون هي أن من يحكم هو صاحب الفعل خلال مأموريته.
ستُنفَق أموال كثيرة، و تصدح أصوات متنوعة، تتلون بتلون فنانيها المحترفين و المتمرسين في كسب رهاناتهم، خلال الموسم السياسي، و سيبقى المواطن أمام معادلته الأولى التي يعود فيها إلى مكانه القصي من إهتمامات أغلب أولئك السياسيين، و يبقى الوطن يبحث عن أبنائه الأعزاء، و أين هم من نهضته و الوفاء له؟
لا يميز الوطن بين معارض و موالٍ، فهو يتطلع أن يجدهم أوفياء مخلصين كل من موقعه، تماما كما هي العلاقة بين الأب و أبنائه، فكل ما يهمه أن يراهم متحدين متحابين، كل يساعد الآخر من أجل هدفهم الموحد.
لكن السياسة لا تريد ذلك أو بتعبير أصح لا تصنعه.
فالموسم السياسي يمثل حلقة نضالية تنافسية، تعيد ترتيب الولاءات ، و تزيد المسافات بين الفرقاء حتى ينسى بعضهم في لحظة ما أن الوطن للجميع و يجمع الجميع.
و تظل تلك المسافات تلازم الفاعلين السياسيين طيلة المأموريات، لتجعل العمل التضامني و التشاركي حبيس تصورات سياسية صُنعت في لحظة إنفصام عن الذات الوطنية المتشبثة بالوطن و الوطن فقط.
أما المواطن! فلا تسأل عن حال ذلك البطل المسرحي، الذي ليس له من الأمر إلا تنفيذ فصول المسرحية بالطريقة التي يختارها المخرج، ثم يجلس جانبا، ليقبض ثمن أدائه لدوره الممتاز، إن كان له ثمن!، دون أن يدرك أن عنوان الفيلم الذي كان بطله هو "عذرا أيها المواطن فنحن مشغولين بمصالحنا عنك"
إن ممارسة الديمقراطية و حتى لو تمت دون تحوير و لا تزوير، ليست بالضرورة هي المحور الأساسي لتنمية البلدان، كما يظنها البعض، بل هي فقط آلية مجردة من خلالها ننتخب أفرادا، ليتولوا خدمات عامة نيابة عنا، و بأمانة و مسؤولية، ليبقى السؤال البارز عن أداء الأفراد المنتخبين و مدى إخلاصهم لأمانتهم و وطنهم و مواطنيهم؟
و من هذا المنطق يقف المواطن و الوطن أمام الموسم السياسي وقفة تطلع و إستشراف، ينتظر فيها ما كان ينتظره، و لعل الموسم السياسي أن يجد له جوابا على سؤاله الأول و الأخير.
(متى يجد المواطن نفسه في وطنه حاضرا، و يستفيد من ثروته و فرص وطنه دون أن تذهب بها مآلات الموسم السياسي أدراج الرياح؟)